نظرية الكر والفر
نظرية الكر والفر تُجسد المعنى الحرفي لجملة ” الحرب خَدْعَة ” ؛ فمن خلال هذه المناوشات التي تتم بين القوتين المتحاربتين يتعرف كل منهما على نقاط الضعف الموجودة لدى القوى الأخرى ، ويتمكن من كسب الوقت لصالحة ، وقد تم استخدام هذه النظرية في حروب عدة .
نظرية الكر والفر
نظرية الكر والفر هي فكرة استراتيجية يتم من خلالها استخدام الهجمات بشكل مفاجئ وقصير ، ثم الانسحاب السريع قبل تمكن العدو من الرد على الهجوم ، وتقوم على المناورات المستمرة لتجنب المشاركة مع العدو بشكل كامل ، وهذه الاستراتيجية لا يكون الغرض الأساسي منها هو هزيمة العدو بشكل قاطع ، ولكنها تعمل على إضعاف قوات العدو ببطء عن طريق المناورات المستمرة ، وهذه النظرية تعمل على كشف نقاط الضعف الدفاعي لدى العدو ، والتأثير السلبي على معنويات قواته .
هي النظرية الأساسية التي تقوم عليها حرب العصابات ، والحركات الإرهابية ، وحركات المقاومة المسلحة ؛ وذلك لأن في هذه المناورات يُبالغ العدو في الرد على القوة المهاجمة له .
تقوم أساليب الجيوش النظامية على استخدام طريقة الكر والفر على المدى القصير ، وفي أغلب الأوقات ما يتم استخدامها كنوع من الاستعداد للمواجهة بشكل واسع النطاق مع قوات العدو ، ومن أشهر الأمثلة على هذه المناورات هي هجمات الكوماندوز ، وما يُماثلها من هجمات القوات الخاصة ، أو الهجمات الجوية .
نظرية الكر والفر تظهر جلية في حروب الفرسان حيث استخدم رماة الأحصنة المسلحة ، وكانت أغلبها نماذج من الشعوب الأوراسية . [1]
الفكرة الأساسية للكر والفر
من خلال استخدام تكتيك الكر والفر من قِبَل قوة أضعف من القوة التي يتم مواجهتها تتحقق الكثير من النتائج الهامة لهذه القوات مع تعرضهم للإصابات الطفيفة ، وعلى المدى الطويل تتمكن هذه العمليات المتكررة المستمرة من إضعاف العدو ، وتشتيته ، وإضعاف موقع التمركز الخاصة به ، بالإضافة إلى إضعاف الحالة النفسية للعدو ، وهي من أهم التكتيكات التي لها أكبر الأثر في خوض الحروب ضد الإرهاب . [2]
الخطط بعيدة المدى التي تعتمد عليها حرب العصابات الفعالة هي الخطط التي يتم تصميمها بشكل خاص للعدو ؛ وذلك بهدف كسب أكبر قدر ممكن من الوقت الذي يُستخدم في تطوير القوات القوات العسكرية للتمكن من هزيمة قوات العدو ، ويُمكن أن تؤدي ممارسة هذه الخطط إلى إشغال العدو بعدد من الضغوط العسكرية والسياسية الداخلية والخارجية أيضًا ؛ الأمر الذي يدفع العدو لتحقيق السلام .
يُمكن لهذه الاستراتيجية أن تُحقق الكثير من الأهداف الاجتماعية ، والسياسية ، والنفسية ، والاقتصادية أيضًا ، ولكن هذا لا يُقلل من المواجهة العسكري للقوات . [3]
الاستخدام التاريخي لنظرية الكر والفر
الحروب اللوسيتانية
من أوائل الشعوب التي واجهت استراتيجيات الكر والفر هو الشعب الروماني ، وذلك في الحروب اللوسيتانية ؛ وذلك حين استخدم اللوستيانيون الخطة المسماة ” الصاخبة ” ؛ فقد قاموا باستدراج الخطوط الأمامية من جيش العدو بهدف التراجع في اشتباك بسيط ؛ وذلك ليتبعه المزيد من الهجمات على الجيش الروماني ؛ بهدف كسر تنظيمهم ، وإيقاعهم في فخ الحرب ، وخداعها . [1]
السلاجقة
من أهم الجيوش التي حققت الانتصارات من خلال استخدام خطط الكر والفر العسكرية هي الجيوش السلجوقية في حروبها ضد
الإمبراطورية البيزنطية
، وبشكل خاص في معركة ” مانزيكيرت ” ؛ حيث تم استخدام مناورات الكر والفر من قِبَل سلاح الفرسان في جيش السلاجقة ، والذي تمكن من إرباك الجيش البيزنطي ، وتحقيق جزء كبير من النصر . [1]
الفرس والساسان
رماة جيوش الفرس ، والجيوش الساسانية أيضًا استخدمت هذه الاستراتيجية التي تمكنت من تحقيق العديد من الانتصارات الهامة في معركة أديسا ، ومعركة كارهاي أيضًا .
السكيثيون
في آسيا الوسطى تمكن السكيثيون الرحل من تحقيق الانتصار على
الإمبراطورية الفارسية
الإخمينية ” إمبراطورية داريوس ” ، وأيضًا الإمبراطورية المقدونية ” إمبراكورية الإسكندر الأكبر ” ؛ وذلك من خلال استخدام خطط الكر والفر المختلفة .
الجيوش الإسلامية
كما تمكنت الجيوش الإسلامية عن طريق اتباع استراتيجيات الكر والفر بقيادة القائد العسكري التركي بيبرس الذي يشتهر في عالمنا العربي باسم ” الظاهر بيبرس ” من الانتصار في
معركة عين جالوت
التي قلبت موازين القوة في العالم الإسلامي في ذلك الوقت ؛ حيث كانت الهزيمة الأولى للإمبراطورية المغولية في العالم على الإطلاق .
الحروب الفرنسية والهندية
من أهم الاستراتيجيات التي استخدمتها الجيوش الفرنسية هي استخدام غازات الكر والفر ، وذلك في الحروب الفرنسية الهندية .
الأتراك
خلال حرب الاستقلال التركية استخدم الأتراك نظرية الكر والفر ضد الجيش اليوناني ، وذلك قبل تمكنهم من إنشاء جيش نظامي .
الهنود
قامت إمبراطورية مارثا بقيادة شيفاجي وحلفاؤه باستخدام تكتيكات الكر والفر ضد الإمبراطورية المغولية ، وتمكنوا من الانتصار عليهم ، وذلك خلال القرن التاسع عشر الميلادي .
حرب فيتنام
من أشهر الحروب في القرن العشرين هي
حرب فيتنام
، وقد استخدمت قوات الفيتكونج الفيتنامية التكتيكات العسكرية القائمة على الكر والفر وحرب العصابات ، والتي حققت الكثير من المكاسب ضد قوات العدو المعادية للشيوعية .
الحرب السوفيتية الأفغانية
تم استخدام هذه الاستراتيجية أيضًا من قِبَل القوات المتمردة أثناء
الحرب السوفيتية الأفغانية
.
العراق
قامت الكثير من القوات العراقية بالتصدي نحو العدو الأمريكي في العراق من خلال استخدام نظرية الكر والفر .
فشل تطبيق نظرية الكر والفر
على مر التاريخ كثيرًا ما تم الاستهانة بنظرية حرب العصابات ، أو الكر والفر من قِبَل العديد من القادة حول العالم سواء من ناحية التنظيم ، أو من ناحية الإيمان بفاعليتهم ، أو سهولة مواجهتها ، أو من خلال التطبيق الهمجي الخاطئ لهذه النظرية ؛ مما يُفقدها فاعليتها ؛ الأمر الذي أدى بهم في نهاية المطاف إلى الوقوع في موقف لا يُحسدون عليه .
ومن أهم أمثلة هذه القوات ما يلي :
الحرب الأهلية اليونانية
خسارة حزب المقاتلين الشيوعيين اليونانيين في الحرب الأهلية اليونانية ضد الحكومة اليونانية التي امتدت من عام 1946 ، وحتى عام 1949 ؛ وذلك بسبب فقدهم للدعم الشعبي في شمال اليونان بسبب سلوكهم الغير مقبول تجاه الرهائن ، واختطاف الأطفال ؛ الأمر الذي أدى إلى رفض الشعب لهم ، وفاعلية حروب العصابات آنذاك .
الفلبين
تعرض رجال العصابات في كل من الفلبين ، والميلاو ، وإندونيسيا في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي للفشل ؛ بسبب نقص الدعم للقيام بعمليات الكر والفر .
أوروجواي
في كل من الأوروجواي وجواتيمالا لم تتمكن التنظيمات المتمردة من صد الخطط الإرهابية القائمة على حرب العصابات .
إسبانيا
بسبب الفهم الخاطئ لنظرية الكر والفر لرجال العصابات الباسكية الإسبانية تناقصت شعبيتهم وقُبِلوا بالرفض ؛ نتيجة للاغتيالات الوحشية التي قاموا بها .
المغرب العربي
في كل من ليبيا ، والجزائر لم تتمكن قوات البوليساريو من تحقيق النصر في حربهم ضد المغرب في
الصحراء الغربية
؛ وذلك بسبب الدعم الذي لم يكن كافيًا لهم .
أيرلندا
في أيرلندا تعرض الجناح المؤقت للجيش الجمهوري للصد والمعارضة العامة له ؛ وذلك بسبب الخطط العشوائية الإرهابية المرفوضة التي قاموا بها ؛ الأمر الذي تعرضهم للخسارة الجزئية الخاصة بالدعم المالي من قِبَل الداعمين لهم .