ما هو اسلوب الفذلكة
هل تساءلت من قبل عن كلمة ” فذلكة ” ، وهل تختلف عن المفهوم الدارج عنها ، أو هل لها أصل لغوي عربي أم لا .
معنى كلمة فذلكة في اللغة العربية
- تأتي كلمة فذلكة من الجذر اللغوي ( ف ذ ل ك ) .
- فذلك فعل رباعي متعدٍ ، ومصدره ” فذلكة ” .
- فَذْلَكَ الرجل الحساب : أي انتهى منه ، وأتم عمله فيه .
- قدم الرجل فذلكة عامة عن موضوع ما : أي أورد خلاصة الموضوع ، وأجمله .
- جمع كلمة ” فذلكة ” يأتي على ” فذلكات ” .
- فذلكة الكلام ، أو فذلكة الموضوع ، أو فذلكة الكتاب تعني ” إجمال ما تم تفصيله من الكلام ، أو الشرح ” .
- وهي أيضًا خلاصة ما تم تفصيله من حساب ، أو كلام ، أو موضوع ، أو أي شيء .
- أما عن ” تَفَذْلَكَ فلان ” : فهي تعني أن الشخص يقوم بالتلاعب بالكلمات حتى يُوهم من حوله بصدق حديثه .
- ومن المعاني الأخرى لهذا التعبير ” تَفَذْلَكَ فلان ” : أنه قد أجمل ما تم تفصيله دون زيادة ؛ فهو يتفذلك . [1]
ظاهرة النحت في كلمة فذلكة
كلمة فذلكة من الكلمات المنحوتة ، أو المأخوذة ، أو التي تم اختراعها من أقوال الشخص الذي يقوم بالحساب ، مثل قوله : ” فذلك كذا وكذا عملة ، أو فذلك كذا وكذا عبوةً ” ، وما إلى ذلك .
فهذه الجمل التي يقوم باستخدامها تُعبر عن حاصل ، وجملة ، ونتيجة العملية الحسابية ، كما أنها تحفظ الحساب ، وتتلاشى وجود أي زيادة ، أو نقصان .
وبذلك تكون هذه الكلمة من الكلمات المنحوتة في اللغة العربية ؛ فمن أهم الظواهر الموجودة في اللغة هي ظاهرة النحت التي يُمكن من خلالها صياغة كلمة واحدة من كلمتين ، أو أكثر من كلمتين ؛ وذلك بهدف الإيجاز والاختصار ، مع الإبقاء على المعنى المقصود ، وهذه الظاهرة من أقدم ظواهر اللغة العربية ، والتي ظهرت كثيرًا في كلام أرباب اللغة منذ العصور القديمة ، ومن أمثلة الكلمات المنحوتة ما يلي :
- كلمة ” سَبْحَلَ ” تأتي من قول : ” سبحان الله ” .
- كلمة ” حَمْدَلَ ” تأتي من قول : ” الحمد لله ” .
- كلمة ” بَسْمَلَ ” تأتي من قول : ” بسم الله ” .
- كلمة ” حَوْقَلَ ” تأتي من قول : ” لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله ” .
- كلمة ” الفَنْقَلَة ” تأتي من قول : ” فإنْ قِيلَ ” .
-
وكذلك كلمة ” الفَذْلَكَة ” تأتي من قولهم في حالة الإجمال بعد التفصيل : ” فَذَلِكَ العَددُ كذا وكذا ” . [2]
معنى أسلوب الفذلكة
واستنادًا على ما سبق يكون أسلوب الفذلكة كالآتي :
حالة الفذلكة هذه هي الحالة التي استمر العرب في استعمالها منذ القدم إلى الآن عند ذكر الأعداد في الحسابات ؛ حيث يقومون بما يلي :
- ذكر جميع الأرقام بشكل فردي كنوع من أنواع التفصيل .
- ومن ثم يقومون بذكرها بشكل جماعي كنوع من أنواع الإجمال .
- ثم بعد ذلك يقومون بكتابة إجمالي هذه الأرقام بالحروف العربية .
- ثم يقومون بإضافة أي من كلمتي ” فقط ” ، أو ” لا غير ” ليتم تأكيد المعلومة .
ومن أهم شروط هذا الأسلوب عند العرب أن يقوم بعملية الفذلكة هذه أعلم أشخاص الجماعة في الحساب ، والعمليات الحسابية ؛ الأمر الذي يُضعف ، ويرفض الأقوال التي تُفيد بأن العرب كانت تفعل عملية الفذلكة لضعف معرفتهم بالحساب .
يُطلق لفظ الفذلكة على جميع النتائج المتفرعة عما تم حسابه .
ومن الدلالات الأخرى لكلمة ” فذلكة ” في القانون الجنائي أنها تُشير إلى مجمل التحقيقات التي قام بها المحقق ، وأنها تُمثل النتيجة التي توصل إليها ، وتُعرف باسم ” تقرير المحقق ” الذي يكون فيه خلاصة الحقيقات . [2]
مثال على الفذلكة في اللغة العربية
من أبرز أمثلة الفذلكة في اللغة هو ما جاء في القرآن الكريم في سورة البقرة ؛ فقال الله تعالى :
” وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) ” .
في الآية الكريمة تم توضيح الأيام التي أمر الله تعالى بصومها ، وأنها ثلاثة أيام يتم صومها في الحج ، ثم يصوم سبعة أيام عندما يعود إلى بلده ، ثم تذكر الآية ” تلك عشرة كاملة ” ؛ فهي تُشير إلى مجمل عدد الأيام التي أمر الله عز وجل بصيامها في الآية ؛ فثلاثة ، وسبعة عدد مفصل ، ومجمله هو العشرة .
رأي ابن عرفة
وفي هذه الحالة أفاد ابن عرفة أن العرب اعتادت على ذكر عددين ، ومن ثم إجمالهما .
رأي الزجَّاج
كما أفاد الزجَّاج أن العددين قد جمعا في الآية الكريمة ” لدفع الظن بأن عليه صيام ثلاثة فقط ، أو سبعة أيام فقط ” ؛ فحرف الواو في هذه الآية يُمكنها أن تكون بمقام الحرف ” أو ” ، واستشهد في ذلك بقول الله تعالى في
سورة النساء
: ” وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (3) ” ، وبذلك قد أزال الزجَّاج احتمال التخيير بين ثلاثة أيام ، وسبعة أيام .
رأي الإمام الزمخشري
أفاد الزمخشري في ذلك عن فائدة الفذلكة في الآية الكريمة أن حرف الواو من الممكن أن يُفيد الإباحة ، وضرب مثلًا ؛ حيث قال : ” جالس الحسن ، وابن سيرين ” فلو جالسهما معًا ، أو جالس أحدهما كان ممتثلًا ؛ وهذا الحال تمامًا في الآية الكريمة ؛ فقد فُذلِكَت لتنفي توهم الإباحة .
كما أن فائدة الفذلكة هي أن يم توضيح العدد بشكل إجالي كما تم توضيحه بشكل تفصيلي ؛ بهدف إظهاره من الجانبين ، وبذلك يتم التأكيد على العلم به .
رأي الإمام البيضاوي
أفاد الإمام البيضاوي مؤيدًا رأي الإمام الزمخشري بأن ” تلك عشرة كاملة ” هي فذلكة الحساب وجامعته ” ، وتتمثل الفائدة منها دفع توهم الشخص في أن الواو تُفيد الإباحة وأنها تحل محل ” أو ” ، وأن ” كاملة ” هي صفة تُكد على المعنى ، وأيضًا تُفيد في المحافظة على العدد ، وتُبين اكتمال العشرة أيام .
ورأي الإمامان هو رأي صحيح ؛ حيث أنه من الممكن أن يفهم بعض الناس من الآية أن الشخص الذي تمتع بالعمرة إلى الحج كفارته هي الصيام ، وأنه إذا صام في الحج فيكفيه هذا الصيام كتخفيفٍ على المحرمين أثناء تأدية مناسك الحج ، وأن من لم يصم الثلاثة أيام في الحج ، وكان قد عاد إلى بلده ؛ فعليه صيام سبعة أيام ، وأنه لا يُخفف عنه ، وهذا الفَهم فَهمًا خاطئًا للغاية .
وذلك جاءت ” تلك عشرة كاملة ” ؛ لتنفي هذا الفهم الخاطئ ، وتدفعه عن أذهان الناس ، وأيضًا تُوجب صيام العشرة أيام كاملة . [2]