ما أتفق لفظه واختلف معناه

تحتوى اللغة العربية على الكثير من المفردات المختلفة التي لا عد لها ولا حصر ، وأكبر دليل على ذلك هو كافة المعاجم التي حاولت أن تحصر مفردات العربية ، ولكنها لم تهتدي إلى هذا ، وذلك لأن كل كلمة من كلمات هذه اللغة يمكن أن يتم اشتقاق كلمة أخرى منها ويمكن أن تدل على ذات معنى الكلمة الأولى ، أو تدل على معنى مختلف تماماً للكلمة التي اشتقت منها ، وبهذا أصبح هناك ملايين الكلمات العربية التي يستخدمها العامة في حديثهم ، والشعراء في كتابة أشعارهم ، وفي مختلفة المجالات الأدبية ، وما أكثر ما يميز هذه اللغة العريقة أنك تجد بها كلمتين لهما نفس الفظ ، لكن معناهما مختلف تماماً .


ما اتفق لفظه واختلف معناه

  • الاتفاق في اللفظ ، والاختلاف في المعنى يسمى في


    اللغة العربية


    (المشترك اللفظي) ، أو اللغوي هو اتفاق اللفظ مع اختلاف المعنى ، وهذا يعنى أن معنى الكلمة يتغير بحسب الموضع الذي تكون فيه في الجملة ، ومثال ذلك كلمة العين ؛ فنجد معناها في البيت الذي يقول فيه جرير:  و لمْ أنسَ منْ سعدٍ بقصوانَ مشهداً ** وَبالأُدَمَى ما دامَتِ العَينُ تَطرِفُ فإنّ فأن العين هنا ليس المراد بها عين الإنسان وأنما هو أطلق كلمة العين ، وأرد النظر ، أو الرؤية ، وفي قوله تعالى : “فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا” نجد أن معنى كلمة عين هنا هو عين الماء التي يخرج منها ، كما أن كلمة العين يكون لها العديد من المعاني الأخرى منها :  الجاسوس ، والشريف السيد كبير القوم ، والحاضر من كل شيء ، وهذا معنى المثل (أصبح أثراً بعد عين) ، ويمكن أن تقول عين على الشيء ذاته ، فيقال هو عينه أي هو بنفسه أو بذاته ، ويمكن أن يكون معناها  قائد الجيش وطليعة الجيش ، كذلك فأنها تأتي بمعنى أهل الدار .
  • والحقيقة أن هناك الكثير من المعاني الأخرى التي وردت حول معنى كلمة عين ، والفيصل في هذا إلى السياق التي ترد فيه الكلمة فهو الذي يحدد معناها المراد ، فنجد أن كلمة قص يمكن أن يكون لها أكثر من معنى إذا وضعناها في جملتين مثل ( قص الرجل القميص ) ، و ( قص الرجل الرواية ) ، فالأولى معناها القطع ، والثانية معناها الحكاية ، أو السرد . [1]


أمثلة من القرآن الكريم على المشترك اللفظي

هناك أمثلة كثيرة في القرآن الكريم على المشترك اللفظي ، أو على الألفاظ التي تتفق في اللفظ ، ولكن لها معنى مختلف ومنها : [2]

  • لفظ (الإصر) ، فقد ورد بمعنى (الثقل) ، وذلك في قوله سبحانه : ( ويضع عنهم إصرهم ) ، و قال هذا مجاهد ، وقتادة، وابن جبير ، كما ورد (الإصر) بمعنى العهد ، وذلك قوله -عز وجل- : ( وأخذتم على ذلكم إصري ) بمعنى : عهدي .
  • كما جاء الفعل (جعل) في القرآن الكريم بمعنى  (الخلق) ، مثل قوله سبحانه : ( وجعل الظلمات والنور )  أي: خلق ، وجاء بمعنى (صير) ، مثل قوله تعالى  : ( الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء )  ،  قال القرطبي: “معناه هنا: صير ؛ لتعديه إلى مفعولين”، ويأتي بمعنى سمَّى ، وبه فُسر قوله عز وجل: ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناث )  والمراد : سموهم .
  • ومنه لفظ (الحِجر) ، فقد ورد بمعنى (العقل) ، وذلك قوله  – عز وجل – : ( هل في ذلك قسم لذي حجر ) ،  والمراد : لذي لب وعقل ، ويأتي بمعنى (الحرام) ، وبه فُسر قوله – عز وجل – : (ويقولون حجرا محجورا ) المراد تقول الملائكة : حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال: لا إله إلا الله، وأقام شرائعها ، كما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعلى هذا المعنى أيضاً قوله تبارك وتعالى:( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ) بمعنى : حرموا أنعاماً وحرثاً ، وجعلوها لأصنامهم .
  • كلمة (الحميم) ، جاءت بمعنى  (الماء الحار) ، من ذلك قوله تعالى : ( ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم )  الحميم: الماء الحار ، ومثله قوله تعالى: ( وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) ، ويأتي (الحميم) بمعنى (قريب الرجل) ، من ذلك قوله سبحانه: ( ولا يسأل حميم حميما )  والمراد : ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه ؛ لشغله بشأن نفسه .
  • كلمة (الطائر) ، جاءت بمعناها المعروف  (واحد الطير) ، قال تعالى: (ولا طائر يطير بجناحيه )،  وجاء الطائر بمعنى (عمل الإنسان) ، وبه فُسِّر قوله – عز وجل – : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) ، قال ابن عباس : عمله ، وما قُدِّر عليه من خير وشر ، وهو ملازمه أينما كان .


أسباب ظهور المشترك اللفظي في اللغة

  1. تعدد واختلاف اللهجات ، وهذا بمعنى أن تكون الكلمة ذاتها لها معنى  عند قبيلة من القبائل ، ومعنى أخر عند قبيلة أخرى ، وهذا مثل كلمة (السليط) فأن أغلب العرب يعلم أن معنى هذه الكلمة المقصود به الزيت ، ولكن نجد أن بعض القبائل في اليمن يشتهر لديهم أن معنى السليط ( دهن السمن ) ، كما أننا نجد اليوم أختلاف بين البلاد العربية في معنى الكلمات ذاتها ، فمثلاً نجد أن كلمة العافية المقصود بها الصحة في أغلب البلاد العربية ، على عكس بلاد المغرب فأن المقصود بها عكس هذا .
  2. استخدام المعاني المختلفة في المجاز البلاغي ، أي أن تأخذ الكلمة معاني مختلفة لعلاقة مجازية مثل المشابهة أو الجزئية فنجد أن كلمة العين التي معناها الأصلي هو عين الإنسان ، تخرج من معناها الحقيقي إلى معنى مجازي لعلاقات مختلفة منها المشابهة عندما تدل على  عين الماء ، فأنها هنا تشبه عين الإنسان التي يخرج منها الدمع ، وهي عين يخرج منها الماء ، فأصبح مجاز علاقته المشابهة ، كما أنها تصبح مجاز علاقته الجزئية عندما نقصد بها الجاسوس ، فأن الجاسوس يتجسس على الأشخاص بعينه ، وهي جزء من أعضاء الإنسان ، وليست جسده بالكامل فأصبح مجاز علاقته الجزئية ، وهذا مثل قوله تعالى (  فتحرير رقبة ) والمراد ليس رقبة الإنسان فقط وأنما جسده بالكامل ولكنه عبر الجزء عن الكل .
  3. التطور اللغوي ، ونجد أن هذا السبب لدكتور  إبراهيم أنيس ، حين قال: بأن الكلمات تخضع لعوامل تعرية وتحوّر وزيادة، بحكم تقدمها في العمر ، وهذا يجعلها تتشابه مع ألفاظ أخرى ، فتصبح كلمات متشابهة في اللفظ مختلفة في المعنى .
  4. كثرة المعاني أمر طبيعي في كل اللغات ، فأن هذه الكثرة في التعبير عن اللفظ الواحد جعلت المعاني أكثر من الألفاظ ، أو المفردات  وكما قال الجاحظ : مطروحة في الطريق كثيرة ، والألفاظ أقل منها . [3]


آراء العلماء في المشترك اللفظي

  • أختلف العلماء على وجود المشترك اللفظي أو عدم وجوده فمنهم من رجح وجوده ، وقال بأهميته ومن هؤلاء العلماء  الخليل بن أحمد الفراهيدي ، و


    سيبويه


    ، والأصمعي ، وابن قتيبة وغيرهم ، ويقولون أن  المشترك اللفظي ظاهرة تزيد اللغة ثراء وجمالاً وأناقة وسعة .
  • وهناك بعض العلماء أنكروا وجود المشترك اللفظي في اللغة من الأساس وهم ابن درستويه ، وقال أنه لا يخرج عن المجاز . [4]