نظرية اليد الخفية

اليد الخفية هي نظرية الاقتصاد التي تشير إلى طبيعة التنظيم الذاتي للسوق في تحديد كيفية تخصيص الموارد بناءً على الأفراد الذين يعملون لمصلحتهم الذاتية، هذه المصلحة التي ستدفع كل شخص منهم إلى التنافس لتحقيقها، وهذا سيقود حتما إلى المصلحة العامة.

طرح هذا المصطلح أول مرة من قبل الاقتصادي الكبير ادم سميث في كتابه الشهير “ثروة الأمم”، و قام بتعريف اليد الخفية بأنها قوى السوق التي لا يمكن رصدها وملاحظتها، والتي تقوم بتحريك قوى العرض و الطلب على السلع الموجودة في السوق الحرة حتى الوصول تلقائيا إلى التوازن، حيث يتم تحقيق أقصى قدر ممكن من الخير الاجتماعي، كما اعتبر ابن خلدون قبل آدم سميث بأربعة قرون أن الحافز الاقتصادي هو أساس النمو المؤدي إلى التقدم والتحضر.


مبتكر نظرية اليد الخفية

الفيلسوف و رائد الاقتصاد آدم سميث هو أصل نظرية اليد الخفية، و قد طرحها في كتابه ثروة الأمم سنة 1776، ولد آدم سميث في 16 يونيو سنة 1723، في كيركالدي، بمقاطعة فايف، اسكتلندا، وتوفي في 17 يوليو 1790، و يعتبر سميث أب الفكر الليبرالي و أب الاقتصاد ومؤسس علم الاقتصاد الحديث و صاحب مفاهيم إنتاجية العمل وتقسيم العمل وليبرالية السوق وغيرها.[1]

له عملين بارزين وهم كتاب نظرية المشاعر الأخلاقية الذي صدر سنة 1759، والتحقيق في طبيعة وأسباب ثروة الأمم الذي صدر سنة1776، و هو الكتاب الذي تطرق فيه سميث لنظرية اليد الخفية، عند الحديث عن الاحتكارات الرسمية التي تعزِّز الصناعات المحلية على حساب التجارة الخارجية، فيلاحظ سميث أن ذلك يدفع الناس إلى تخصيص رأس مال أكبر للصناعات المحلية وهي الآلية التي تعمل بها الأسواق وتحمي نفسها من الأزمات، ويكون لديها القدرة على إعادة حالة التوازن بين العرض والطلب مع مرور الوقت، و في هذا الكتاب دعا سميث إلى مبدأ الاقتصاد الحر، معتبراً أن ثروة أي أمة تقاس بإنتاجيتها، و الإنتاجية عنده هي مقياس للثروة، ومن بعدها يمكن تنظيم وسائل التجارة وأدواتها، ثم تطرق لحرية السوق والياتها كما نادى بالرأسمالية، ورفض تدخل الحكومة في الاقتصاد بشكل قاطع، مؤمناً بقوة العرض والطلب. وهكذا يفترض أن يتمكن السوق من بتر العناصر الخاطئة ويستمر في عمله، بدون الحاجة لأن يتدخل أحد ليفرض عليه قوانين خارجية أو تحديد أسعار أو شروط.

و يشرح سميث المصلحة الفردية بأنها اليد الخفية والمحرك الحقيقى لإنتاجية الفرد التى تقود بدورها إلى تعظيم وتراكم الإنتاج الجماعي، وبالتالي زيادة دخل المجتمع والاقتصاد ودفعه للتقدم و النمو، على عكس الاقتصادي كارل ماكس الذي نادى بالاشتراكية ورأى أن الموارد الاقتصادية ووسائل الإنتاج يجب أن تكون مملوكة من طرف الدولة، ثم بعد ذلك تنتقل إلى ملكية الشعب.


مفهوم نظرية اليد الخفية

تشير النظرية التي طرحها سميث إلى آلية غير مرئية تحافظ على التوازن بين العرض والطلب على الموارد، حيث افترض ادم سميث في هذه النظرية أن الاقتصاد يمكن أن يعمل على نحو جيد في سيناريو السوق الحرة حيث يعمل كل شخص لمصلحته الشخصية، و اقترح أن السماح للناس بالتصرف بحرية في السوق دون أي قيود تفرضها الحكومة سيتيح للبائعين الموجودين في السوق فرصة التنافس مع بعضهم، وهذا ما يدفع السوق نحو الأفضل.

ترتكز هذه النظرية على أن تدخل الدولة في السوق أمر غير ضروري و بدون فائدة، حيث أن العاملين في السوق الحر يتخذون القرارات بغرض تحقيق مصلحتهم الفردية، لكن تلك القرارات تساهم في خلق نتائج ايجابية تعود على السوق و الاقتصاد ككل بالفائدة.

كما أن المنافسة تكون لصالح المجتمع والناس بحيث إذا قدم احد مزودي السلع خدمات بأسعار اقل من منافسيه فان العميل يفضل شراء تلك السلع منه، بالتالي يجب على باقي المنافسين إما تخفيض الأسعار أو تقديم منتجات اعلى جودة لكي يبقوا في المنافسة في السوق، وكلما زاد الطلب على منتوج ما، يتم توفيره بكميات كبيرة و في النهاية يحصل البائع على سعر جيد و يحصل على المشتري على سلعة جيدة و سعر مناسب.

لذلك يُنصح بعدم إشراك الدولة على المستوى الاقتصادي حتى لا تزعج هذا النظام الطبيعي العفوي القائم على المصلحة الشخصية لكل فرد. [2]


مبادئ نظرية اليد الخفية

ما الذي يحقق المنفعة العامة؟ ببساطة يرى آدم سميث أن الإنسان أناني بطبعه، لكن ذلك ليس سيئًا بالضرورة، حيث يعمل كل شخص لمصلحته الخاصة، من أجل زيادة ثروته و رفاهيته، ولكن السعي لتحقيق مصلحته الخاصة يفيد الجميع. على سبيل المثال، يصنع الخباز الخبز بأفضل ما يمكن لإرضاء عملائه، إنه لا يفعل ذلك بدافع الإيثار ولكن لكي يتمكن عملاؤه من شراء منتجاته، مما يزيد ثروته الشخصية. ومع ذلك، من خلال العمل بأفضل ما يمكن، فإن عمل الخباز يفيد أفراد المجتمع الآخرين الذين يشترون منتجاته.

هذه الآلية التنافسية للبحث عن الربح تؤدي إلى إشباع رغبات المستهلك، تحقيق الأرباح، واستقرار الأسعار، و تفيد المجتمع دون أي تدخل من الحكومة، وهو ما أطلق عليه آدم (اليد الخفية)، فهذه اليد الخفية هي التي ترتب العملية الاقتصادية لتصل بها إلى الفاعلية القصوى، انطلاقًا من السلوك الحر للفاعليين الاقتصاديين، فبالإضافة للتصنيع تعتبر السوق أحسن مولِّد للنمو، وهي القادرة على التوزيع الأمثل للموارد داخل المجتمع.

قد يعتقد المرء أنه من المنطقي في اقتصاد السوق أن يتصرف كل بائع بحرية مع عملائه، إذا كان بإمكان الجميع اختيار النشاط الذي يريدونه بحرية، وتنفيذ الاستراتيجية التي يعتقدون أنها الأفضل لهم أو لأعمالهم، فإن اليد الخفية تنظم السوق وتنفع الجميع، وفقًا لهذه النظرية، إنها عملية مربحة للجانبين تتم من خلال التجارة الحرة. عند التداول، يفوز الجميع تلقائيًا. على سبيل المثال، لدي منتوج تجاري وأريد خفض الأسعار لزيادة حجم مبيعاتي، سيكون كل عميل راضٍ عن هذا الانخفاض في السعر، وسأجد زيادة في عملائي و حجم المبيعات والمردود كذلك، لذا فأنا لا أخفض الأسعار بدافع الأنانية بل بسبب مصالحي، ومع ذلك، فإن هذا يفيد الجميع.


اليد الخفية من الناحية الاقتصادية

خرج سميث كما ذكرنا بنظرية أكد فيها أن الحكومات يجب أن تترك الناس و شانهم لكي يبيعوا ويشتروا بحرية، وطلب من الحكومات عدم التدخل بين التجار أثناء المنافسة بين بعضهم البعض، لان ذلك سيقود السوق إلى نتائج ايجابية و كأن هناك يد خفية تتحكم في مسار النمو الاقتصادي، فالفكرة كلها تكمن في أن سعر المنتج يحدده معدل الطلب في السوق، حيث إذا قام شخص ببيع نفس المنتج بسعر اقل من غيره سيتجه إليه الجميع وبالتالي سوف يخفض منافسه السعر أو يبيع منتج أخر عليه طلب في السوق و بهذه الطريقة ستكون أي سلعة متوفرة للجميع و بسعر مناسب.

و قد تطورت النظرية الاقتصادية حتى وقتنا الحاضر، وكان مارشال هو الذي حقق إعادة صياغة النظرية الاقتصادية على هذا الأساس، و أصبحت اليد الخفية هي آلية السوق التي تتحكم بكل شيء دون أن يراها الناس، و يعتمد هذا المصطلح على فكرتين أساسيتين وهي التجارة الطوعية في الأسواق الحرة التي تولد تلقائيًّا منافع كثيرة، و فكرة أن هذه المنافع أعظم بكثير من مثيلاتها في الاقتصاد المُوجَّه، من خلال هذه النظرية يعمل كل شخص لتعظيم العائد السنوي للمجتمع، بينما لا يسعى هذا الشخص سوى نحو مصلحته الشخصية فحسب، وهو في ذلك مُساق بيد خفية للقيام بشيء يخدم الاقتصاد و المجتمع، فهو في سعيه خلف مصلحته الخاصة يدعم المجتمع بكفاءة أكثر مما لو كان الأمر مُتعمَّدًا، وهو أفضل عمل يمكن تقديمه للصالح العام. [3]

اليد الخفية في العصر الحديث

لم يكن يعلم ادم سميث في ذلك الزمن أن نظرية اليد الخفية يمكن أن تفقد قيمتها بعد سنوات طويلة جدا، حيث اثبت الواقع الاقتصادي الحديث أن الاقتصاد لا يقوى على تحقيق التوازن التلقائي بمفرده، وان تلك النظرية التي تدعو إلى تقليص دور الدولة تدريجيا في النشاط الاقتصادي حتى تتلاشى بشكل نهائي و أن


السوق الحرة


قادرة بمفردها على معالجة المشاكل الاقتصادية التي تواجه المجتمع بما في ذلك الأزمات الطارئة، ليست سوى نظرية على الورق فحسب وان الدولة لا بد من أن يكون لها دور رقابي قوي في الجانب الاقتصادي، و هذا ما ظهر بشكل واضح خلال الأزمة المالية و الاقتصادية العالمية التي حدثت منذ سنوات، على سبيل المثال بعكس ما تدعو إليه نظرية اليد الخفية فقد منح قانون الإصلاح المالي الأميركي صلاحيات جديدة للدولة الرأسمالية للتدخل في الاقتصاد الحر، من خلال تدخلها في ضبط آليات السوق، والإشراف على أعمال البنوك والشركات المالية،الخ..


انتقادات لنظرية اليد الخفية

تتعارض هذه النظرية مع الأفكار الاقتصادية التي تفضل سياسة الحماية الاقتصادية وتدخلات الدولة الأخرى. ومع ذلك، تتطلب هذه النظرية شكلاً من أشكال تدخل الدولة، على الأقل لحماية الملكية الخاصة، حتى آدم سميث أدرك ذلك.

كما يجب على الدولة أيضًا أن تقدم خدمات عامة، مثل خدمات الطاقة أو الطرق، حتى يتمكن المساهمون الاقتصاديون من استخدام إمكاناتهم ويتم وضع اليد الخفية، و على الصعيد البيئي، يجب على الدولة أن تضع قيودًا لحماية مناطق طبيعية معينة، وهذا في مصلحة الجميع ولكنه يظل عائقا أمام الحرية.

كما أن نظرية اليد الخفية لا تأخذ بعين الاعتبار العوامل الخارجية مثل قوة المنتج والمستهلك، أو الآثار الجانبية كالتلوث على سبيل المثال وهذه أثار تتحملها الحكومة و المجتمع ككل و ليس فقط المنتج أو المستهلك، كما تفترض النظرية أن هناك منافسة مثالية وهذا لا يحدث في الواقع، لان هناك الكثير من الشركات التي تحتكر الأسواق عن طريق السوق الحر، بالتالي كيف يكون السوق حرًا إذا كانت شركة واحدة أو مجموعة من الشركات تحتكره ويصعب على شركات أخرى دخوله؟ كما ان الحكومة تتدخل في كثير من الأحيان وتضع لوائح وقوانين معينة لتنهي


الاحتكار


.

كانت نظريات  آدم سميث دائما متناقضة و غير كاملة في العديد من الأمور، فقد قام بانتقاده علماء اقتصاد كثيرين في العديد من مؤلفاته وأفكاره، ولكن على الرغم ذلك، كتب سميث تعتبر مرجعًا أساسيًا في الاقتصاد السياسي، بالإضافة إلى أن آدم سميث كان أول من اعتبر الاقتصاد علمًا منفصلًا بذاته عن باقي العلوم والمجالات البحثية، مما جعله يستحق بجدارة لقب أب الاقتصاد الحديث.