اسس النظرية الذرية الحديثة
لقد بُنيت جميع العلوم على العديد من النظريات والأسس الهامة التي ساعدت فيما يبعد على تطوير تلك العلوم والوصول إلى عدد لا حصر له من التطبيقات الحياتية الهامة ، ويُعد علم الكيمياء من أهم العلوم الطبيعية التي قد حظيت بعدد كبير من النظريات التي تبارى العلماء في صياغتها على مر العصور ، ومن أبرز وأشهر تلك النظريات هي النظرية الذرية الحديثة .
النظرية الذرية
تركيب الذرة شغل عقل وتفكير عدد كبير جدًا من علماء الذرة ومنهم رذرفورد وبور ودالتون ، على النحو التالي [1] :
نظرية رذرفورد
قام العالم رذرفورد عام 1911م بتقديم نموذج لتركيب الذرة ذكر به أن الذرة تتكون من جسيم صغير جدّا وثقيل يحمل شحنة موجبة واطلق عليه اسم (نواة الذرة) ، وأشار إلى أن النواة تحتوي على جميع البروتونات ولذلك فإن كتلة الذرة متمركزة بشكل أساسي في النواة عند إهمال كتلة الإلكترونات متناهية الصغر ، وأعزى شحنة النواة الموجبة إلى تمركز البروتونات الموجبة بها .
وفي تصور رذرفورد ؛ أشار إلى أن طريقة توزيع الإلكترونات السالبة حول ذرة العنصر تأتي في مدارات مشابهة تمامًا لحركة الكواكب حول الشمس ، وبما أن الذرة دائمًا ما تكون متعادلة ؛ فهذا يعني أن عدد الشحنات الموجبة المتمثلة في البروتونات يساوي عدد الشحنات السالبة المتمثلة في الإلكترونات ، ومن خلال نتائج التجارب التي قام بها رذرفورد ؛ فقد توصل إلى النتائج التالية :
- لم يحدث انحراف في عدد كبير من الجسيمات ؛ وهذا دليل على معظم الذرة عبارة عن فراغ .
- كما أن حدوث انحراف بسيط في بعض جسيمات ألفا يدل على وجود عدد قليل من الجسيمات المشحونة بشحنة موجبة كما أن جسيمات قد اقتربت من تلك الشحنة ؛ وبالتالي حدث نوعًا من الانحراف البسيط أدى إلى هذا الانحراف .
- كما أن حدوث هذا الانحراف البسيط يُعني مركز الجسيمات التي تحمل الشحنة الموجبة في مركز الذرة أي في النواة .
نظرية دالتون الذرية
كما يُعد العالم الكيميائي جون دالتون صاحب
نظرية دالتون الذرية
هو أحد مؤسسي علم الكيمياء حيث أنه قد تمكن من تقديم النظرية الذرية للمادة في عام 1803م ، كما أنه هو أول من أشار إلى أن الذرة غير قابلة للتجزئة بل هي أصغر وحدة للمادة ، وما يُميز نظرية دالتون عن النظريات الأخرى القديمة هي أنها مبنية بشكل أساسي على بعض القوانين الأساسية مثل قانون بقاء الكتلة وقوانين النسبة وغيرهم ، ومن هنا وضع دالتون فروض نظريته على النحو التالي [2] :
-تتكون المادة من عدد من الجسيمات الأولية الصغيرة غير قابلة للتجزئة وهي تُسمى ( الذرة ) .
-كل عنصر من عناصر المادة له شكل وكتلة وحجم مختلف عن باقي العناصر .
-تحدث التفاعلات الكيميائية في حالة تغيير موضع الذرة في كل عنصر .
نظرية بلانك الكمية
أما في عام 1900م ؛ تمكن العالم بلانك من تقديم فروض أخرى عن تركيب الذرة مختلفة عن ما ذكره العلماء السابقون ، حيث أشار إلى أن كل من الجزيئات والذرات يمكنها امتصاص الضوء وأن تبعث طاقة ضوئية وحرارية ، وهنا تم التوصل إلى مصطلح كمي جديد هو ( الفوتون) ، وقد ذكر بلانك إلى أن طاقة الكم الواحدة E تتناسب طرديًا مع قيمة تردد الشعاع الضوئي .
أهم أسس النظرية الذرية الحديثة
تضمن النظرية الحديثة بعض التعديلات على نموذج بور وقامت على مجموعة من الأسس الهامة ، مثل :
الإلكترون يمتلك طبيعة مزدوجة
وهذا الفرض هو المعروف باسم مبدأ براولي الذي ينص على أن الإلكترون عبارة عن جسم مادة يمتلك خواص موجية وله طبيعة مزدوجة ، وهذا يعني أن أي جسيم متحرك سواء إلكترون أو نواة أو جزئ كامل يرافقه حركة موجية تعرف باسم الموجات المادة وهي مختلفة بشكل كبير عن موجات الضوء الكهرومغناطيسية ، كما أن سرعة تلك الموجات تساوي سرعة الجسم المتحرك .
مبدأ هايزنبرج
هو مبدأ عدم التأكد المعروف باسم مبدأ هايزنبرج ، وهو قائم على استخدام ميكانيكا الكم وهو يُشير أنه من المستحيل أن يتم تحديد كل من سرعة ومكان الإلكترون في وقت واحد ، ولكن قد يُمكننا فقط أن نتنبأ بوجود الإلكترون في منطقة ما ، وبالتالي فإن الأمر مبنيًا على الاحتمالات .
معادلة شرودنجر
وفي عام 1926م ؛ تمكن العالم نمساوي الجنسية شرودنجر معتمدًا على افتراضات ونتائج ما سبقوه من علماء مثل هايزنبرج ، ودي براولي ، وأينشتين ، وبلانك من أن يقوم بوضع المعادلة الموجية التي من الممكن أن يتم تطبيقها على حركة الإلكترونات في الذرة ، والتي من خلال حلها تم التوصل إلى النتائج التالية :
-تم التوصل إلى عدد من مستويات الطاقة تدور بها الإلكترونات حول النواة في شكل منتظم وهي مستويات طاقة وهمية تم تقديرها بواسطة العلماء من أجل التوصل إلى حركة الإلكترونات .
-ومن خلال المعادلة الموجية التي وضعها شرودنجر أيضًا ؛ تم تحديد بعض مناطق الفراغ الموجودة حول نواة الذرة ، والتي أشار العلماء ومنهم شرودنجر إلى أنه هناك احتمال كبير أن تكون حركة الإلكترون داخل نطاق تلك المساحة الفارغة .
-وبناءً على ما سبق ؛ تم التمكن من الوصول إلى مفهوم ومصطلح جديد في عالم الكيمياء وهو (الأوربيتال) وهو عبارة عن توضيح تفصيلي أكبر لرصد حركة الإلكترون والوصول إلى توصيف دقيق لطبيعة تواجد الإلكترون حول نواة الذرة .
-كما ان تلك النتائج قد ساعدت عن التخلي نوعًا ما عن تعبير المدار الذي وضعه العالم بور وكان ينص على أنه يوجد بعض مسارات الطاقة حول النواة تسير بها الإلكترونات وهي K ، L ، M ، N ، O ، P ، وأصبح مفهوم السحابة الإلكترونية الذي من الممكن توقع وجود الإلكترون به في أي لحظة هو السائد والمقبول لدى العلماء لوصف مصطلح الأوربيتال .
الفرق بين المدار والأوربيتال
قد قام بعض العلماء بتوضيح الفرق بين المدار والأوربيتال على النحو التالي :
مدار الطاقة
المدار في مفهوم بور هو ذلك المسار الوهمي الذي تسير به الإلكترونات حول نواة الذرة ، كما أن المناطق الموجودة نظريًا بين هذه المدارات لا يُمكن للإلكترون التواجد بها .
الأوربيتال
أما مصطلح الأوربيتال كما وصفه العالم شرودنجر ؛ فالمقصود به وجود مناطق فراغ حول نواة ذرة العنصر ويزداد احتمال تواجد الإلكترون في أي جزء منها في أي لحظة .
وتُعتبر أسس النظرية الذرية الحديثة هي والمعادلة الموجية هي المفهوم الذي لا زال يتم الاعتماد عليه حتى اليوم في وصف طبيعة العلاقة بين الجسيمات الأولية داخل ذرة العنصر ، حيث استقر العلماء في نهاية الأمر على أن نواة الذرة لا تتجزأ وهي تحتوي على البروتونات الموجبة ؛ أما الإلكترونات فهي جسيمات سالبة تدور حول نواة ذرة العنصر في اوربيتالات ومدارات ينتج عنها سحابة إلكترونية .
وبناءً على النظرية الذرية الحديثة ؛ قد توصل العلماء أيضًا إلى أن الذرة متعادلة كهربائيًا في حالة الاستقرار ؛ لأن في هذه الحالة يكون عدد الإلكترونات السالبة مساويًا لعدد البروتونات الموجبة .