قصة مقولة ” أنت طالق إن لم أدخل الجنة “

عرف هارون الرشيد بين

الخلفاء العباسيين

، باهتمامه بالعلماء والفقهاء فكان حريصًا أن يتشاور معهم ويأخذ برأيهم في جميع شؤونه، وهذه القصة التي سوف نتناولها هي قصته مع زوجته زبيدة حينما اشتد بينهم الخلف، مما اضطره لأن يقول هذه المقولة التي لام منها نفسه بعد ذلك وظل يبحث عن مخرج له من هذه المحنة حتى لا يفقد زوجته التي أحبها، وقد وردت هذه القصة في كتاب ألف قصة وقصة من قصص الصالحين ونوادر الزاهدين.


قصة مقولة أنت طالق إن لم أدخل الجنة:


عن لؤلؤة خادم

هارون الرشيد

قال: جري بين الرشید وبنت عمه زبيدة خلاف، فقال هارون: أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة ثم ندم، فجمع الفقهاء فاختلفوا في قسمه، فكتب إلى البلدان فاستحضر علماءها إليه، فلما اجتمعوا جلس لهم فسألهم عن قسمه هذا (أنت طالق إن لم أدخل الجنة) فاختلفوا وبقي شيخ لم يتكلم، وكان في آخر المجلس، وهو الإمام الليث بن سعد، قال: فسأله هارون الرشيد، فقال له الليث: إذا أخلى أمير المؤمنين مجلسه كلمته فصرفهم.

فقال : يدنيني أمير المؤمنين فأدناه. قال: أتكلم مع الأمان؟ ، قال: نعم، فأمر الليث بإحضار مصحف فأحضر، فلما انتهى إلى قوله تعالى : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] قال: أمسك يا أمير المؤمنين، قل: والله، فاشتد ذلك على هارون، فقال: يا أمير المؤمنين الشرط أملك، فقال: والله حتى فرغ من اليمين، فقال الليث: قل: إني أخاف مقام ربي، فقال ذلك فقال: يا أمير المؤمنين فهي جنتان وليست بجنة واحدة، قال لؤلؤة: فسمعنا التصفيق والفرح من وراء الستر، فقال له الرشيد : أحسنت، وأمر له بالجوائز وصرفه مكرمًا.


هارون الرشيدي وزوجته زبيدة:


زبيدة بنت جعفر بن المنصور، [149هـ – 216ه] وهي ابنة عم هارون الرشيدي وزوجته، وأهم نسائه وحفيدة مؤسس الدولة العباسية

أبو جعفر المنصور

، وأم الخليفة محمد الأمين، وتعد زبيدة من أهم نساء الدولة العباسية وأشهرهم وذلك لدورها المؤثر في قصر الخليفة فهي حفيدة خليفة وزوجة خليفة وأم خليفة.

عرفت زبيدة باهتمامها بالعلم والأدب والأعمال الخيرية مثل سقاية الحاج، حتى انه أطلق على الطريق من بغداد لمكة المكرمة “درب زبيدة” تكريمًا لأعمالها الخيرية في سبيل خدمة حجاج بيت الله الحرام، وعلى الرغم من تعدد زوجات هارون الرشيد إلا أن زبيدة ظلت السيدة الأولى في حياته بعد أمه الخيرزان حيث كانت صاحبة المشورة والرأي في الكثير من أمور الدولة وكان الرشيدي يحبها حبًا يفوق الوصف، ويوكلها زمام الأمور في غيابه عن القصر، ولدت له زبيدة ولده محمد الأمين، الذي قتل على يد أخيه المأمون في صراعه على الخلافة معه.

وعلى الرغم من فقدها لولدها إلا أنها كانت راجحة العقل فأرسلت تهنئ المأمون بمنصبه كخليفة للمسلمين قائلة: “أهنئك بخلافة قد هنأت نفسي بها عنك قبل أن أراك، ولئن كنت قد فقدتُ ابنًا خليفة، فقد عُوضت ابنًا خليفة لم ألده، وأسأل الله أجرًا على ما أخذ، وإمتاعًا بما عوَّض”. مما جعل المأمون بعد ذلك يبالغ في إكرامها ومودتها ورضاها، قال ابن بردي في وصفها: “أعظم نساء عصرها ديناً وأصلاً وجمالاً وصيانة ومعروفاً، لقد كانت زبيدة سيدة جليلة سخية لها فضل في الحضارة والعمران والعطف على الأدباء والأطباء والشعراء”.