المراد من قوله تعالى « إلا اللمم »

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32]، المراد به ما يلم به الإنسان من صغائر

الذنوب

والمراد بالسيئات المذكورة في هذه الآية صغائر الذنوب، وهي اللمم؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك، فمن رحمة الله سبحانه أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم إذا اجتنبوا الكبائر ولم يصروا على الصغائر.


ما المراد بقوله تعالى: { إِلَّا اللَّمَمَ} ؟


ويجيب عن هذا التساؤل سماحة

الشيخ عبدالعزيز بن باز

رحمه الله في كتابه تفسير القرآن: أنه اختلف علماء التفسير يرحمهم الله في تفسير ذلك، وذكروا أقوالًا في معناه، وأفضلها:


1.


القول الأول:

أن المراد به ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب كالنظرة والاستماع لبعض ما لا يجوز من محقرات الذنوب، وصغائرها ونحو ذلك، وهذا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه وجماعة من السلف واحتجوا على ذلك بقوله تعالى في سورة النساء: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31]، قالوا: فالمراد بالسيئات المذكورة في هذه الآية صغائر الذنوب، وهي اللمم؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك، فمن رحمة الله سبحانه أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم إذا اجتنبوا الكبائر ولم يصروا على الصغائر وأحسن ما قيل في تحديد الكبائر هي المعاصي التي فيها حد في الدنيا؛ كالسرقة و

الزنا

، والقذف، وشرب المسكر، أو فيها وعيد في الآخرة بغضب من الله أو لعنة أو نار؛ كالربا، والغيبة، والنميمة، وعقوق الوالدين.


مما يدل على غفران الصغائر في حالة عدم الإصرار عليها:


وفيه يقول فضيلة الشيخ : أنه مما يدل على غفران الصغائر، واجتناب الكبائر، وعدم الإصرار على الصغائر، قول النبي صل الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، فهو مدرك ذلك لا محالة: فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، وزنا الأذن الاستماع، وزنا اليد البطش، وزنا الرجل الخطا، النفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» ومن الأدلة وجود الحذر من الصغائر والكبائر جميعًا وعدم الإصرار عليها في قوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} [سورة آل عمران: 135-136].


2. القول الثاني:

أن المراد باللمم هو ما يلم به الإنسان من

المعاصي

، ثم يتوب إلى الله من ذلك كما في الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} وقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] وما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمة.

وذلك قول النبي صل الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، ولأن كل إنسان معرض للخطأ والتوبة النصوح يمحو الله بها الذنوب، وهي المشتملة على الندم على ما وقع من المعصية والإقلاع عنها، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إليها خوفًا من الله سبحانه وتعالى، وتعظيمًا له ورجاء مغفرته.


ما الذي يجعل التوبة تامة ومقبولة ؟


من تمام التوبة إذا كانت المعصية إذا كانت المعصية تتعلق بحق الآدميين، كالسرقة، والغصب، والقذف والضرب، والسب، والغيبة، ونحو ذلك، أن يعطيهم حقوقهم أو يستحلهم منها إلا إذا كانت المعصية غيبة، وهي الكلام في العرض، ولم يتيسر استحلال صاحبها (أي طلب الحِل منه) حذرًا من وقوع شر أكثر، فإنه يكفي ذلك أن يدعوا له بظهر الغيب، وأن يذكره بما يعلم من صفاته الطيبة وأعماله الحسنة في الأماكن التي اغتابه فيها، ولا حاجة إلى إخباره بغيبته إذا كان الوقوع في شر أكثر.