تفسير قول الله تعالى ” وليس الذكر كالانثى “

قال تعالى في

سورة آل عمران

(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، وفيما يلى تفسير الآية الكريمة

تفسير  ” وليس الذكر كالانثى “

تفسير الطبري

فسر

الطبري

قوله تعالى (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ)، حيث قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله ” فلما وضعتها “: فلما وضعت حَنَّة النذيرةَ، ولذلك أنث، ولو كانت ” الهاء ” عائدة على ” ما ” التي في قوله : إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا، لكان الكلام : ” فلما وضعته قالتْ رب إني وضعته أنثى “.

ومعنى قوله تعالى (وضعتها) : أي ولدتها، ومعنى قوله تعالى” قالت ربّ إني وضعتها أنثى “: أي أنها ولدتها أنثى، وقد اختلفت القراء حيث قرأته العامة ( وَضَعَتْ )، خبرًا من الله عز وجل عن نفسه حيث أنه يعلم بكل شيء ويعلم بما وضعت، وقرأ بعض المتقدّمين ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ ) على وجه الخبر بذلك عن أم مريم أنها هي القائلة ” والله أعلم بما ولدتُ مني”.

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب ما نقلته الحجة مستفيضة فيها قراءته بينها، لا يتدافعون صحتها، وذلك قراءة من قرأ ” والله أعلم بما وضعتْ”، ولا يعترض بالشاذّ عنها عليها، وقيل عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله تعالى ” فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى ” : لما جعلتها محرّرًا له نذيرة.

وقيل عن ابن إسحاق في قوله تعالى ” وليس الذكر كالأنثى ” : لأن الذكر هو أقوى على ذلك من الأنثى، وقيل عن قتادة في قوله تعالى ” وليس الذكر كالأنثى ” : كانت المرأة لا يستطاع أن يصنع بها ذلك، يعني أن تحرر للكنيسة، فتجعل فيها، تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها، مما يصيبها من الحيض والأذى، فعند ذلك قالت : ” ليس الذكر كالأنثى “.

قال قتادة في قوله تعالى ” قالت رب إني وضعتها أنثى ” : وإنما كانوا يحرّرون الغلمان، وقيل عن الربيع : كانت امرأة عمران حرّرت لله ما في بطنها، وكانت على رَجاء أن يهبَ لها غلامًا، لأن المرأة لا تستطيع ذلك يعني، لما يصيبها من الأذى، وقيل عن السدي : أن امرأة عمران ظنتّ أن ما في بطنها غلامٌ، فوهبته لله، فلما وضعت إذا هي جارية، فقالت تعتذر إلى الله : ” رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى “.

قيل عن عكرمة : ” فلما وضعتها قالت رَبّ إني وضعتها أنثى “، “وليس الذكر كالأنثى ” : في المحيض، ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال، وقال أبو جعفر في قوله تعالى ” وإني أعيذُها بك وذُريتها ” : وإني أجعل مَعاذها ومَعاذ ذرّيتها من الشيطان الرجيم، بك.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نَفْس مولود يُولد إلا والشيطان ينال منه تلك الطعنة، ولها يَستهلّ الصبي، إلا ما كان من مريم ابنة عمران، فإنها لما وضعتها قالت ” رب إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم “، فضُرب دُونها حجاب، فطعَن فيه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود من ولد آدم له طَعنةٌ من الشيطان، وبها يستهلُّ الصبي، إلا ما كان من مريم ابنة عمران وولدها، فإنّ أمها قالت حين وضعتها  ” إني أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم “، فضرب دونهما حجاب، فطَعَن في الحجاب).

يقول

أبا هريرة

: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ما من بني آدم مولودٌ يولد إلا قد مسَّه الشيطان حين يولد، فيستهلّ صارخًا بمسِّه إياه، غير مريم وابنها)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد من بني آدم يمسُّه الشيطان بإصبعه، إلا مريم وابنها)، قال  ابن عباس : ما ولد مولود إلا وقد استهلّ، غير المسيح ابن مريم، لم يسلَّط عليه الشيطان ولم يَنْهَزْه.