نماذج و قصص الفرج بعد الشدة
من المعروف أن الدنيا دار
البلاء والابتلاء
، وأن حال الإنسان فيها متقلب الأحوال، سواء الصحة او المرض، أو الغنى والفقر، أو الشدة والفرج ولكن هذه الشدة لا تدوم فدوام الحال من المحال ويجب على كل مسلم أن يكون على يقين بالاية الكريمة”سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا”.
من قصص الفرج بعد الشدة
البغدادي والتاجر الخرساني
– روى عن بعض تجار الكرخ في
بغداد
أنه قال: كنت أتعامل مع رجل من الخراسانية، وأبيع له المتاع في كل موسم فأنتفع من سمسرته بألوف الدراهم حتى جاءت سنة من السنين فتأخر عني، فتأثر حالي، وأغلقت دكاني وجلست في بيتي، مختبئ من الديون التي تلاحقني طوال أربع سنين.
– قررت أن اتتبع خبر الخراساني، حتى اصلح من حالي فذهبت إلى السوق فلم أسمع عنه خبراً، فرجعت وأنا تعب ومغموم فنزلت إلى نهر دجلة فتغسلت بسبب الجو الحار، وعندما صعدت ابتل موضع قدمي وتسببت في قلع قطعة من الرمل، فانكشف تحتها خيط فلبست ثيابي، وجلست أفكر في هذا الخيط، حتى قررت أن اسحبه حتى ظهر لي هميان موصول بالخيط والهميان هو ما يوضع فيه المال فأخذته ووجدته مملوء بالدنانير، فأخفيته تحت ثيابي فذهبت إلى منزلي فوجدتهم ألف دينار، ففرحت وعاهدت الله عز وجل، أنه عندما ينصلح حالي، سأعيد الهميان لمن يعطيني صفته، واحتفظت بالهميان وسددت ديوني وفتحت دكاني وعدت إلى عملي في التجارة والسمسرة.
– مضت ثلاث سنوات وأصبح في حوزتي ألوف الدنانير، وجاء الحج فتتبعتهم حتى أجد من يعطيني صفة الهميان فعدت إلى دكاني فوجدت رجل يدخل إلى الدكان وكان في خلقة فقراء الخراسانية وزيهم فظننته سائلاً، فأخذت بعض الدراهم لأعطيه فأسرع منصرفاً فارتبت به فقمت ولحقته فإذا هو صاحبي الذي كنت أنتفع بسمسرته في السنة بألوف الدراهم، فقلت له: يا هذا، ما الذي أصابك ؟ وبكيت رحمة له.
– فبكى وقال: حديثي طويل.
– فقلت له لنذهب إلى بيتي فأدخلته الحمام وألبسته ثياباً نظيفاً وأطعمته وسألته عن حاله.
– فقال: أنت تعرف حالي ونعمتي فأردت في آخر سنة أن أخرج إلى
الحج
فجئت إلى بغداد، فقال لي أمير البلد: عندي قطعة ياقوت أحمر كالكف، لا قيمة لها ولا تصلح إلا للخليفة، فخذها معك وبعها لي في بغداد، واشتر لي من ثمنها متاعاً وعطر هو قد طلبه، وأحمل الباقي مالاً، فأخذت قطعة الياقوت ووضعتها في هميان جلد، ووصف هيئة الهميان الذي وجده التاجر، ووضع فيه ألف دينار عيناً من مالي، وحملته في وسطي، ووصلت إلى بغداد فنزلت أسبح في الجزيرة وتركت الهميان.
وعندما خرجت لبست ثيابي ونسيت الهميان، ولم أذكره إلا في الصباح فعدت إلى المكان حتى أجده ولكن كأن الأرض ابتلعته، فهونت على نفسي المصيبة وقلت: لعل قيمة الحجر ثلاثة آلاف دينار أغرمها له، فخرجت إلى الحج ولما رجعت حاسبتك على ثمن متاعي، واشتريت للأمير ما أراده، ورجعت إلى بلدي فأخبرته بخبري، وقلت له: خذ مني ثلاثة آلاف دينار عوضاً عن الحجر فقال قيمته خمسون ألف دينار وقبض علي وأخذ كل ما أملكه من مال ومتاع، وأشهد علي في جميع أملاكي وقام بحبسي سبعة سنين وفي هذه السنة سأله الناس في أمري فأطلق سراحي، فلم أتحمل العيش ببلدي فخرجت وجئت مع الحج الخراساني، فأمشي طول الطريق ولا أدري ماذا أفعل فجئت إليك لأشاورك في معاش أتعلق به.
– فقلت له قد رد الله عليك بعض ضالتك لأن والله هذا الهميان الذي وصفته هو عندي، وكان فيه ألف دينار أخذتها، وعاهدت الله تعالى، أنني سأعيدها لمن يعطيني صفة الهميان، وقد أعطيتني أنت صفته، وعلمت أنه لك، فقمت وأحضرت له كيس فيه ألف دينار وقلت له: تعيش بهذا في بغداد.
– فقال لي: يا سيدي الهميان بعينه عندك لم يخرج عن يدك ؟ قلت: نعم.
– فغشي عليه فلما أفاق بعد ساعة، قال لي: أين الهميان؟ فجئته به فطلب سكيناً وخرق أسفل الهميان، وأخرج منه حجر ياقوت أحمر، أشرق منه البيت وكاد شعاعه يأخذ بصري وظل يشكرني ويدعو لي.
– فقلت له: خذ دنانيرك.
– فحلف أن لا يأخذ منها إلا ثمن ناقة ومحمل ونفقة تبلغه لبلده فبعد كل جهد أخذ ثلاثمائة دينار وأحلني من الباقي وأقام عندي حتى عاد الحجاج فخرج معهم، وفي العام المقبل، جاءني بقريب له فقلت له: أخبرني خبرك.
– فقال: مضيت فشرحت لأهل البلد خبري وأريتهم الحجر، فذهبوا معي إلى الأمير وأخبروه بالقصة، وخاطبوه حتى ينصفني فأخذ الحجر ورد إلي جميع ما أخذه مني من متاع وعقار ووهب لي مالاً من عنده وقال الأمير لي: اجعلني في حل مما عذبتك وآذيتك فأحللته وعادت نعمتي إلى ما كانت عليه وعدت إلى تجارتي ومعاشي بفضل الله تعالى وظل يجيئني كل عام حتى مات.