زينب النفزاوية
كثيرة هي الشخصيات التي ساهمت في صنع التاريخ عبر مختلف العصور وكان لها تأثير كبير في الحياة السياسية أو الاجتماعية أو العلمية، إلا أن التاريخ لم يذكر إلا قليلاً منهن، ومن النساء البارزات زينب النفزاوية الأميرة الامازيغية الجميلة ذات العقل الرصين والرأي السديد و المعرفة بإدارة الأمور.
نشأة وأصل زينب النفزاوية
الأميرة زينب تانفزاويت، أو زينب النفزاوية أصلها من قبيلة هوارة الأمازيغية واحدة من أشهر النساء الأمازيغيات في تاريخ المغرب، كانت مستشارة حكيمة لزوجها يوسف بن تاشفين الذي يدين لها بانتصاراته ونجاحه و من أجلها تأسست مدينة مراكش.
يقول بعض المؤرخين أن زينب النفزاوية ولدت سنة 1039، في قرية صغيرة تبعد 70 كيلومتر عن مدينة مراكش، كان والدها في غاية الثراء، وقدم لابنته تعليمًا جيدًا، وهذا كان نادرًا بالنسبة للفتيات الصغيرات حينها، في وقت مبكر جدًا، أظهرت زينب ذكاءً عظيمًا وحكمة، ويقال أنها كانت أجمل وأذكى النساء في ذلك الوقت، بعد سنوات هاجرت زينب مع والدها من نفزاوة التي كانت تحت إمرة بني زيري الذين ثاروا على الخلفاء الفاطميين، وخاصة بعد انتقال عاصمة ملكهم للقاهرة، حيث انتقلت زينب إلى مدينة أغمات وعاشت فيها لسنوات طويلة.[2]
جمال زينب وصفاتها الحميدة، جعلتها محط أنظار الكثير من الرجال، ويقال إن زينب رفضت العديد من عروض الزواج، قائلة أنها لا تريد شخصًا ليس لديه طموح في أن يصبح ملكًا للبلاد بأكملها.
أزواج زينب النفزاوية
كانت لها زيجات متعددة حتى أنها لقبت بزوجة الملوك، وكانت زينب امرأة طموحة يطلب ودها أحسن الأمراء، فتصدهم ولا تقبل إلا أفاضلهم، وكانت تبحث عن رجل يلتئم شمل المغاربة على يديه، أو حسب تعبيرها رجل يحكم المغرب كله لكي تكون هي وزير صدق لديه وتشاركه في تسيير شؤون الدولة.
زوجها الأول كان يوسف بن علي، شيخ قبيلة وريكة، ثم تزوجها من بعده الأمير لقوط بن يوسف المغراوي، أمير أغمات الذي لاذ بالفرار وتركها وحيدة حين استولى المرابطون على هذه المنطقة عام 1017 للميلاد.
بعد ذلك تقدم للزواج منها الأمير المرابطي أبو بكر اللمتوني الذي لم يقاوم جمال وحسن زينب، فوافقت على الزواج منه لقوته و طموحه و يقال أنه قد فتح في عهده أكثر من 15 دولة إفريقية ونشر الإسلام فيها، وأشارت زينب على أبي بكر ببناء مراكش كعاصمة للمرابطين، فشرع في ذلك، لكن لم يكمل ما بدأه، ليأتي يوسف ابن تاشفين ويحقق رغبتها بعد زواجه منها ويؤسس تلك المدينة العظيمة.[1]
قصة زواجها من يوسف ابن تاشفين
بعد فترة من الزواج، اضطر أبو بكر اللمتوني لمغادرة البلاد عام 453هـ/1061م، بسبب بعض الصراعات التي نشبت بين القبائل المسلمة في الصحراء ليقيم أمرهم خوفاً من الفتنة و انقسام أمر المسلمين، و لم يشأ أن يتركها معلقة تنتظر عودته، أو أن يأخذها معه إلى الصحراء لصعوبة العيش هناك، فقرر أن يطلقها وقال لها “إني راجع إلى الصحراء وأريد الجهاد بالسودان، ولعلي أرزق بالشهادة، فلا أحملك ما لا تطيقينه”، و طلب منها أن تتزوج إبن عمه يوسف بن تاشفين بعد إنقضاء العدة مباشرة لأنه خليفته على بلاد المغرب، فأذعنت زينب دون تردد وكان ردها في رسالة “الرأي السديد ما تراه”، وستصبح بذلك زينب النفزاوية زوجة لأمير المرابطين الجديد يوسف بن تاشفين.
قامت زينب بدعم يوسف بكل الطرق الممكنة، و زودته بالأموال الكثيرة لجمع الجيوش من الأمازيغ وتعزيز مكانته، و تجمع حوله الكثير من الأنصار، كما قدمت له الدعم المعنوي الكبير، و لم تبخل عليه بالرأي و المشورة، و حفزته على استكمال فتوحات سابقيه، وتثبيت دعائم أركان دولة المرابطين، فكان لنصائحها الفضل في زيادة ثروته و جيشه و تقوية شوكته، بالإضافة إلى توسعه في مناطق جديدة و فتحها.
لما عاد أبو بكر إلى المغرب مرة أخرى سنة 465ه/1073م، كانت مكانة يوسف بن تاشفين قد تعززت، وسلطانه قد بدأ يقوى في المغرب كله، فشعر أن في الأمر تهديدا للجناح الجنوبي من دولة المرابطين، فنزل أبو بكر بمدينة أغمات التي تبعد مسافة صغيرة عن مراكش، و بعث ليوسف يطلب منه أن يمثل بين يديه.
كيف حقنت زينب دماء أبناء العمومة
شعر يوسف بالقلق بعد توصله برسالة أبي بكر، و كان قد قرر أن لا يبقى تابعاً لإبن عمه و استشار زوجته زينب النفراوية وطلب منها النصيحة، فقالت له، أن أبي بكر رجل ورع تقي لا يحب سفك الدماء، فإذا لقيته لا تظهر الكثير من الأدب والتواضع أمامه، دعه يشعر أنك مثله وفي نفس مكانته، ولاطفه بالأموال والهدايا، فإنه يسلم لك.
فعل يوسف ما أشارت به زينب، و أظهر الترفع و كان سلامه مقتضب و هو راكب على حصانه، ولم يترجل حتى لمصافحة أبي بكر و معانقته كما كانت عادته، و أحضر الكثير من الهدايا و خرج إليه بجيش جرار، فنظر أبو بكر إلى جيش ابن تاشفين، ثم سأله قائلا: “يا يوسف، ماذا تصنع بهذه الجيوش؟، فأجابه يوسف: أستعين بها على من خالفني”، ثم نظر إلى عدد كبير من الإبل، فقال له “و ما هذه الإبل”؟ فأجابه، أيها الأمير جئتك بكل ما معي من مال وثياب وطعام لتستعين به على عيش الصحراء، فعرف أبو بكر حينها نوايا يوسف ابن تاشفين و أدرك أن المغرب قد أفلت من بين يده، وأنه لا سبيل إلى منازعته، حينها طلب منه أبي بكر أن يترجل عن حصانه، ولأنه رجل عظيم وتقي ولاه الأمر نهائيا وأوصاه بالمسلمين، وطلب منه العدل و العمل الصالح، ثم ودعه وعاد أدراجه إلى الصحراء، بفضل مشورة زينب وذكائها تمكن من الحفاظ على حكمه دون قطرة دم واحدة، و كان يوسف ابن تاشفين يذكر دائما فضل زينب عليه، ويقول:” إنما فتح الله البلاد برأيها”.
ذكاء ورجاحة عقل هذه السيدة، كان سبباً في إتمام الفتوحات وتثبيت دعائم الدولة، وقد لعبت دورا في غاية الأهمية على مسرح الأحداث السياسية للدولة المرابطية.
أبناء زينب النفزاوية
أنجبت زينب النفزاوية من صلب يوسف ابن تاشفين ثلاثة أبناء، هم تميم والمعز بالله و الفضل، ومع أن حنكتها السياسية و مكانتها الكبيرة ونفوذها القوي و حب يوسف ابن تاشفين لها، كلها عوامل قد تجعلها تدفع بأحد أبنائها للعرش، إلا أنها لم تتدخل في شؤون الحكم نهائيا، و كان ابنها تميم من القادة العسكريين الكبار و ساعد أخاه علي من زوجة يوسف ابن تاشفين الثانية قمر، على اعتلاء عرش أبيهما و الحكم، هنا يظهر جلياً حسن تربية زينب النفزاوية الفاضلة لأبنائها وتعليمهم تعاليم الدين الإسلامي الصحيح.
متى توفيت زينب النفزاوية
اختلفت بعض المراجع التاريخية بخصوص تاريخ وفاة زينب النفزاوية، لكن يقال أنها توفيت عام 464 هجرية، 1072 ميلادية، بعد أحد عشر عاماً من وفاة زوجها يوسف بن تاشفين، تركت زينب بعد وفاتها أبنائها الثلاثة يكملون ما بدأته هي و زوجها ويثبتون دعائم الدولة العظيمة.[2]