اسرار الباقيات الصالحات
قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [سورة الكهف: 46]، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [سورة مريم: 76] وقد ورد العديد من التفاسير والأقوال في بيان معنى
الباقيات الصالحات
، وما هي الأسرار التي تحويها هذه التسبيحات؟ وهو ما سوف نتناوله بالشرح والتفسير
ما هي الباقيات الصالحات
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله: وأقوال العلماء في الباقيات الصالحات كلها راجعة إلى شيء واحد، وهو الأعمال التي تُرضي الله جل وعلا؛ سواء قلنا: إنها الصلوات الخمس كما هو مروي عن جماعة من السلف؛ منهم:
ابن عباس
وسعيد بن جبير، وأبو ميسرة وعمر بن شرحبيل، أو أنها سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والثاني أنها سبحان الله وهذه الكلمات، وهو قول جمهور العلماء، وجاءت دالة عليه أحاديث مرفوعة عن
أبي سعيد الخدري
وأبي الدرداء، وأبي هريرة والنعمان بن بشير، و
عائشة رضي الله عنها
.
والتحقيق أن الباقيات الصالحات لفظ عام يشمل
الصلوات
الخمس والكلمات الخمس المذكورة، وغير ذلك من الأعمال التي ترضي الله تعالى؛ لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية كزينة الحياة الدنيا، ولأنها أيضًا صالحة لوقوعها على الوجه الذي يرضي الله تعالى؛ انتهى كلامه رحمه الله. إذاً:
– القول الأول؛ أنها (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله).
– القول الثاني: أنها الصلوات الخمس
– القول الثالث: أنها الكلم الطيب، يعني: كل كلام طيب فهو داخل فيها.
– القول الرابع: أنها الأعمال الصالحة كلها.
كل هذه الأقوال الأربعة ذكرها الطبري و
ابن كثير
و ابن الجوزي و ابن تيمية والأئمة والعلماء، ومروية عن ابن عباس رضي الله عنه حبر الأمة وترجمان القرآن، مما يدل على أنه لا تناقض بين هذه الأقوال الأربعة كلها.
اسرار الباقيات الصالحات
ورد لفظ الباقيات الصالحات في
القرآن الكريم
أكثر من مرة وفسره العلماء بأنه الجامع للعمل الصالح، وفيما يلي الأسرار التي تحملها هذه الكلمات:
– أنها من القرآن وجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم تنوب عن القرآن عند العجز وتعدل القرآن: في الحديث الذي رواه أبو داود وهو حديث جيد الإسناد ( الرجل الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إنه لا يحسن شيئاً من القرآن فكيف يُصلي؟ ما يعرف حتى
سورة الفاتحة
ما يحفظها، فقال: ماذا أقول؟ فقال: قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فجلس الرجل يرددها ويضعها بأصابعه ويقول: هذه لربي -هذه لله تسبيح لله- فما لي أنا -ما حقي؟- فقال له: اللهم اغفر لي واهدني وسددني. فصار يرددها أيضاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يديه من الخير ) .
– هذه الكلمات والتسبيحات يرددها الكون كله {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [سورة الإسراء: 44]
– الباقيات الصالحات هي
العمل الصالح
وسميت باقيات لأنها تبقى لك في الآخرة إذا ما نفذ المال والولد والجاه والمنصب وصالحات لأن الله تعالى رضي بها ولأنها أمر مشرع وقد أطلق عليها بعض علماء السنة الماحيات لأنها تمحو الخطأ والذنوب والإسراف إلى من كثرت ذنوبه وخطاياه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(ما علي الأرض رجل يقول لا اله إلا الله و الله أكبر و سبحان الله و الحمد لله و لا حول و لا قوة إلا بالله إلا كفرت عنه ذنوبه و لو كانت أكثر من زبد البحر ) .
– كل عبادة لها توقيت ولها حد في القدر ولها زمن إلا الذكر فلم يحدد بزمن، ولا بمكان ولا بكمية فقال سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [سورة الأحزاب: 41-42]
– سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدمات والمعقبات والمجنبات؛ (المقدمات) لأنها تأتي أمامك
يوم القيامة
وتمنعك من العذاب ومن لفح النار، وسماها (المعقبات) لأنها تحميك من خلفك من العذاب ومن النار ومن ملائكة العذاب (والمجنبات) لأنها تحميك من إلىمين ومن إلىسار
– إنهن أحب الكلام إلى الله ، فقد روي مسلم من حديث سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم { أحب الكلام إلى الله تعالى أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله و الحمد لله و لا اله إلا الله و الله أكبر } صحيح مسلم
– معنى كل كلمة فيها معنى مستقل عن الآخر فإذا تأملت معناها تجد الآتي:
سبحان الله
تدل على تنزيه الله سبحانه وتعالى، عن كل النقائص والعيوب التي تلحق البشر أو في أذهان البشر، وإثبات الكمال لله سبحانه وتعالى في أفعاله وأسمائه وصفاته، فكل ما يتعلق بالثناء على الله سبحانه وتعالى وتسبيحه وتمجيده فهو داخل في سبحان الله.
الحمد لله
انتقل العبد بعد التسبيح وإثبات الكمال لله إلى الاعتراف بالحمد والثناء على الله بنعمه، سواء بكمال ذاته سبحانه وتعالى أو بنعمه الواصلة إلى العباد.
لا إله إلا الله
ينتقل بعد الخطوة الثالثة إلى الاعتراف بأن الله تعالى هو الإله الواحد المعبود، وهنا اعتراف بوحدانيته سبحانه، وأنه ليس له شريك في الملك ولا في الخلق ولا في العبادة وإنما هو وحده بذلك.
الله أكبر
هنا الإشارة إلى التفضيل، أن الله أكبر من كل شيء (( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ))[الأنعام:19]، فـ (الله أكبر) هنا ليس معناه أن له الكبرياء، فقط، بل أن الله في علمه أكبر من كل عالم، وفي كرمه أكبر من كل كريم، وفي رحمته أرحم من كل راحم، فهنا التكبير يعني: إثبات الكما المطلقة لله وأنه أعظم من كل شيء.
لا حول ولا قوة إلا بالله
(لا حول ولا قوة إلا بالله) ما معناها؟ معناها أن العبد لا يستطيع أن يتحول، (لا حول) يعني: لا تحول من حال إلى حال، من الفقر إلى الغنى، أو من الضعف إلى القوة، أو من المشكلات إلى زوال المشكلات، أو من الهزيمة إلى الانتصار، أو من الضياع والضلال إلى الهدى، لا تحول إلا بالله، ولا قوة -يعني: قدرة- للعبد على مواجهة شئون الحياة ومصاعبها إلا بالاستعانة بالله تبارك وتعالى، وفي الحديث الذي رواه الستة -حديث أبي موسى الأشعري – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كنز من كنوز
الجنة
).