الحكمة من الاعتكاف
الاعتكاف هو عكوف القلب على الله عز وجل ، والخلوة به، وجمعه عليه والاشتِغال به وحده عز وجل والانقِطاع عن الاشتِغال بالخلق، حتى يصبح وحبه و ذكره والإقبال عليه في محل هموم القلب ، فيقو بالاستيلاء عليه بدلها، ويصبح الهم كله به، وتكون الخطرات كلها بذكره، والتفكير كله في كيفية الحصول على مراضيه وما يقرِب منه، فيصبح أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق، فبذلك يعده لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له.
آداب الاعتكاف
هناك بعض من الآداب التي يحب على المعتكفين الأخذُ بها ومراعاتها، حتى يكون اعتكافهم كامل ومقبول بإذن الله، فمن
شروط الاعتكاف
:
أولا: يجب استحضار النية الصالحة، وكذلك احتساب الأجر على الله سبحانه وتعالى.
ثانيا: كما يجب ان يستشعر الحكمة من الاعتكاف، وهي تتمثل في الانقطاع للعبادة، وجمع القلب على الله عز وجل.
ثالثا: كذلك يجب على المعتكف ألا يخرج إلا لحاجته التي لا بد منها.
رابعا: يجب عليه المحافظة على أعمال اليوم والليلة من أذكار مطلقة ومقيّدة وسنن ، كسنة الضحى و السنن الرواتب، وسنة الوضوء ، وإجابة المؤذن ، و
صلاة القيام
، وأذكار طرفي النهار، وأذكار أدبار الصلوات، ، وغير ذلك من الأمور التي يجب على المعتكف ألا تفوته شيء منها.
خامسا: كما يجب عليه الحرص على الاستيقاظ من
النوم
قبل الصلاة بوقت كاف، سواء كانت فريضة، أو قيام، حتى يتهيأ المعتكف للصلاة، ويأتيَها بخشوع وسكينة ووقار.
سادسا: الانتقال من نوع إلى نوع آخر من العبادة والإكثار من النوافل عموما، حتى لا يدب الملل والفتور إلى المعتكف، فَيمضي وقته بقراءة القرآن تارة، و بالصلاة تارة ، وبالتسبيح تارة ، وبالتحميد تارة، وبالتهليل تارة ، وبالتكبير تارة، وبالدعاء تارة، وبالصلاة على النبي صل الله عليه وسلم تارة ، وبالاستغفار تارة، وبـ: لا حول ولا قوة إلا بالله تارة، وبالتفكر تارة ،وبالتدبر تارة، وهكذا….
سابعا: ان يقوم باصطحاب بعض كتب أهل العلم، وخاصة كتب التفسير، حتى يستعينَ بهم على تدبر
القرآن
.
ثامنا: ان يكون هناك إقلال من الكلام، والطعام، والمنام، وهذا أدعى لخشوع النفس ورقة القلب ، والبعد عن الإثم، وحفظ الوقت.
تاسعا: ان يكون هناك الحرص على الطهارة طيلة وقت الاعتكاف.
عاشرا: كما انه على المعتكفين أن يتواصوا بالنصيحة، وبالصبر، وبالحق، والإيقاظ من النوم ،والتذكير، وأن يتعاونوا على البر والتقوى ، وأن قبل بعضهم من بعض.
فكل هذا يدل على المعتكف ان يحرص على تطبيق السنة، والبعد عن كل ما يفسد اعتكافه، أو ينقص ثوابه ، والحرص على كل قربة.
الحكمة من الاعتكاف
ابن القيم
رحمه الله تعالى يقول،( لما كان صلاح القلب وكذلك استقامته على طريق سيره إلى الله تعالى متوقفا على جمعيته على الله تعالى ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلم إلا بالإقبال على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب وفضول مخالطة الأنام وفضول الكلام وفضول المنام مما يزيده شعثا ويشتته في كل واد ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى أو يضعفه أو يعوقه أو يوقفه اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب ويستفرغوا من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه ولا يضره ولا يقطعه عن المصالح العاجلة والآجلة وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته فيستولي عليه بدلها ويصير الهم كله به والخطرات كلها بذكره والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه فيصير أنسه بالله بدلاً من أنسه بالخلق فيعده بذلك بأنسه به يوم الوحشة في القبور حيث لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه فهذا هو مقصود الاعتكاف الأعظم).
هدي النبي صل الله عليه وسلم في الاعتكاف
النبي صل الله عليه وسلم كان ينفرِد وهو معتكف في مكان خاص، حيث جاء في حديث أبي سعيد رضِي الله عنه: “في قبَّة تركيَّة”.
كان مشتغلا بالذكر، ومن ذلك القرآن، فعن
ابن عباسٍ
قال: “كان رسول الله صل الله عليه وسلم أَجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان في دارسه القرآن، فالرسول الله صل الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسَلَة”.
وكان مشتغل بالصلاة فتشغله العبادة عن كل شيء حتى الطعام والشراب في بعض الأحيان، فعن
أبي هريرة
رضي الله عنه قال: “نهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجلٌ من المسلمين: إنَّك تُواصِل يا رسول الله؟ قال: ((وأيُّكم مثلي؛ إنِّي أَبِيتُ يُطعِمني ربي ويَسقِين))، فلمَّا أبَوْا أنْ ينتهوا عن الوصال واصَل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال”.
وان النبي صل الله عليه وسلم كان المراد من قوله : ((يُطعِمني ربي ويسقين))، هو طعام وشراب معنوي وليس حسي، لان انشغاله بذكره ومناجاته تعتبر غذاء القلوب فتنسيه الأكل والشرب، فنجد انه من اشتغل قلبه بأمر مهم أنساه الطعام والشراب.