معلومات عن معاهدة سان جرمان

يمتلئ التاريخ السياسي بعدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات التي كان يتم الاعتماد عليها دائمًا من أجل توضيح العلاقة وطرق التعامل بين الشعوب والحكومات والدول المختلفة ، حيث أن بعض الدول كانت تستغل قوتها العسكرية ونفوذها في السيطرة على بعض

الدول الصغيرة

وضمها إليها بالقوة دون وجه حق ، ومن أبرز وأشهر الاتفاقيات والمعاهدات التي شهدها التاريخ هي معاهدة سان جرمان التي جاءت كنتيجة للنفوذ الغاشم الذي كانت تطبقه الإمبراطورية النمساوية حين ذاك .

معاهدة سان جرمان

إن معاهدة سان جرمان أو المعروفة في العالم الأوروبي بـ Treaty of Saint-Germain-en-Laye هي عبارة عن معاهدة تم توقيعها تحديدًا في اليوم العاشر من شهر سبتمبر عام 1919م إبان انتهاء الحرب العالمية الأولى والتي قد تمكنت من تغيير

خريطة اوروبا

كليًا .

وكان طرفي هذه المعاهدة هي كل من الدول المنتصرة في

الحرب العالمية الأولى

والطرف الثاني كان كل من ألمانيا والنمسا ، وقد جاءت هذه المعاهدة على غرار بعض المعاهدات الأخرى مثل معاهدة فرساي التي تم توقيعها مع ألمانيا وكذلك معاهدة تريانون التي قد تم توقيعها مع دولة المجر من أجل وقف سيطرة النمسا وألمانيا على الأقاليم والمناطق التابعة إلى بعض

دول الاتحاد الاوروبي

الأخرى .

توقيع معاهدة سان جيرمان

تمت الموافقة على معاهدة سان جيرمان من قِبل البرلمان النمساوي في السابع عشر من شهر أكتوبر عام 1919م ، وأصبحت تلك المعاهدة معمول بها بشكل رسمي منذ السادس عشر من شهر يوليو لعام 1920م ، وعلى الرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم توقع على هذه المعاهدة حينذاك ؛ إلا أنها قامت بالتوقيع على اتفاق سلام آخر منفصل مع النمسا وكان ذلك في شهر أغسطس من عام 1921م .

وقد امتنعت بعض الدول أيضًا في ذلك الحين من التوقيع على الاتفاقية وهي كل من يوغوسلافيا و

دولة رومانيا

؛ حيث أن كلتا الدولتين كانتا معترضتان على الضمانات الزائدة التي كفلتها المعاهدة للأقليات العرقية والدينية ، ولكن من خلال المفاوضات الناجحة التي استمرت عدة شهور ؛ اقتنعت الدولتين في نهاية المطاف بالتوقيع على هذه المعاهدة وبدأ تطبيقها بالفعل على أرض الواقع .

نص معاهدة سان جرمان

لقد جاءت معاهدة سان جيرمان لتكون بمثابة خط النهاية للإمبراطورية النمساوية المجرية الغاشمة ؛ حيث أنها قد نصت على مجموعة من البنود الأساسية والهامة كما يلي [1] :

ترسيم الحدود بمعاهدة سان جرمان

-تناول الجزء الأول من معاهدة سان جيرمان السماح لدولة النمسا بالإنضمام إلى عصبة الأمم ولكن بعد مرور وقت كافي يُبين صدق وحسن سير وسلوك الدولة في تطبيق بنود المعاهدة وعدم العودة مرة ثانية إلى سابق عهدها من فرض سيطرتها على بعض الأماكن والأقاليم والأراضي التي لا تحق لها .

-أما الجزء الثاني من المعاهدة ؛ فقد نص على تقليص مساحة دولة النمسا بشكل كبير جدًا ؛ لتكون مساحتها حوالي  83.8 ألف كيلو متر مربع فقط بعد أن كانت تشغل أكثر من 297 ألف كيلو متر مربع قبل إتفاقية سان جيرمان ، وهذا بالطبع ترتب عليه عدد كبير جدًا من التغيرات الجذرية بالدولة ؛ ومن مظاهر ذلك انخفاض

عدد سكان النمسا

بشكل كبير جدًا من أكثر من ثلاثين مليون نسمة إلى حوالي ستة ونصف مليون نسمة فقط .

-كما قد تضمنت اتفاقية سان جيرمان عدة بنود وصلت إلى ثمانية بنود تقريبًا كفلت من خلالها أحقية الأقليات النمساوية في الاستقلال والسلامة وعدم التعرض إلى الإيذاء أو الإبادة أو أي صورة من مظاهر القهر والعنف العرقي أو المجتمعي أو الديني .

-ومن خلال اتفاقية سان جيرمان أيضًا ؛ تمكنت بعض الدول من أن تعلن استقلالها الكامل عن دولة النمسا وأهمها يوغوسلافيا وبولندا و تشيكوسلوفاكيا ؛ حيث تمكنت هذه الدول من استعادة أراضيها التي كانت النمسا تفرض سيطرتها عليها قبل أحداث الحرب العالمية الأولى .

-كما قد تمكنت إيطاليا أيضًا إبان الحرب العالمية الأولى وبعد توقيع معاهدة سان جيرمان من أن تستعيد هي الأخرى جزء كبير من أراضيها التي كانت واقعة تحت الوصاية النمساوية قبل الحرب .

قسم القوى العسكرية والمالية

-أشارت المراجع التاريخية أيضًا إلى أن معاهدة سان جيرمان قد قامت بتقليص القوى والإمكانيات العسكرية لنمسا ؛ حيث لم تسمح لها إلا بعدد جنود يبلغ ثلاثين ألف جندي فقط في الجيش الأساسي للدولة ، وأقرت المعاهدة على عدم السماح للنمسا إلا بامتلاك مصنع حربي واحد فقط من أجل إنتاج الأسلحة ، ولم تتمكن النمسا بعد إقرار المعاهدة إلا باحتفاظ بأربعة قوارب حراسة فقط .

-كما قد شددت معاهدة سان جيرمان أيضًا على منع قيام أي تحالفات أو اتحادات بين كل من النمسا وألمانيا ، ولكن على الرغم من هذا البند الهام في المعاهدة ؛ إلا أن الزعيم السياسي الألماني النازي أدولف هتلر تمكن من أن يطيح بهذا البند وأن يقوم بعقد اتحاد مع النمسا في عام 1938م ، ولكن عندما قامت

الحرب العالمية الثانية

؛ تم إلغاء تلك الاتفاقية .

أهمية معاهدة سان جيرمان

أشار المؤرخين وعلماء التاريخ إلى أن معاهدة سان جيرمان ترتب عليها عدد كبير من الفوائد الاستراتيجية لمختلف البلدان الأوروبية [2] ، مثل :

  • تم القضاء على أسطورة الإمبراطورية النمساوية التي كانت ذو نفوذ غاشم وتم تقليص مساحة الدولة وأًبحت دولة صغيرة عادية مثلها مثل باقي الدول الأخرى .
  • من أجل تنفيذ بنود تلك الاتفاقية تم تقليص عدد الجنود والمحاربين في الجيش النمساوي أيضًا إلى 30 ألف جندي ومحارب فقط بعد أن كان جيش الدولة يضم مئات الألوف من الجنود والمقاتلين.
  • كما قد تم تقليص فرصة النمسا أيضًا في إمتلاك عدد كبير من

    المصانع الحربية

    ، ولم يتم ترك سوى مصنع واحد فقط بها مهمته هي صناعة الأسلحة .
  • ساعدت معاهدة سان جيرمان على فصل منطقة تريستا عن النمسا وضمها إلى إيطاليا .
  • وعقب توقيع الاتفاقية ؛ تم إعطاء مقاطعتين هما مقاطعة مورافيا ومقاطعة بوهيميا إلى دولة تشيكوسلوفاكيا .
  • كما قد قامت النمسا بالتنازل عن منطقة جليقية أو المعروفة باسم غاليسيا إلى

    دولة بولندا

    .
  • وقد تعهدت معاهدة سان جيرمان أيضًا بضرورة حماية الأقليات الدينية والقومية سواء في النمسا أو في أي دولة من الدول التي قد وقعت على الاتفاقية .
  • بعد تطبيق بنود اتفاقية سان جيرمان ؛ أصبحت الأقليات العرقية والدينية تحيا حياة امنة تمامًا على الأراضي النمساوية .
  • ويُذكر أن معاهدة سان جيرمان وتقليص حدود الدولة بشكل كبير ؛ أدى إلى خسارة النمسا لعدد كبير من حلفائها في ألمانيا .

وتعقيبًا على نتائج معاهدة سان جرمان ؛ أشار علماء التاريخ إلى أن هذه الإتفاقية كانت بالفعل سببًا رئيسيًا في تغيير خريطة العالم الأوروبي بشكل كبير جدًا وقد نتج عنها ظهور بعض الدول بأسماء واستقلال ذاتي كامل بعدما كانت عبارة عن مناطق وأقاليم واقعة تحت سلطة وحكم الإمبراطورية النمساوية .

وعلى الرغم من النتائج الهامة التي ترتبت على معاهدة سان جيرمان ؛ إلا أن انتهاك بعض الدول الأوروبية إلى بنودها واستخدام النفوذ الحربي والعسكري في معاداة الدول الأخرى والسيطرة عليها ؛ أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية في شهر سبتمبر من عام 1939م .