الكاتبة الدكتورة الهنوف الدغيشم..
الغربة وحده و صعوبات تواجه الإنسان للتأقلم على الأوضاع الجديدة و خاصة إذا كانت في بلاد ليست عربية تختلف عاداتها المجتمعية تماما مع عاداتنا المجتمعية العربية الأصيلة ، فيولد بداخل المرء صراعات عديدة قد تكون مؤلمة و قد تولد روح التحدي ، أحاسيس و مشاعر مختلفة و متضاربة ، و لكن العقول الناضجة الواعية وحدها من تستطيع تحويلها إلى إنجاز ، ففي مقالتنا هذه نتناول بعض اللمحات من قصة الدكتورة هنوف الدغيشم التي حولت تلك الصراعات إلى كتابات لتعتبر من أحد المبدعين و الكتاب بالمملكة العربية السعودية و هذا أكبر دليل على التناقض و الصراعات التي أتحث عنها ، لأنه من المعروف أن الشخصيات العلمية تفكر بإتجاه مختلف تماما مع الشخصيات الأدبية .
من هي الهنوف الدغيشم في إيجاز…
الهنوف الدغيشم هي أم لثلاث بنات ، و طبيبة الأسنان المبتعثة من جامعة الأميرة نورة لإكمال الدراسات العليا في ألمانيا ، في جامعة فرايبورغ ، عاشت في صراع داخلي خاضته في مدينتها فرايبورغ ، بين واجباتها كأم و كطبيبة ، و كأنثى ، و كغريبة ، و بين المرأة التي تسعى إلى أن تكون قوية و مستقلة ، و لها عالمها الخاص الذي يحتويها ، و بالطبع كل هذا أدى إلى حالة من التوتر الداخلي ، فسعت إلى صنع السلام بين النساء المتناقضات و المتشابكات داخليا ، و لذلك بحثت عن حياة شاسعة يمكن لها أن تحتمل كل الأوجه ، و إشباع كل إمرأة فيها ، و قالت نصا في حديثها لصحيفة ” الرياض” : ” كان لدي تصور عن الجانب العلمي و البحثي و المعوقات التي قد تواجهني كاللغة مثلا ، لكن الشق الآخر عن حياتي الجديدة في مجتمع مختلف عن مجتمعي و نشأتي و كيف سأتعايش مع النقلة المفاجئة هو ما بدا لي غامضا و مقلقا أحيانا ، و ربما أنظر الآن إلى أنني كنت أبالغ في قلقي و توجسي “.
كتابها الأول…
في كتابها الذي يعد الأول ، أوضحت الهنوف كيف أنها في عزلتها كتبت عن ذاتها في هذه المدينة عن المرأة التي تراها أول مرة بهذا الوضوح ، كانت الغربة الطريق إلى نفسها ، فقد قادتها هذه العزلة إلى إكتشاف دهاليز روحها المعتمة ، و كشفت الضوء عن ملامحها الذهنية ، فنفضت غبار الضجر و شاغبت الرتابة الساكنة داخلها ، حيث ركضت وحيدة داخل مساحات توجساتها الداخلية الشاسعة الخائفة من كل ما هو مجهول وغير مدرك ، و عبثت بالأسئلة الساكنة داخلها كأنها براكين متوجسة .
أين كتبت هنوف الدغيشم…
أوضحت الهنوف بفخر أنها كتبت في الترام ، و غرف الإنتظار ، و في الأوقات الطويلة التي كانت فيها وحيدة ، حيث أشارت أنه كانت الكتابة عشوائية في نوتات متفرقة ، و في رسائلها لصديقاتها ، و في ذاكرة الآيباد ، و ملاحظات الجوال ، لم تكن فكرة الكتاب متكونة في ذهنها ، حتى إقتربت من نهاية هذه التجربة ، و شعرت أن تجربتها مختلفة تماما عن تجربة صغيراتها ، اللاتي كن رفيقات هذه الرحلة ، فكن في حالة إندماج تام ، و تصالح فطري مع الغربة ، فعدم إدراكهن الفوارق ، كان يمنح روحها الصمود .
الدوافع التي جعلت من الدغيشم كاتبة…
وعن الدافع إلى كتابة تجربتها و نشرها ، إن الكتابة بالنسبة إليها كانت تحد من القلق المتسرب أو المنبعث في نفسها ، و إلى ذاتها النقية ، فكتبت عن تحولاتها وما إنتابنها من تغيير في هذه المدينة الصغيرة ، و كان بداخلها إمتنان لكل العابرين غير المبالين ، الذين صنع عبورهم الناعم حكاية في داخلها ، فكتبت لأن ذهنها كان لابد أن يحول كل صورة عابرة إلى كلمة ، كل موقف إلى كلمة ، فكان عقلها لا يتوقف عن البحث عن الكلمات ، و ما يقلقها هو حاجتها إلى كلمة لا تأتي ، إلى تعبير لا تستطيع الوصول إليه .
ختاما…
هنوف الدغيشم واحده من الشخصيات الفريدة المميزة التي إستطاعت تحويل القلق و الخوف الذي بداخلها إلى كتابات و كلمات ساحرة إستطاعت بها الدخول إلى عالم الأدباء ، مرسلة تجربتها عبر كتابها إلى الكثير من المغتربات التي يعيشون نفس الصراع الداخلي بين القيم المجتمعية التي تربوا عليها و القيم المجتمعية التي يعيشون بداخلها في الغربة .