تفسير ” يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك “

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [سورة المائدة: 67]


سبب نزول الآية:


وعنها قالت

السيدة عائشة

رضي الله عنها: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} قالت فأخرج النبي صل اللّه عليه وسلم رأسه من القبة وقال: «يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنا اللّه عزَّ وجلَّ»

وقد كان النبي صل اللّه عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يحرس. كما قال الإمام أحمد عن عائشة رضي اللّه عنها كانت تحدث أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت، فقلت: ما شأنك يا رسول اللّه؟ قال: «ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة»، قالت: فبينما أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال: «من هذا؟» فقال: أنا سعد بن مالك، فقال: «ما جاء بك؟» قال: جئت لأحرسك يا رسول اللّه، قالت: فسمعت غطيط رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم في نومه.


تفسير الآية:



{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}:

يقول تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم باسم الرسالة، وآمراً له بإبلاغ جميع ما أرسله اللّه به، وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك وقام به أتم القيام؛ قال

البخاري

عند تفسير هذه الآية عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل اللّه عليه فقد كذب، الله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية.

وفي الصحيحين عنها أيضاً أنها قالت: لو كان محمداً صلى اللّه عليه وسلم كاتماً شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] وقال ابن أبي حاتم عن هارون بن عنترة عن أبيه قال: كنت عند

ابن عباس

فجاء رجل فقال له: إن ناساً يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئاً لم يبده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للناس، فقال ابن عباس: ألم تعلم أن اللّه تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ، والله ما ورَّثنا رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم سوداء في بيضاء.

وفي صحيح البخاري عن وهب بن عبد اللّه السوائي قال: قلت لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يعطيه اللّه رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر.

وقال البخاري، قال الزهري: من اللّه الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من الصحابة نحو من أربعين ألفاً، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال في خطبته يومئذ: «أيها الناس إنكم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكسها إليهم، ويقول: «اللهم هل بلغت»


{وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}:

يعني وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به فما بلغت رسالته، قال ابن عباس: يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته، وعن مجاهد قال: لما نزلت {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} قال: يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون علي؟ فنزلت: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}


{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}:

أي بلغ أنت رسالتي وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك.

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}:

أي بلغ أنت واللّه هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كما قال تعالى: { {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272] ، وقال: { {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد:40] .