قصة توبة مالك بن دينار

أبو يحي مالك بن دينار البصري المولود في الكوفة، من التابعين، كان يعيش قبل توبته حياة السكر والعربدة حتى مر بمحنة عصيبة وفاة ابنته التي جعلت من حياته الأسوأ، حتى رأى منام عظيم كان بمثابة الصحوة من الغفلة، حتى صار أعبد الناس، من التابعين الأبرار حتى توفى عام 784م.


قصة توبة مالك بن دينار :


يحكي مالك بن دينار عن قصة توبته قائلاً : “اشتريت جارية كان جمالها فتان وواقعتها فأنجبت لي بنتًا جميلة، وكنت حينها أعاقر الخمر لا اتركه أبدًا وحينما دبت الأرض صارت تلاعبني البنت حتى أحببتها حبًا شديدًا، وكانت كلما رأت كأس الخمر بيدي سكبته على الأرض، حتى جعلتني اترك شرب الخمر من أجلها، وصارت هي لهوي ومرحي كلما رأيتها تضحك تملئ الدنيا فرح وسرور، حتى شاء الله أن يتوفاها وهي في عمر سنتان، فبت حزينًا غضبانًا واعتزلت الناس، وجعلت أعاقر الخمر ليل نهار ولا أترك فاحشة إلا وآتي بها حتى جاءت ليلة النصف من شعبان.


رؤية مالك بن دينار :


يروي مالك عن هذه الليلة أنه بات ثملًا كعادته، ولم يصلى وقد رأى في نومه، أن يوم القيامة حان، ونفخ في الصور، وبعث من في القبور، وحشر الناس جميعًا وأنا منهم، فالتفت ورائي فإذا بتنين عظيم بين السماء والأرض فارغاً فاه، مستعد لالتهامي، ففزعت حتى هربت منه، وإذا أنا بشيخ ذو ريحٍ طيب كأنه المسك، جميل الشكل يرتدي البياض فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت له أجرني يا شيخنا من التنين، فقال أنا ضعيف، وهو اقوى مني فأسرع لعلك تجد النجاة، فتركت الشيخ ووليت حتى رأيت النار وكدت أهوي فيها من شدة فزعي فنادى علي منادي، ارجع فإنك لست من أهلها فاطمئن قلبي، ولكن عدت أتذكر التنين فرجعت للشيخ وقلت له أجرني، قال أنا ضعيف ولكن أدلك على النجاة، في هذا الجبل ودائع المسلمين، ولك فيه وديعة لعلها تنجيك.


وديعة مالك بن دينار:


يقول مالك فاستدرت لأرى الجبل، فرأيته مستدير من فضة، فهربت إليه وما زال التنين يلاحقني،  حتى اقتربت منه فنادى الملائكة على أهل الجبل  ارفعوا الستور وأشرفوا لعل هذا البائس يكون له وديعة تجيره من عدوه، فخرج الأطفال أفواجًا أفواج، حتى رأيت ابنتي فيهم فصاحت أبي وثبت حتى أتتني وتعلق شمالها بيمني، ومدت يدها اليمنى إلى التنين فولى هاربًا منها، فأقعدتني وجلست في حجري، وأمسكت لحيتي، وقالت يا أبت “ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله” فبكيت: وقلت لها يا بنيتي أنتم تعرفون القرآن ؟، قلت نحن أعلم به منكم، قلت فأخبريني عن التنين الذي كاد يقتلني، قالت : هو عملك السوء قويته وعززته فكاد أن يغرقك في نار جهنم، قلت : فأخبريني عن الشيخ العجوز، قالت : يا أبتي هذا عملك الصالح أضعفته حتى صار ضعيفًا لا يقدر على مواجهة عملك السوء، قال : وما تصنعون في هذا الجبل، قالت : نحن أطفال المسلمين قد أسكنا فيه إلى ان تقوم الساعة فنشفع لهم.


الصحو من الغفلة :


هنا انتبه مالك من نومه على

صلاة الفجر

، وسمع الإمام يقرأ ” أَلَمْ يَأْنِ

لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ

لِذِكْرِ اللَّهِ” [الحديد: 16]، فعلم أنها البشارة بالتوبة من الله، قام مالك فاغتسل وتوضأ، وصلى الفجر، وعاهد ربه على أن لا يعود لمثل فعلته أبدا، وصار من الزهاد والعباد، ويضرب به المثل في التقوى والزهد حتى توفى.