تعرف على أول جواسيس أمريكا
كانت الحرب الثورية صداماً كبيراً بين المملكة البريطانية العظمى و 13 من المستعمرات في أمريكا الشمالية، كانت هذه المستعمرات 13 منتصرة وحصلت في النهاية على استقلالها من بريطانيا العظمى، ثم أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها دولة مستقلة، ويرجع هذا النصر إلي براعة الجنرال جورج واشنطن العسكرية في قيادة الجيش القاري، حيث لعب
الجواسيس
أدواراً محورياً في الحرب، وقد أثبت اعتماد واشنطن على التجسس أنه أمر مهم لنجاح العمل بشكل عام، وهذه لم تكن المرة الأولي لوجود الجواسيس إلا أنه يمكن القول أن هذا الحدث هو بداية استخدام الولايات المتحدة لسلاح الجواسيس في كل حروبها بعد الاستقلال.
التحول من الجواسيس العسكريين إلى المدنيين
في يوليو 1776، كتب المندوبون الاستعماريون ووقعوا الإعلان الخاص بالاستقلال، وأعلنوا فعلياً أنهم يعتزمون الانفصال عن الإمبراطورية البريطانية وقريباً جداً.
بحلول
نهاية العام
، لم تكن الأمور جيدة بالنسبة للجنرال
جورج واشنطن
والجيش القاري، وقد اضطر هو وقواته إلى التخلي عن مواقعهم في مدينة نيويورك والهرب عبر نيو جيرسي، ومما زاد الوضع سوء أن الجاسوس الذي أرسلته واشنطن لجمع المعلومات الاستخباراتية، والذي يسمى ناثان هيل قد قبض عليه البريطانيون وتم الحكم عليه بالشنق بتهمة الخيانة.
كانت واشنطن في موقف صعب، وليس لديها أي طريقة لمعرفة تحركات أعدائها، وخلال الأشهر القليلة المقبلة قامت بتنظيم عدة مجموعات مختلفة لجمع المعلومات، التي تعمل وفقًا لنظرية أن المدنيين سوف يجذبون اهتماماً أقل من الأفراد العسكريين، ولكن بحلول عام 1778، كان لا تزال شبكة تفتقر إلى مجموعة العملاء في
نيويورك
.
وهكذا تشكلت حلقة Culper بدافع الضرورة، نجح مدير الاستخبارات العسكرية في واشنطن، بنيامين تالمادج – الذي كان زميلاً في غرفة ناثان هيل في ييل، في تجنيد مجموعة صغيرة من الأصدقاء من مسقط رأسه، جلب كل منهم مصادر أخرى للمعلومات في شبكة التجسس، ومن خلال العمل معاً كونوا نظاماً معقداً لجمع المعلومات الاستخباراتية ونقلها إلى واشنطن، على الرغم من أن ما يقوموا به يعرض حياتهم للخطر في هذه العملية، إلا أنهم كانوا سبب كبير في الفوز بالحرب.[1]
حلقة كولبر
في نوفمبر 1778، عين الجنرال واشنطن بنيامين تالمدج مديراً للمخابرات العسكرية وأمره ببناء حلقة تجسس داخل مدينة نيويورك، والتي احتلها البريطانيون في ذلك الوقت وستكون طوال فترة الحرب، حملت اسم ” حلقة Culper ” بناءً على اقتراح واشنطن، وتعود التسمية إلي أشجار في مقاطعة Culpeper في ولاية فرجينيا مسقط رأسه، تتضمن هذه الحلقة Tallmadge ، ورئيس التجنيد وصديق الطفولة Abraham Woodhull، حيث كان Woodhull يذهب متخفياً إلي نيويورك، ويعود إلى Tallmadge بشكل دوري مع معلومات موثوقة حول العمليات البريطانية.
نمت حلقة التجسس لتشمل روبرت تاونسيند، الذي كان كاتب عمود في صحيفة موالية للاستعمار البريطاني، وكان يتعقب مع الضباط البريطانيين الذين يريدون الدعاية في الجريدة وكانوا سعداء لتبادل المعلومات معه، وشملت أيضا آنا سترونج ، والجاسوسة التي يُعتقد أنها اختفت بالاسم الرمزي 355، وعاشت في سيتوكيت على ساحل لونغ آيلاند، وكانت وظيفتها هي نقل الإشارات إلى سُعاة تهريب المعلومات الاستخبارية عبر لونغ آيلاند ساوند إلى تالمدج، المتمركزة في كونيتيكت.
كانت طريقة الاتصال الخاصة بها عبقرية، حيث كانت تتواصل مع باقي الجواسيس من خلال حبل الغسيل الموجود علي مرأى ومسمع من الجنود البريطانيين، حيث إذا علّقت Strong ثوب نسائي أسود، فهذا يشير إلى أن الرسالة كانت جاهزة للتقاطها بواسطة حامل الحقيبة.
قدمت حلقة كولبر معلومات استخباراتية أساسية طوال الحرب، فمن خلال نشاط هؤلاء الجواسيس، تمكنوا من الكشف عن الخطة البريطانية لتحطيم الاقتصاد القاري الناشئ عن طريق طباعة كميات هائلة من
العملات
المزيفة، وكشفوا عن خطة بريطانية لكمين للأسطول الفرنسي لدى وصوله إلى رود آيلاند لدعم القضية الأمريكية.
في عام 1780، ساعدوا في كشف الخائن الأكثر شهرة في الحرب وهو بنديكت أرنولد، وهو أمريكي وافق مقابل 20 ألف
جنيه إسترليني
، على تسليم الحامية الأمريكية الحاسمة في ويست بوينت إلى البريطانيين من خلال أتفاق جاسوسهم الأعلى جون أندريه معه، ومع ذلك تم القبض على أندريه مع تفاصيل الخطة التي كانت مخبأة في صندوقه، بينما هرب أرنولد في النهاية إلى بريطانيا، حيث لم يكن جون أندريه محظوظاً في هذه العملية.[2]
أشهر جواسيس حلقة كولبر
أوستن رو
كان أوستن رو هو صاحب خانة، ولكنه كان مرتبط بشكل وثيق مع الأعضاء الآخرين في حلقة كولبر، حيث نشأ بالقرب من منزل زميله الجاسوس Caleb Brewster، خدم أوستن كساعي للمجموعة، حيث كان يقوم بنقل المواد من مقهى (Robert Townsend’s New York City ) في طريق العودة من وإلى لونغ آيلاند وسيتوكيت، وهي رحلة لأكثر من خمسين ميلاً، كان موقف أوستن رو كحامل خطابات محفوفاً بالمخاطر، حيث كان يسافر لمسافة طويلة مع إمكانية اكتشافه بأدلة تثبت أنشطته.
ابراهام وودهول
انضم أبراهام وودهول، وهو يعمل مزارع وابن قاضي محلي في مدينة
باتريوت
، إلى حلقة كولبر في نوفمبر سنة 1778، وكان وودهول هو رئيس عصابة حلقة كولبر، حيث كان يقرر ما هي المعلومات التي يجب نقلها بين جميع أنحاء المجموعة، والتي ستصل في النهاية إلى القائد والجنرال جورج واشنطن، وهذا حتى يتجنب الكشف من جانب البريطاني للحلقة أو أي شخص من داخلها، وكان وودهول يعمل تحت اسم مستعار، وهو (صموئيل كولبر الأب).
آنا سترونج
كانت آنا سترونج على اتصال جيد داخل مستعمرة نيويورك بالطبقة العليا، فكانت تسعى دائماً لتستغل مزرعتها في لونغ آيلاند حتى تتمكن من نقل المعلومات الاستخباراتية إلى باقي أعضاء حلقة كولبر، وكان زوج (Selah Strong) قاضياً باتريوتاً بارزاً وكان قبطاناً أثناء الحرب.
روبرت تاونسيند
كان روبرت أيضاً صاحب خانة في مدينة نيويورك، حيث شارك روبرت تاونسيند في غطاء مقعد لإخفاء ولاءه الحقيقي، كان روبرت يقدم نفسه معلناً أنه مخلص لبرطانيا، وكان دائماً يكتب في صحيفة لوياليست بما يوافق ادعائه، إلا أنه كان يقوم بتزويد حلقة كولبر بأكثر المعلومات الحساسة، التي كان يجمعها من علاقاته مع
الاستعمار البريطاني
ومن ضباط الجيش البريطاني نفسه.
جيمس أرميستيد لافاييت
كان أرميستيد أميركي من أصل أفريقي واُستعبد من الجيش ثم تطوع حتى ينضم إلى الجيش تحت قيادة لافاييت في عام 1781، وكان يعمل عميلاً مزدوجاً لصالح الوطنيين، كان Armistead يمثل عبداً هارباً ثم وافق على العمل مع البريطانيين، إلا أنه في الحقيقة كان يقوم بجمع معلومات استخباراتية من الجيش البريطانيين ويرفع تقارير بها إلى قوات
حلقة كولبر
.
تجسس أرميستيد على العميد بنديكت أرنولد الذي انشق عن جيش القارات لقيادة القوات البريطانية، كما زار معسكر اللورد كورنواليس حتى يجمع المعلومات الخاصة بالخطط البريطانية لنشر الأسلحة والقوات البريطانية، وكانت تقارير أرميستيد مفيدة للغاية في مساعدة جيش
القارات
على هزيمة البريطانيين خلال معركة يوركتاون.
الأصفار والرموز
الجدير بالذكر أن حلقة كولبر كانت تستخدم أسماء أكواد لإخفاء هويات العملاء، حتى واشنطن كان لديها عميل 711 كرئيس للمخابرات، حيث أنشأ Tallmadge كتاب (Culper Code)، فمثلاً الرقم 219 يدل على (بندقية)، 223 تعني (الذهب) 701 تعني (المرأة).[3]