عبدالملك السعدي

هو الملك العظيم عبدالملك الأول السعدي الذي قاد معركة وادي المخازن الشهيرة وتوفي بعد سنتين فقط من توليه الحكم، وخلفه شقيقه احمد المنصور الذهبي، الذي يعتبر أهم الملوك في التاريخ، لنتعرف في هذا المقال عن هذه الشخصية العظيمة المظلومة تاريخيا.

نبذه عن عبدالملك السعدي

عبدالملك المعتصم بالله السعدي الحسني والملقب بأبو مروان هو ابن محمد الشيخ المهدي بن محمد القائم بأمر الله الزيداني الحسني السعدي و أمه للا مسعودة واحدة من

أعظم الشخصيات النسائية في تاريخ المغرب

، هو أحد ملوك الدولة السعدية حكم سنة  1576 حتى وفاته في معركة وادي المخازن عام 1578، بعد اغتيال والده محمد الشيخ السعدي على يد العثمانيين سنة1557 وما تلاه من صراع على السلطة بين أقاربه على الحكم، اضطر أبو مروان عبد الملك إلى الفرار من أخيه عبد الله الغالب بالله خارج المغرب ليعيش في تركيا تحت رعاية السلطان العثماني مراد الثالث حتى عام 1576.

كيف تولى عبد الملك حكم الدولة السعدية

بعد وفاة والد عبد الملك السعدي ذهب عبد الملك رفقة أمه إلى تركيا، من أجل الحصول على دعم الأتراك وطلبت مساعدة

السلطان العثماني مراد الثالث

لكي يصل إلى حكم المغرب ويزيح المتوكل مغتصب العرش فرفض السلطان سليم دعمه لكن ذكاء عبد الملك و دراية أمه مسعودة بشؤون بالسياسة التي اكتسبتها بعد العيش في قصور السعديين لسنوات كلها عوامل نجحت في إقناعه.

طلبت للا مسعودة من السلطان العثماني الشفاعة في رأس زوجها محمد الشيخ المعلق بالقلعة بعد ذبحه من الأتراك فسلمه إليها، وطلبت مساعدة مراد الثاني في استرجاع الحكم لابنها عبد الملك، فاتفق معها مراد الثالث على أن يساعدها لكن بعدة شروط كان أهمها مشاركة المغاربة مع الأتراك في حملتهم العسكرية ضد الإسبان في

تونس

، وانتدب عبد الملك لمرافقة الحملة الضخمة.

كان مراد الثالث يترقب وصول أخبار الحملة بفارغ الصبر حينها، و كان الأتراك قد جهزوا ثلاث مراكب بحرية لإبلاغه بخبر الانتصار. و لما فتحت تونس طلب عبد الملك من مساعديه أن يذهبوا ليلا برسالته إلى أمه يبلغونها بخبر الفتح وطلب منهم أن يسبقوا المراكب الثلاثة لكي تكون هي أول من يبلغ السلطان العثماني بالخبر السعيد. و تلقت أمه الرسالة بالفعل وذهبت إلى السلطان مراد الثالث مسرعة، و بشرته بالفتح قبل أي شخص أخر. والتمست منه أن يعطيها مكافئتها و يساعدها لكي يستعديه ابنها حكم أبيه و وافق السلطان مراد على الفور.

عودة عبدالملك السعدي إلى المغرب

بعد موافقة السلطان مراد الثالت، أصدر أمره الذي حمله عبد الملك و أمه إلى والي الجزائر ليساعد ابنها عبد الملك على استعادة ملكه بالإضافة إلى جيش العثمانيين والأسطول البحري الضخم الذي رافقه، ثم دخل عبد الملك إلى المغرب مع العثمانيين في مارس سنة 1576  وشارك حوالي عشرة الاف من الجنود الجزائريين في الحملة وانتصر في معركة قرب فاس تسمى الركن، و بعد انتصاره فيها تمكن من الحصول على عرش المغرب ضد ابن أخيه ومنافسه المتوكل بمساعدة الأتراك.

فر مغتصب الحكم المتوكل من المعركة فلاحقته جيوش عبد الملك الضخمة حتى فر إلى سبتة ثم دخل طنجة يطلب نجدة ملك البرتغال، بعد أن رفض ملك أسبانيا تقديمه العون له وقام بتحريض الملك سبستيان على عبد الملك وطلب منه المساعدة مقابل التنازل عن جميع

شواطئ المغرب

وأقنعه أن يرسل حملة عسكرية ضد المغرب.

أما عبد الملك فقد دخل عبد الملك إلى مدينة فاس وولى عليها أخاه أحمد، و تمت  بعد ذلك بيعة عبد الملك في سنة 1576م بمدينة مراكش و بدأ السلطان عبد الملك حركة تحديث في فاس، مستفيدًا من تبعية عرشه للعثمانيين، فأصلح الجيش ونظّمه على الطريقة العثمانية، واستقدم له المعدات والتجهيزات الحديثة في تلك الفترة.

اعترف عبد مالك بالسلطان مراد الثالث خليفة له، حيث أعاد تنظيم جيشه ونجح بعد ذلك عن طريق التفاوض في إقناع القوات العثمانية على مغادرة بلاده مقابل دفعه مبلغ كبير من الذهب، كما قام بتعزيز العلاقات الخارجية بشكل ملحوظ حيث كانت تربطه علاقة وطيدة للغاية مع ملكة الانجليز  إليزابيث و هذا لكرهه الشديد للبرتغال والإسبان.

كيف حدثت معركة وادي المخازن

تطور الأمر من نزاع على السلطة بين محمد المتوكل والسلطان عبد الملك السعدي إلى حرب مع البرتغال بقيادة الملك سبستيان حيث ظل المتوكل مع زوجته بياتريس يحاولان استرجاع الحكم بأي طريقة ممكنة وكان ذلك بمساعدة أهل سوس أولا ثم ملك البرتغال سباستيان الذي فكر في القيام بحملة كبيرة للسيطرة على جميع شواطئ المغرب بدعم من البابا وملوك أروبا، حيث استعان سبستيان بملك إسبانيا فوعده أن يمده بعشرين ألفا من عسكر الإسبان، وكان الملك البرتغالي قد عبأ معه اثني عشر ألفاً من البرتغال، كما أرسل إليه الإيطاليون ثلاثة آلاف ومثلها من الألمان وغيرهم، وبعث إليه البابا بأربعة آلاف أخرى، وبألف وخمس مائة من الخيل، واثني عشر مدفعا، وجمع سبستيان نحو ألف مركب ليحمل هذه الجموع إلى الأراضي المغربية. وقد حذر ملك إسبانيا ملك البرتغال من عاقبة مهاجمة عبد الملك ولكنه لم يلتفت لكلامه وأصر على غزو المغرب.

قرر عبد الملك أن يختار مدينة القصر الكبير مقراً لقيادة جيشه، وخصص من يراقب ملك البرتغال و جيشه الجرار بدقة، ثم كتب إليه رسالة قائلا ” إني قد قطعت للمجيء إليك ست عشرة مرحلة، فهلا قطعت أنت مرحلة واحدة

لملاقاتي”، فنصحه محمد المتوكل ورجاله أن لا يترك مدينة أصيلة الساحلية ليبقى على اتصال بالمؤن والعتاد و

البحر

، ولكنه تجاهل نصيحتهم وتحرك نحو القصر الكبير، حتى وصل لجسر وادي المخازن حيث خيم فيه الجيش المغربي، وفي ظلام الليل نسفوا قنطرة جسر وادي المخازن بالكامل، و ليس هناك معبر للوادي سوى هذه القنطرة، بعد ذلك تواجه الجيشان بالمدفعيتين، وبعدهما الرماة المشاة، وعلى المجنبتين الفرسان.

في صباح الإثنين 4 أغسطس 1578، ركب السلطان عبد الملك فرسه يحرض الجيش على القتال رغم مرضه الشديد، و انطلقت عشرات الطلقات النارية من الطرفين كليهما إيذاناً ببدء المعركة، مال أحمد المنصور الذهبي بمقدمة الجيش على مؤخرة البرتغاليين وبالفرسان على الجانبين في مناورة تطويقية، وأوقد النار في بارود البرتغاليين، واتجهت موجة مهاجمة ضد رماتهم في المقدمة والقلب، فقتل العديد منهم وتمكن الجيش المغربي من قتل الملك سباستيان في المعركة أما المتوكل فقد غرق بعد أن حاول الهرب شمالا و تم العثور على جثته طافية فوق سطح  الماء، و تم التنكيل به في كافة أنحاء المغرب بعد سلخ جسده انتقاما مما فعله.

أتت معركة وادي المخازن التي جرت يوم 30 جمادى الأولى 986هجرية الموافق ل 4 غشت 1578، لتتوج مسيرة المقاومة المغربية ضد

الحملات الصليبية

الأيبيرية.

وفاة عبدالملك السعدي

استشهد الملك العظيم عبد الملك السعدي عند انتهاء المعركة مباشرة بسبب الجهد الكبير الذي بذله في قيادة الجيش وتحميس الجند رغم مرضه الشديد، ودامت الحرب حوالي أربع ساعات وعشرين دقيقة، وسميت بمعركة الملوك الثلاثة وفقدت الإمبراطورية البرتغالية في هذه المعركة سيادتها وملكها وجيشها والعديد من رجال الدولة، وورث شقيقه أحمد المنصور العرش السعدي في فاس بعد وفاته مباشرة.

كان لعبد الملك السعدي فضل كبير في استمرار سلطان المغرب وحمايته، بعد انتصاره على أقوى الإمبراطوريات آنذاك متمثلة في إسبانيا والبرتغال، ولولا ما حققه في معركة وادي المخازن العظيمة بفضله و لكان التاريخ مختلفا تماما، ولأصبح المغرب في خانة المستعمرات البرتغالية دون شك.