الفرق بين الصغائر والكبائر
نرتكب الكثير من الذنوب والمعاصي على مدار الحياة بشكل يومي بعضها نرى أنها بسيطة وأخرى نرى أنها خطوط حمراء لا يمكن الاقتراب منها أو المساس بها، لكن ما لا يعمله الكثير من المسلمين أن الله سبحانه وتعالى قد بين لنا من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أن الذنوب تنقسم في الأصل لصغائر وكبائر.
الفرق بين الصغائر والكبائر
وضح لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- من خلال العديد من الأحاديث النبوية الشريفة بالإضافة لما نصت عليه آيات القرآن الكريم أن الذنوب التي يرتكبها العبد في حق نفسه تنقسم لكبائر وصغائر، وهذا ما أجمع عليه علماء المسلمين فيقول ابن القيم:”الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار”، ومما استشهد به ابن تيمية -رحمه الله- على انقسام الذنوب لكبائر وصغائر هو قول الله عز وجل:”
وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا
” سورة الكهف الآية.
الصغائر
حينما سئل ابن تيمية -رحمه الله- عن ماهية صغائر الذنوب وكيف يمكن أن نفرق بينها وبين الكبائر كان جوابه أن خير ما ورد في هذا الخصوص هو ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- وهو:”أَنَّ الصَّغِيرَةَ مَا دُونُ الْحَدَّيْنِ : حَدُّ الدُّنْيَا وَحَدُّ الْآخِرَةِ “، بمعنى أن ارتكابها لا يرتبط بإقامة حد على مرتكبها في الحياة الدنيا ولا يرتبط بوعيد من الله سبحانه وتعالى في الآخرة كالغضب على العبد أو دخول جنهم أو اللعن.
ولكن كون الصغائر من الذنوب التي تعد أقل وطأة في الوعيد مقارنة بالكبائر لا يجب على المسلم أن يستهين بها، فالاستهانة بصغائر الذنوب لها نتائج لا يحمد عقباها في الدنيا والآخرة ومما يجب على كل فرد الانتباه إليه فيما يخص مسألة الصغائر:
- إصرار المرء على ارتكاب صغائر الذنوب قد يقوده إلى الكبائر، فالصغائر لا تقود للفسق إلا أن الإصرار عليها يحولها لكبيرة.
- يستهين البعض بالصغائر لاعتقادهم أن إثمها يكون أقل من إثم ارتكاب الكبائر، وفي ذلك ذكر ابن القيم أن الإصرار على ارتكاب الصغائر ربما يعادل إثمها إثم الكبائر أو يزيد، ومما قال ابن عثيمين في ذا الصدد أن الإصرار على ارتكاب الصغائر يعد نوع من أنواع التهاون بالخالق عز وجل وبأن هذا الشخص لا يكترث بما حرمه على عباده.
- الاستهانة بارتكاب الصغائر كذلك من الأمور التي تهلك صاحبها فحذر منها النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد جاء عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم أنه قال”إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ”، وقد ضرب النبي مثلاً يبين لنا من خلاله أثر الصغائر على النفس فقال:”كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا”.
- مما وعد الله سبحانه وتعالى به العباد في القرآن الكريم أن اجتناب الكبائر يكفر عن العبد صغائر ما يرتكبه من ذنوب وقد أشار لذلك في أكثر من موضع في القرآن الكريم ومنها قوله تعالى:” إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا “، لذا على كل مرء أن يسعى لتطهير صحيفته من الذنوب التي تحول بينه وبين رضا الله سبحانه وتعالى، وأن يجتنب الكبائر ولا يصر على ارتكاب الصغائر لينال المغفرة.[1]
أنواع الصغائر
يرتكب الجميع على مدار اليوم الكثير من الصغائر دون أن يدركوا حتى أنها ذنوب سيحاسبوا عليها أمام الله سبحانه وتعالى، ودون أن يعوا أن تكرارها والإصرار عليها قد ينتهي بالمرء بارتكاب الكبائر، ومن أنواع هذه الصغائر:
- النظرة، مثل النظرة لعورة أو النظرة لشخص بسخرية للتقليل منه فيدخل الحزن على قلبه، كما تتضمن النظرة التي يقصد بها التجسس على الآخرين دون أن ينتبهوا.
- الاستيلاء على أشياء الآخرين دون وجه حق أو الاحتفاظ بأشياء تمت استعارتها لبعض الوقت للأبد، فالأفضل ردها لأصحابها.
- مما يرتكبه كثير من الناس كذلك في الأسواق والمحال التجارية هو تذوق المنتجات المعروضة للبيع دون استئذان أصحابها ودون وجود نية مسبقة للشراء.
- الإشارة كذلك من صغائر الذنوب وتتمثل في التعبير بالحركات عن مساوئ الشخص أو مواصفاته بطريقة تؤذيه، مثل الإشارة لشخص بكونه قصير استهانة به أو سخرية منه.
- عدم إتقان العمل كذلك أو إهدار الوقت المخصص للعمل باستخدام الهاتف أو التحدث مع الزملاء لوقت طويل خارج أوقات الراحة.[2]
الكبائر
أما عن الكبائر فهي كل ذنب يلحق بوعيد ذكر في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة كالعذاب في النار أو اللعن، كما تشمل كل ذنب ذكر أنه يحرم على صاحبه دخول الجنة أو أن يشم ريحها، بالإضافة لكل ذنب قيل عن صاحبه بأنه ليس من المسلمين وبكونه آثم، وقال بن تيمية في تعريف الكبائر:”كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِلَعْنَةِ أَوْ غَضَبٍ أَوْ نَارٍ فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ”.
ومما أجمع عليه علماء المسلمين هو الإجماع على عدم حصر الكبائر بالسبع التي ذكرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف:”اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : ( الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ”، فذكر الحافظ في مسألة الحصر في سبع فقط في الفتح:”أخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قِيلَ لَهُ الْكَبَائِر سَبْع فَقَالَ: هُنَّ أَكْثَرُ مِنْ سَبْع وَسَبْع, وَفِي رِوَايَة عَنْهُ هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ وَفِي رِوَايَة إِلَى السَّبْعمِائَةِ, وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْمُبَالَغَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى سَبْع”.
أنواع الكبائر
انطلاقاً من أن الكبائر التي يمكن أن يقع بها المسلم لا تنحصر في سبع ذنوب فقط، فقد قسمت الكبائر بشكل أساسي بناء على مكانها إلى كبائر القلوب وكبائر الجوارح، كذلك فإن الكبائر تقسم على حسب مصدرها إلى ثلاث أنواع رئيسية هي كبائر القلوب مثل الكفر والشرك، وكبائر الأقوال مل الغيبة والنميمة، وكبائر الأفعال مثل القتل.
أما عن جوارح القلوب فتتضمن:
- الكفر.
- الشرك.
- الاستكبار عن العبادة.
- النفاق.
- الرياء ويتضمن كل عبادة يقوم بها العبد لإرضاء الناس وليس الله سبحناه وتعالى.
- السحر.
- التشاؤم.
فيما تقسم كبائر الجوارح إلى 5 أقسام بناء على نوعها وهي:
- كبائر تعلق بالعبادات.
- كبائر تتعلق بالمعاملات.
- كبائر تعلق بالجهاد والعلم.
- كبائر تتعلق بالمعاشرات.
- كبائر تتعلق بالأخلاق.
كما يتم تقسيم كبائر الجوارح إلى 6 أقسام بناءً مصدرها كما يلي:
- كبائر يرتكبها المرء بلسانه والتي تتضمن النميمة والغيبة والشهادة الزور وغيرها.
- كبائر يرتكبها المرء بعينيه مثل زنا النظر التي يتمثل في النظر للمحرمات أو للنساء بشهوة.
- كبائر يرتكبها المرء بيديه والتي تشمل قتل النفس التي حرم الله قتلها والتعدي على الآخرين بالضرب بالإضافة للسرقة.
- كبائر يرتكبها المرء بأذنه مثل الاستماع للموسيقى والفواحش.
- كبائر تتعلق بالفرج مثل ارتكاب فاحشة الزنا أو الإقدام على ما فعله قوم نبي الله نوح- عليه السلام- وقد كانوا يأتون الرجال شهوة دون النساء.
- كبائر تتعلق بالبطن مثل شرب الخمور.[3]