مفهوم الاقتصاد الدائري

يعتبر النظام الاقتصادي للمجتمعات هو الإطار العام المتكون من المعايير والقواعد التي يحدد من خلالها كيفية وطريقة التعامل بين الاحتياجات البشرية والموارد الطبيعية والإمكانيات التقنية والمعرفية داخل المجتمع، من خلال الربط بين العلاقات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية التي تحكم وتسير المجتمع، والدارس لتطور النظم الاقتصادية عبر التاريخ، يجد ان هناك الكثير من التحولات عبر حقب زمنية متتالية، ومن أهم هذه التحولات وآخرها في القرن 21 موضوع التحول من الاقتصاد الخطي(التقليدي) إلى الاقتصاد الدائري.

إن تبني بعض الدول لنظام الاقتصاد الدائري لم يأت عبثا، بل كان نتيجة دراسات وأبحاث أثبتت أن نظام الاقتصاد الدائري الذي يندرج ضمن ما يسمى بالأنظمة الخضراء الصديقة للبيئة، التي تحد من المخاطر البيئية وتحقق التنمية المستدامة، كما تقتصد الكثير من التكاليف وتوفر العديد من مناصب الشغل.

ولهذا جاء هذا المقال لكي يبين أهمية التحول نحو الاقتصاد الدائري والآليات المقترحة لتوفير بيئة اقتصادية وتشريعية وبنيوية لتفعيل الاقتصاد الدائري العالمي وما يتناسب منها مع الواقع.


ما هو الاقتصاد الدائري

هناك حاجة ماسة في العالم كله إلى تطوير نماذج جديدة بمعنى أن النموذج الخطي في استهلاك المنتج ثم التخلص منه، يعتبر نموذجا اقتصاديا غير مستدام في ظل توجه عالمي لاعتماد مفاهيم الاستدامة الشاملة.

ويهدف الاقتصاد الدائري إلى استخدام موارد أقل في عمليات التصنيع، و إعادة استخدام المنتج بدلا من التخلص منه، مثل إعادة إصلاحه أو إعادة تصنيعه أو تدويره، حيث أن المنتجات ومكوناتها يمكن إصلاحها وإعادة تصنيعها ومن ثم استعادتها كمادة خام بعملية تصنيع أخرى، و قد بدأ الاهتمام بمفهوم الاقتصاد الدائري من قبل مؤسسة إلين ماك آرثر التي تهتم بمعاييره و تهتم بالشؤون المتعلقة بندرة الموارد و

اهمية تقليل النفايات

، و بالتالي فإن الاقتصاد الدائري هو اقتصاد حيوي يهدف إلى تغيير الطريقة التي نعيش بها من خلال اعتماد التطوير والابتكار في الصناعة والاستهلاك، و تقليل النفايات عن طريق تقليل الاعتماد الشديد على واردات المواد الخام، وزيادة إنتاجية الموارد وإيجاد اقتصاد أكثر تنافسية و خلق العديد من فرص العمل وتقليل المشاكل البيئية.[1]


سمات الاقتصاد الدائري

هناك خمس سمات للاقتصاد الدائري وهي :

  • تصميم النفايات
  • تعزيز القدرة على التكيف من خلال التنوع في العمليات والأنشطة
  • الاتجاه نحو

    مصادر الطاقة المتجددة
  • التفكير في النظم البيئية
  • التفكير في أجهزة الطرد

وترتكز الاستدامة في الاقتصاد الدائري على ثلاث معايير وهي :

  • قاعدة المدخلات: تشير إلى كيفية استغلال الموارد المتجددة وغير المتجددة بما في ذلك التطوير التكنولوجي.
  • قاعدة العمليات أو التشغيل: ترتكز على أن تحسين الكفاءة له الأولوية على القدرة.
  • قاعدة المخرجات : تشير إلى أهمية التوازن بين حجم النفايات وحدود الاستيعاب في

    البيئة

    .


التحول من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري

يقوم الاقتصاد الخطي على توافر الطاقة والموارد الطبيعية بكثافة، ويعتمد على اقتصاديات السعة و

الخدمات اللوجستية

العالمية المعقدة وسلسة التوريد، كما أن سلع الاقتصاديات الخطية غالبا ما تتحول إلى نفايات في فترة قصيرة جدا، ومن ثم فإن الاقتصاديات الخطية تساهم بشكل كبير بالضغط على الموارد الطبيعية باستمرار، مما يؤدي إلى استنزافها، وسرعة تدهور الأنظمة البيئية والطبيعية كالمياه والهواء والأراضي من خلال الانبعاثات الملوثة.[2]

كما أن الاستمرار في السلوكيات والاتجاهات الإنتاجية والاستهلاكية التي تعدت الحدود الطبيعية، وما يترتب على الأنشطة الصناعية من تأثيرات سلبية، سيؤدي إلى تهديد مستقبل البشرية بأكملها، وبناءا على ذلك سعى الكثير من العلماء والمتخصصين إلى إيجاد بدائل تراعي الحفاظ على الطبيعة، ولا تؤثر سلبا على البيئة وفي نفس الوقت تحافظ على الموارد المتاحة وعدم استنزافها.

و هنا ظهر الاقتصاد الدائري كبديل مناسب للتخفيف والتخلص من سلبيات الاقتصاد الخطي، ويعد المهندس المعماري والبيئي (والتر ستاهيل) هو أول من وضع أساس الاقتصاد الدائري المرتبط بإعادة استخدام المنتجات، فهو مبتكر قاعدة “من المهد إلى المهد” سنة 1976.


متطلبات التحول إلى الاقتصاد الدائري

يساعد التحول الرقمي على سرعة التحول نحو الاقتصاد الدائري المستدام، حيث يساعد التحول الرقمي في توفير معلومات دقيقة عن مدى توفر المواد والمنتجات وموقعها وحالتها، وجعل العمليات أكثر كفاءة داخل المؤسسات، وتقليل الفاقد، وتعزيز العمر الأطول للمنتجات، وتقليل التكاليف وزيادة كفاءة استخدام الموارد، ويتطلب الاقتصاد الدائري تحولات جوهرية في التصميم، والإنتاج، والاستهلاك، والاستخدام، والنفايات، وممارسات إعادة استخدام المنتجات والموارد.

ويتطلب التحول إلى الاقتصاد الدائري ثقافة إيكولوجية ووعي بيئي وتعديل الاتجاهات والسلوكيات وتغيير أنماط السلوك، حيث قامت كل من ألمانيا وهولندا وفنلندا بعمل خطط مستقبلية للاقتصاد الدائري، وكذلك بدأت الحكومة البولندية في العمل على تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري داخل الاقتصاد القومي منذ سنة 2016.


مبادئ الاقتصاد الدائري

إن الاقتصاد الدائري يهدف إلى الحفاظ على المنتجات والمكونات والمواد بأعلى فائدة وقيمة في جميع الأوقات، وذلك بناءا على ثلاث مبادئ أساسية وهي :

  • المحافظة على

    رأس المال

    الطبيعي وتعزيزه عن طريق التحكم في المخزونات المحدودة، وموازنة تدفقات الموارد المتجددة .
  • تحسين عائد الموارد عن طريق تدوير المنتجات والمكونات والمواد بأعلى فائدة.
  • فعالية النظم من خلال الكشف عن العوامل الخارجية السلبية .


أهداف تطبيق الاقتصاد الدائري

يمكن تلخيص أهداف تطبيق الاقتصاد الدائري في النقاط التالية :

  • الإدماج الاجتماعي: يعتمد استرداد الموارد في معظم البلدان النامية اعتمادا كبيرا على العمال غير الرسميين الذين يقومون بجمع 15 % إلى 20% من النفايات المتولدة وفرزها وإعادة تدويرها.
  • تعالج المشاريع سبل عيش منتقي النفايات من خلال استراتيجيات مثل

    الاندماج

    في النظام الرسمي، بالإضافة إلى توفير ظروف عمل آمنة وشبكات الأمان الاجتماعي، والقيود المفروضة على عمالة الأطفال والتعليم.
  • التعامل مع تغير المناخ والبيئة: تشجع المشاريع على التخلص السليم بيئيا على النفايات.
  • فهي تدعم تخفيف الغازات الدفيئة من خلال الحد من هدر الأغذية والحد من النفايات وتحويل النفايات العضوية واعتماد تكنولوجيا التخلص التي تستحوذ على الغاز الحيوي وغاز المكب، كما تدعم مشاريع النفايات الحد من

    التخلص من النفايات

    في المجاري المائية وحماية البنية التحتية ضد الفيضانات.
  • الصحة والسلامة: تحسين الصحة العامة وموارد الرزق من خلال الحد من الحرق المفتوح، وتخفيف الآفات وانتشار الأمراض، ومنع الجريمة والعنف .

يعد الاقتصاد الدائري البديل الأفضل للاقتصاد الخطي الذي نتج عنه استنزاف للموارد الطبيعية، ومصادر الطاقة، وتدهور البيئة ويمثل الاقتصاد الدائري مدخلا هاما لتحقيق التنمية المستدامة وتلبية احتياجات الأجيال الحاضرة من الموارد الطبيعية، والحفاظ على حقوق الأجيال المستقبلية، كما أن الاقتصاد الدائري يساهم بشكل كبير في

حماية البيئة

والحد من استنزاف مصادر الطاقة الغير متجددة والقضاء على التلوث وخفض حجم النفايات علاوة على ذلك يساعد الاقتصاد الدائري في الحد من البصمة البيئية والحد من التأثيرات و الممارسات السلبية على البيئة . [3]


معوقات تطبيق الاقتصاد الدائري

هناك العديد من المعوقات التي تواجه التحول نحو الاقتصاد الدائري،  سواء كانت ثقافية وتشريعية وتسويقية والجدول التالي يوضح معوقات تطبيق الاقتصاد الدائري:


معوقات الاقتصاد الدائري


المعوقات

المؤشرات
المعوقات الثقافية –       القصور في وعي واهتمام العلماء .

–       تردد المؤسسات في تطبيق الاقتصاد الدائري (الثقافة المترددة) .

–       العمل بأسلوب النظام الخطي .

–       استعداد محدود للمشاركة في سلسلة القيمة أو الاقتصاد الدائري .

المعوقات التشريعية –       عرقلة القوانين واللوائح .

–       القصور في وجود إجماع عالمي حول حتمية تطبيق الاقتصاد الدائري.

–       التدابير والإجراءات الدائرية المحدودة.

المعوقات التسويقية –       انخفاض أسعار المواد الخام .

–       تكاليف استثمارية عالية مقدما.

–       تمويل محدود لنماذج الأعمال الدائرية .

–       عدم وجود معايير محددة للتطبيق.

–       انخفاض الجدوى الاقتصادية لنماذج الأعمال الدائرية .

المعوقات التكنولوجية –       نقص وقصور في البيانات .

–       التصميم الدائري المحدود.

–       ضعف القدرة على تقديم منتجات عالية الجودة معاد تصنيعها.


اليات تفعيل الاقتصاد الدائري

تعد مبادرات البنك الدولي في مجال الاقتصاد الدائري من أكثر التجارب نجاحا والتي يمكن للكثير من الدول أن تحذو حذوها لإنجاح تجربة الاقتصاد الدائري، ويقدم البنك الدولي مجموعة من المنتجات والخدمات لتمويل وإدارة مشاريع إدارة النفايات الصلبة، بما في ذلك القروض التقليدية والتمويل القائم على النتائج وتمويل سياسات التنمية والاستشارات الفنية، وتتناول مشاريع إدارة النفايات التي يملها البنك الدولي دورة حياة النفايات بأكملها من جمع ونقل وأخيرا المعالجة والتخلص.

وتشتمل السياسات والأهداف التي توجه مشاريع واستثمارات إدارة النفايات الصلبة في البنك الدولي على ما يلي:


  • خلق المعرفة:

    يساعد البنك الدولي الحكومات على التخطيط واستكشاف الحلول الملائمة محليا من خلال الخبرة الفنية والبيانات والتحليلات.

  • توفير البنية التحتية

    : عن طريق توفير البنك الدولي لاستثمارات

    رأسمالية

    لبناء أو ترقية مرافق فرز النفايات ومعالجتها (مثل توفير: مقالب قريبة، بناء أو تجديد مدافن القمامة، توفير الصناديق، ومركبات القمامة، والشاحنات ومحطات النقل).

  • إعادة هيكلة النظم التشريعية والمؤسسات القانونية:

    عن طريق تقديم الدعم بشأن التدابير السياسية السليمة وللمؤسسات المنسقة لقطاع إدارة النفايات البلدية .

  • ضمان الاستدامة المالية:

    وذلك من خلال تطوير هيكلة الرسوم والتخطيط على المدى الطويل ومساعدة الحكومات على تحسين احتواء تكاليف النفايات.

  • إشراك المواطنين:

    تغيير السلوك والمشاركة العامة هو المفتاح لنظام النفايات الوظيفية ويدعم البنك الدولي تصميم الحوافز وأنظمة التوعية لتحفيز تقليل النفايات، والفرز في المصدر وإعادة الاستخدام .


الاقتصاد الدائري كآلية لتحقيق التنمية المستدامة

يعتبر الاقتصاد الدائري اقتصادا منخفض الكربون أي أنه ذو كفاءة، ونظيف من حيث الإنتاج، لكنه أيضا شامل من حيث الاستهلاك والنتائج، وهذا ما يتطابق مع مبادئ التنمية المستدامة، وتتيح أهداف التنمية المستدامة فرصة لإعادة صياغة السياسة الاقتصادية بشأن العناصر الرئيسية للاستدامة وتحقيق الأهداف، ويعتبر تحقيق الأهداف شيئا رئيسيا لخطة عام 2030 التي تبنتها القمة العربية التي عقدت بموريتانيا عام 2016، ويتضمن جدول أعمال الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة 17 هدفا لمعالجة التحديات الاجتماعية والبيئية الأكثر إلحاحا.

يمكن للاقتصاد الدائري أن يساعد في تحقيق العديد من

أهداف التنمية المستدامة

مصحوبا باستكمال أنشطة بناء القدرات في إطار خطة السنوات العشر للبرامج المتعلقة بأنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة المدعومة بمجموعة من السياسات والتدابير، كما أن تحقيق الهدف أو حتى السعي إلى تحقيقه لن يتطلب سوى إصلاح شامل لأنماط الإنتاج والاستهلاك الخطية وإعادة تدوير واستخدام النفايات التي يتبناها النظام الدائري كنظام تصالحي أو تجديدي تصمم وتسوق فيه جميع المنتجات عن طريق

إعادة التدوير