تقرير عن كهف جارستين
لم يكن كهف جارستين بالعراق مجرد كهف عادى ،بل يعد من أهم المواقع الأثرية في كردستان، والذي يقع في مدينة دهوك بكردستان العراق ، هذه المدينة لم تكن قديمة بل حديثة المنشأ، فيعود تاريخ النشأة لهذه البلدة في سبعينات القرن الماضي لتتحول شيئا فشيئا إلى مدينة ولكن عند البحث عن تاريخ المدينة نجد أنه مرت عليها عدة حضارات، فتاريخ المنطقة يرجع إلى الثمانية آلاف عام قبل الميلاد .
وكانت هناك حياة في تلك الأزمنة على هذه الدروب بالإضافة إلى موقع كهف جارستين أي ( كهف ذو أربعة أعمدة) الواقع في وادي دهوك، تعتبر من أقدم
الكهوف
التي عاش فيها الإنسان بكل طبيعته فيرجع تاريخ كهف جارستين إلى القرون الوسطى وأقدم وثائقها تعود إلى قبل 12000 سنة قبل الميلاد.
مدينة دهوك
حققت مدينة دهوك شهرة واسعة ربما لأنها من أقدم الدول في العالم أو لأنها تضم في طياتها كهف جاستين الأقدم على مر العصور، كهف جارستين التى تعود نشأته إلى قبل 12000 سنة قبل الميلاد حيث هناك تجد تلال لا تتعدى الأربع وهما تل باستك وكمون ولكنهما كانوا ومازالو مميزان عن غيرهما نظرا لحدودهما بالمياه والتي ترجع إلى تاريخ الدولة الميتانية الكردية بالإضافة إلى تل مالتا وكهف هلامتا في شندوخا الواقعة جنوب مركز المحافظة والذي يرجع تاريخها إلى زمن الميديين الأكراد والمشاع عنه في هذه الحقبة أنهم من قاموا ببنائه ، لأنها تقع بإقليم كردستان العراق .
وما جعل دهوك مميزة عن غيرها أولا مرور نهرين دهوك وهشكه رو وهو نهر موسمي يجف في فصل الصيف ولا يعرف أحد سر جفافه بفصل الصيف بالإضافة إلى أنه يحدها من الاتجاهات الثلاثة جبال فلا تنحصر مميزاتها على التلال مما يعطي المدينة منظرًا خلابًا يميزها عن غيرها وتقارنها في الدول العربية دمشق ولبنان ، وينحدر فيها نهر صغير منبعه سد دهوك الكبير ، ويعتبر من أجمل المناطق السياحية في المدينة وبمحافظة دهوك مناطق خلابة جميلة ومعظم سكانها من الأكراد المسلمين، بالإضافة إلى وجود الكثير من المساجد والمراقد والأضرحة التاريخية الأثرية كما يسكنها آشوريون كلدان ولهم محافظات خاصة بعينها لهم وحدهم ويشعرون بالإستقرار حيث يزيديون وتضم أيضا المدينة جامعة دهوك والتي أوجدت عام 1992م،
معنى جارستين
لم تكن تسمية الكهف بهذا الاسم مجرد صدفة ولكن يعود أصل الكلمة إلى كلمتين باللغة الكردية، فالأولى هي “جار”، وتعنى هذه الكلمة رقم أربعة و الثانية هي “ستين”، وتعنى هذه الكلمة عمود ، وعاصر الكثير من العلماء الكهف ليصلوا إلى سبب التسمية بهذا الاسم إلا أنه تم الوصول لسبب التسمية وهو بسبب الأعمدة الأربعة في الكهف .
كردستان ترمم كهف جارستين
تعي كردستان مدى أهمية كهف جارستين مما جعل حكومتها والقائمين على الحفاظ على المباني الأثرية بترميم الكهف مرتين حيث كانت المرة الأولى عام 1999 م والمرة الثانية كانت عام 2013م ، وكان الترميم للكهف في المرتين ضمن إطار اهتمامها بالمواقع الأثرية لأنه يطل على سد دهوك الأروائي .
وذلك بهدف تحسين الموقع وجعله موقعًا أثريًا وسياحيًا في الوقت ذاته، لأن ترميم هذا الكهف والتنقيب فيه، كان ضمن سلسة الترميمات عام 1999م وذلك بهدف تحسين الموقع وجعله موقعًا سياحيًا وأثريًا في الوقت ذاته، ليطٌلع أكبر عدد ممكن من المواطنين والزوار على المعالم الأثرية التي توجد في هذا الكهف الذي يعود تاريخه إلى أكثر من ألفي سنة حيث كانت
الديانة الزرادشتية
والمثرائية هي الديانة السائدة في هذه المنطقة.
وذكر أحد المهندسين المشرفين علي المشروع حينذاك بأنه أثناء القيام بعمليات الصيانة والتنقيب تم استخراج العديد من المصاطب والدكات وتستخدم في دفن موتى الزرادشتيين والمثرائيين الذين كانوا يتركون موتاهم على تلك المصطبات ويضعونها في مكان عال حيث تأكل الطيور الجارحة لحومها فتبقى الرفات التي يقومون بدفنها فيما بعد، فهذه المصطبات كانت تعود لهذه العادة .
وأثناء العمل لأى كشف أثري يجد العمال والحفارون صعوبات عديدة ومنها أنهم لا يملكون مكانـًا جيدًا لحفظ المواد المستخرجة من هذا الموقع الاثري لأن المنطقة جبلية ووعرة يصعب عليهم البقاء ووضعها فيه.
كهف جارستين والديانة الزرادشتية
قد يتبادر إلى أذهان الجميع سؤال واحد ما علاقة الديانة الزرادشتية بكهف جارستين ولكن عندما يحالفك الحظ لتدوس أقدامك أولى درجات السلم الصخري، في بداية المدخل للوصول للكهف سترغمك منحوتة كبيرة لرجل كهل وهو يرمز إلى فاراهار، أي شعار الديانة الزرادشتية.
وذلك يرجع إلى أن الرجل الكهل يرمز إلى المحكمة أو القانون الذي شرعته تلك الديانة ليحكم تابعيها، وذلك هو تفسير الديانة وارتباطها بالكهف والحلقة المنحوتة بيد الكهل هي رمز للميثاق مع الإله لفعل الخير والنهي عن الشر،أما الدائرة التي في منتصف الأجنحة ترمز إلى قانون العمل ورد الفعل، الذي يشير إلى أنه من يعمل خيرًا سيجني الخير، ومن يعمل الشر سيجني الشر.
لم ينته الشغف عند هذا الحد بل تجد نفسك أمام الجناحين الذيْن يتكونا من ثلاث طبقات، تمثل الأفكار الطيبة والكلمة الطيبة والأعمال الطيبة، أما التنورة تمثل ثلاث طبقات وترمز إلى الأفكار السيئة والأعمال السيئة والخيطان في الأسفل يرمزان إلى الثنائية في الكون وهما قوتا الشر والخير الموجودتان في نفس وعقل وحياة الإنسان، واليدان ترمزان إلى الطاعة والصلاة.
ومن هنا أصبحت مدينة دهوك هي بالأصل معبدُ زرادشتيُّ، وذلك لتشابه مخطط الكهف مع المعابد الزرادشتية، وجارستين مستوطنة كبيرة تبلغ مساحتها 1كم مربع، وعلى الرغم من أهميتها تكمن في الكهف أو المعبد، لكنها تحتوي على الكثير من المواقع الأثرية المهمة الأخرى، التي تطل جميعها على وادي دهوك الساحر بسده، بمتنزهاته، بمطاعمه، بزائريه سواء من المدينة أو القادمين من مختلف أنحاء العالم.
كهف جارستين المنيع
اكتشاف جارستين لا يتم الوصول إليه بشكل رسمي وحقيقي إلى وقتنا هذا ، لكن العلماء الذين يبحثون وراء تقديم النفيس للبشرية وجدوا العديد من الرموز الدينية المنقوشة في صخور المعبد فكان ذلك سببًا وراء التأكد من عراقة وقدم المعبد، وهناك من يقول بأنه كان معبدًا رئيساً لعبادة إله القمر(سين)، قبل أن يتحول إلى معبدٍ زرادشتيٍّ، وما يؤكد ذلك هو تشابه المعبد بتخطيطه الدائري الشكل الذي يبلغ 15 مترًا مربعًا، وكذلك ارتكازه على أربعة أعمدة، وهو ما يجعله مماثلًا بالشكل والمساحة لقبة الحضر الموجودة في منطقة الحضر غرب الموصل، التي أصبحت الآن في خبر كان بعد أن دمرت المدينةَعصابةُ داعش، وتحتوي المستوطنة على ثلاثة مداخل تمثل جميع الجهات باستثناء الجهة الشمالية. [1]
حصن كهف جارستين
لكن الكثير من الباحثين أراد أن يربط الدين بالكهف وما يحويه من رسومات أثرية ففسروا أن عدم مرور الشمس من تلك الجهة، وجميع تلك المداخل تؤدي إلى الكهف، وفي الطريق إليه فضلًا عن السلالم الصخرية والخشبية، تجد من جهة الغرب آثارًا لسورٍ متهدمٍ مشيدٍ من الحجارة، وانتشارًا واضحًا لصخور كبيرة و بارتفاعات عالية، وهذا ما يوضح أنها كانت في زمن ما عبارة عن حصن وسور دفاعي منيع، وحفر دائرية الشكل منحوتة على أرض المستوطنة، وتراها بأعماق مختلفة وكل حفرة تسمى “هاون” ،ويستخدم أغلبها لإشعال النار لغرض إضاءة المستوطنة ليلًا أو أثناء إجراء المراسم الدينية، أو كمجارش لطحن الحبوب كما قال الكثير من الباحثين حينذاك .