تفسير الآية ” فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم “
قال الله تعالى {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [سورة التوبة: 69]
تفسير ابن كثير
يقول تعالى: أصاب هؤلاء من عذاب اللّه تعالى في الدنيا والآخرة كما أصاب من قبلهم،
{ بِخَلَاقِهِمْ }
قال الحسن: بدينهم،
{ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا }
أي في الكذب والباطل،
{ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ }
أي بطلت مساعيهم فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة،
{ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
لأنهم لم يحصل لهم عليها ثواب.
عن
ابن عباس
قال: ما أشبه الليلة بالبارحة،
{ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ }
هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم، والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه [أخرجه ابن جرير عن عطاء بن عكرمة عن ابن عباس]. وفي الحديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده لتتبعنّ سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وباعاً بباع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه »، قالوا: ومن هم يا رسول اللّه؟ أهل الكتاب؟ قال: « فمن؟ »، قال
أبو هريرة
: الخلاق الدين،
{ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا }
قالوا: يا رسول اللّه كما صنعت فارس والروم؟ قال: « فهل الناس إلا هم؟ » [قال ابن كثير: وهذا الحديث له شاهد في الصحيح].
تفسير القرطبي
فيه ثلاث مسائل:
الأولى:
قوله تعالى:
{ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ }
قال الزجاج: الكاف في موضع نصب، أي وعد الله الكفار نار جهنم وعدا كما وعد الذين من قبلهم. وقيل: المعنى فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، فحذف المضاف. وقيل: أي أنتم كالذين من قبلكم، فالكاف في محل رفع لأنه خبر ابتداء محذوف. ولم ينصرف
{ أَشَدّ }
لأنه أفعل صفة. والأصل فيه أشدد، أي كانوا أشد منكم قوة فلم يتهيأ لهم ولا أمكنهم رفع عذاب الله عز وجل.
الثانية:
روى سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « تأخذون كما أخذت الأمم قبلكم ذراعا بذراع وشبرا بشبر وباعا بباع حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه ». قال أبو هريرة: وإن شئتم فاقرءوا القرآن
{ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ }
قال أبو هريرة: والخلاق، الدين
{ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ }
حتى فرغ من الآية. قالوا: يا نبي الله، فما صنعت اليهود والنصارى؟ قال: « وما الناس إلا هم ». وفي الصحيح عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: « لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه » قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: « فمن؟ » وقال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم. ونحوه عن ابن مسعود.
الثالثة:
قوله تعالى:
{
فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ }
أي انتفعوا بنصيبهم من الدين كما فعل الذين من قبلهم.
{ وَخُضْتُمْ }
خروج من الغيبة إلى الخطاب.
{ كَالَّذِي خَاضُوا }
أي كخوضهم، أي وخضتم خوضا كالذين خاضوا. يقال منه: خضت، الشراب. وخاض القوم في الحديث وتخاوضوا أي تفاوضوا فيه، فالمعنى: خضتم في أسباب الدنيا باللهو واللعب. وقيل: في أمر محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب.
{ أُولَئِكَ حَبِطَتْ }
بطلت. وقد تقدم.
{ أَعْمَالُهُمْ }
حسناتهم.
{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
وقد تقدم أيضًا.