خطبة صلاة الاستسقاء
الحمد لله ملء
السموات والأرض
وملء ما بينهما ، الحمد لله الحميد في وصفه وفعله ، سبحانه وتعالى جل في علاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد ، لا إله إلا الله الولي الحميد الواسع المجيد الكاشف كل كرب شديد.
مقدمة خطبة الاستسقاء
سبحانه مفرج الكربات ، مجيب الدعوات ، سبحان مغيث اللهفات ، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ، والله أكبر، ولله الحمد ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، أما بعد ، اتقوا الله تعالى , وتوبوا إليه واستغفروه ، وأخلصوا له العبادة ووحدوه؛ فإنه خلقكم لعبادته ، وأمركم بتوحيده وطاعته ، أما وإننا جمعنا اليوم ل
صلاة الاستسقاء
التى شرعها لنا المولى عز وجل لنزول فيض غيثه ورحمته .
فقد كان طلب الاستسقاء وطلب نزول المطر وقت قحطه وجدوبه من سنن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ولم يكن خاصا ومنحصرا بالمسلمين فقط في ديانتهم ، فقد قال الله جل وعلا : ( وإذ استسقى
موسى
لقومه ) ، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلَ الله عليه وسلم لقومه مراتٍ متعددةٍ وعلى كيفيات متنوعة فإذا أجدبت الأرض وقحطت وقلت الأمطار وانحبست فلا مناص للعباد من الفزع وصدق اللجأ إلى الله جل وعلا لطلب الرحمة والغيث ،ومن المرات التي ذكر فيها استسقاء الحبيب محمد صلَ الله عليه وسلم ذكرابن عباس رضي الله عنهما : ” خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسَلَمْ للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً ” رواه
الترمذي
.
مضمون خطبة الاستسقاء
وقد ذكر
أنسِ بنِ مالك
رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد
يوم الجمعة
والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : ” يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَ قَالَ : اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا .. قَالَ: فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ ، فَلا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا ، قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : ” اللَّهُمَ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا ، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ والظَّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ ، قَالَ : فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَاَ نَمْشِي فِي الشَّمْسِ ” رواه البخاري ومسلم .
عباد الله – اتقوا الله تعالى, وتوبوا إليه واستغفروه ، وأخلصوا له العبادة ووحدوه ، ألا تروا كيف يغير ويعجل الإيمانُ الصادقُ ، والأفئدة الطاهرةُ ، والألسنُ المستغفرةُ استجابةَ المولى العاجلة ! إنهم أقوام أغاثوا قلوبهم بالتوبة و
الاستغفار
والتطهرِ من الذنوب والمعاصي فأغاث الله أرضهم واستجاب دعاءهم ، وتعلَّقت قلوبهم ببيوت الله وحافظوا على الجُمَع والجماعات ، وأدوا ما عليهم من الأمانات والمسؤوليات فرفع الله تعالى ذكرهم وبسط سلطانهم وأمد رزقهم.
لقد كانوا يخشون مواطن الزلل وموانعَ إجابة الدعاء ، حتى إذا ما دعوا ربهم استجاب لهم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه -: ” أطبْ مطعمك تكنْ مستجابَ الدعوة ” ، إنهم قوم طهّروا أموالهم من أكل الحرام و
الربا
والرشوة والغش في المعاملات ، وأكل أموال الناس بالباطل وأنواع الحِيل ، وطهروا ألسنتهم من شهادة الزور والأيمان الفاجرة والسبِ والغيبة والنميمة والفحش وغيرها من الرذائل .
جديرٌ بنا – عباد الله – أن نبادر الله بغوث قلوبنا بالإيمان وألسنتنا بالاستغفار وقلوبنا بالتطهير والطاعة ليَحِلَّ الغيث بأرضنا وبلادنا ، ذلكم وربي هو مفتاحُ القطر من السماء ، وسببُ دفعِ البلاء ، ووعدُ الله لا يُخلَفُ حيث قال تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ). حريٌ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا قال تعالى : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا) .
وإذا استسقى العباد فلم يُسقوا ، علينا أن نتسآل: هل رَويت قلوبنا من هذا الغيث أَم هي ظامئة ؟ ، فقد كان ذلك دلالة على هبوطِ مستوى الإيمان ، وخللٍ في الأعمال ، وإصابة القوم بموانعِ إجابة الدعاء فهل ننظر إلى صحائفنا هل هي ربيعٌ أم هي مجدبة ؟
عباد الله تدبروا القرآن ؛ تلين قلوبكم ، وتوبوا إلى الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، لقد لزم عليا أن نستقيم في أمورنا ونصلح ما اعوج منها وما فسد وأن نطهّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد ، علينا أن نقوم بأداء الصلاة وإيتاء
الزكاة
، وإصلاح الأهل والبنين والبنات ، فلا قيمة للاستغفار إذا كان مجرَّد لفظ يُرَدَّدُ على اللسان ، ولا أثر لصلاة الاستسقاء إذا كانت مُجَرَّدَ عادَةٍ تفعل.
إخوتي إخوة الإسلام : علينا أن نخلع عنا ثوب الخطايا ونتجرد من السيئات والمظالم ليرفعَ الله عنا ما نحن فيه ، فمن منا الذي لا يقع في المعصية والخطيئة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تذنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ” أخرجه مسلم . وروى الترمذي وابن ماجه وأحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال : ” كُلْ ابْنُ آَدَمَ خَطَاءٌ وَخَيَرُ الخَطَائيِنْ التَوابُونْ ” إلا أنّ المذنبَ مع ذنبه ينبغي أن يكون خائفاً وجلا ، يخشى على نفسه ، ويرفع يديه لمولاه تائباً مستغفراً ، فهو ممن قال الله فيهم : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) .
عن
ابن عمر
رضي الله عنهما قَالَ : كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” يا معشر المهاجرين خمسٌ إذا ابتليتم بهن ، وأعوذ بالله أن تدركوهُنَّ : لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذُوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أَيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أَنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ” أخرجه ابنُ ماجه وهو صحيح .
دعاء خطبة الاستسقاء
اللهم أنت الغني الكريم ونحن الفقراء إليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك لا إله إلا أنت ، بيدك أمرنا يافاطر السماوات والأرض ، أنزل علينا الغيث ، وامطر علينا مطرا مدرارا من السماء ، وارحمنا برحمتك ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً ، هنيئاً مريئاً ، مجللا سحاء عاماً دائماً ، نافعاً غير ضار ، عاجلاً غير آجل ، وصل اللهم وسلم وبارك على الحبيب محمد صل الله عليه وسلم .