تفسير ” وألنا له الحديد أن اعمل سابغات “

{ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ سورة سبأ :  10-11 ] وفيه جاء بن كثير على ذكر نبي الله

داوود

وذكر بعض صفاته مثل صناعة الدروع والصوت الحسن.


تفسير الآية ابن كثير :



{ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا }

يخبر الله تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام مما آتاه من الفضل المبين وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوي العَدد والعُدد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات، والغاديات والرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات.

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت

أبي موسى الأشعري

رضي الله عنه يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته، ثم قال صلى الله عليه وسلم : « لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود ».

ومعنى قوله تعالى :

{ أَوِّبِي }

أي سبحي قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد، والتأويب في اللغة الترجيع، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها، وقوله تعالى:

{ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ }

قال

الحسن البصري

وقتادة : كان لا يحتاج أن يدخله ناراً ولا يضربه بمطرقة، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط، ولهذا قال تعالى:

{ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات}

وهي الدروع، قال قتادة : وهو أول من عملها من الخلق، وإنما كانت قبل ذلك صفائح، وقال ابن شوذب: كان داود عليه السلام يرفع في كل يوم درعاً فيبيعها بستة آلاف درهم، ألفين له ولأهله وأربعة آلاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحوارى [ أخرجه ابن أبي حاتم ].


{ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ }

هذا إرشاد من الله تعالى لنبيه داود عليه السلام في تعليمه صنعة الدروع، قال مجاهد

{ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ }

لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة، ولا تغلظه فيقصمها واجعله بقدر، وقال الحكم بن عيينة : لا تغلظه فيقصم ولا تدقة فيقلق، وقال ابن عباس: السرد حلق الحديد. وقال بعضهم: يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق.

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر عن وهب بن منبه أن داود عليه السلام كان يخرج متنكراً، فيسأل الركبان عنه وعن سيرته، فلا يسأل أحداً إلا أثنى عليه خيراً في عبادته وسيرته وعدله عليه السلام، قال وهب: حتى بعث الله تعالى ملكاً في سورة رجل فلقيه داود عليه الصلاة والسلام، فسأله كما كان يسأل غيره، فقال: هو خير الناس لنفسه ولأمته، إلا أن فيه خصلة لو لم تكن فيه كان كاملاً، قال: ما هي؟ قال : يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين يعني بيت المال، فعند ذلك نصب داود عليه السلام إلى ربه عزَّ وجلَّ في الدعاء أن يعلمه عملاً بيده يستغني به ويغني به عياله فألان الله عزَّ وجلَّ له الحديد وعلمه صنعة الدروع فعمل الدروع وهو أول من عملها.

فقال الله تعالى:

{ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ }

يعني مسامير الحلق، قال: وكان يعمل الدرع فإذا ارتفع من عمله درع باعها فتصدق بثلثها واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله، وأمسك الثلث يتصدق به يوماً بيوم إلى أن يعمل غيرها، وقال: إن الله تعالى أعطى داود ما لم يعطه غيره من حسن الصوت، إنه كان إذا قرأ الزبور تجتمع الوحوش إليه حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر.

وما صنعت

الشياطين

المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته عليه السلام وكان شديد الاجتهاد، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير، وكان قد أعطي سبعين مزماراً في حلقه، وقوله تعالى :

{ وَاعْمَلُوا صَالِحًا }

أي في الذي أعطاكم الله تعالى من النعم

{ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

أي مراقب لكم بصير بأعمالكم وأقوالكم لا يخفى عليّ من ذلك شيء.