سيرة الصّحابيّ عثمان بن مظعون (أبو السّائب)
نسبه وسيرته:
هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب الجمحي، ويُلقّب بأبي السّائب. وزوجته خولة بنت حكيم السُلمية.. كان عثمان عظيم اللّحية، لا قصير ولا طويل، وكان بنو مظعون شديدي الشّبه ببعضهم.
وهو من أشراف المهاجرين للحبشة معه ابنه السّائب، وأوائل المسلمين، ويُقال أنّه صاحب التّرتيب الرّابع عشر في الدّخول في الإسلام. وهو أول المهاجرين موتًا في المدينة المنوّرة، وأوّل من دُفِن في البقيع، وقد صلّى عليه النّبي في وفاته.
إسلامه وهجرته:
أسلَم مع عبيدة بن الحارث وأبو عبيدة بن الجرّاح وعبد الرحمن بن عوف حين حضروا النّبي فنبّأهم بأمر الإسلام فأسلموا في نفس المقام، وكان ذلك قبل دخول النّبي دار الأرقم. حرّم عثمان بن مظعون على نفسه الخمر منذ الجاهلية قبل تحريمها وقبل حتّى دخوله الإسلام.
كان عثمان بن مظعون من المسلمين الذين كانوا قد خرجوا للحبشة، وقد بلغهم نبأ كاذب بإسلام أهل مكّة فخرجوا من الحبشة عائدين لمكّة. ولكن مع قربهم علِموا بكذب الخبر، فلم يدخل منهم إلا قليل (قيل 33 فقط) بحصانةٍ أو استخفاء وكان منهم عثمان بن مظعون بجوارٍ من الوليد بن المغيرة. ولكنّه لمّا رأى ما يلقاه إخوانه المسلمون من الأذى والضرر والتّشريد، ردّ على الوليد بن المغيرة جواره.
شهد بدرًا مع النّبي، وآخى بينه وبين أبي الهيثم بن التيهان.
صفاته:
الرهبانيّة والزّهد:
كان عثمان بن مظعون معروفًا بزهده وانقطاعه للعبادة والصّيام والقيام. فكان يصوم النهار ويقوم الليل، منقطعًا عن نعيم الحياة، لا يضع على جسده إلّا الخشن، ولا يأكل إلّا الطّعام الجشب. واتّخذ بيتًا يتعبّد فيه لله، فلمّا بلغ النّبي ذلك أتاه وحمل عضادتيّ باب البيت، وقال: يا عثمان إن الله لم يبعثني بالرهبانيّة، إن الله لم يبعثني بالرّهبانيّة، إنّ الله لم يبعثني بالرّهبانيّة ، وإنّ خيرَ الدّين عند الله الحنيفيّة السمحة.
وقد رقّ له قلب النّبي حين رآه دخل المسجد مرتديًا ثوبًا ممزّقًا فرقّعه بفروة، ودمعت له أعين الصّحابة، وفيه قال النّبي لأصحابه: كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حُلّة، ويروح في أخرى، وتوضع بين يديه قصعة وترفع أخرى، وسَتَرتم بيوتكم كما تستر الكعبة ؟، فقالوا: وَدِدْنا أن ذلك يكون يا رسول الله، فنُصيب الرخاء والعيش. فأجاب النّبي: إن ذلك لكائن، وأنتم اليوم خير منكم يومئـذ .
كان عثمان بن مظعون ممّن حرّم على نفسه الخمر في الجاهليّة، وقال: لا أشرب شرابًا يُذهب عقلي أبدًا ويُضحك بي مَن هو أدنى منّي، ويحملني على أن أنكح كريمتي.
فلما أنزل الله تحريمها، قال: تبًّا لها. قد كان بصري فيها ثاقبًا.
وكان ممّن استأذنوا النّبي في الاختصاء، لكنّ النّبي رفض وأرسى سنّته وقال: أليس لك فيّ أسوة حسنة؟ فأنا آتي النساء، وآكل اللحم وأصوم وأفطر. إن خصاء أمتي الصيام فإنّي ليس من أمّتي من اختصى أو خصى.
وقد دخلت زوجه يومًا على مجلس نساء النّبي، فوجدنها سيئة ومهملة الهيئة، فسألنها عن السّبب فأجابت أنّ عثمان ذو قيامٍ وصيامٍ طويل. فبلغ النّبي الخبر، فأتى عثمان فسأله: أما لك بي أسوة. فأجاب: بأبي وأمّي أنت يا رسول الله. فقال النّبي: أئنك لتصوم النّهار وتقوم الليل؟، فأجاب عثمان: إنّي لأفعل. فأمره النّبي: لا تفعل، إن لعينيك عليك حقًّا وإن لجسدك عليك حقًّا وإن لأهلك عليك حقًّا، فصلّ ونم، وصُم وأفطِر.
وجاءت بعدها زوجه على نساء النّبي كالعروس، فأخبرتهن بأنّه أتاها.
الحياء:
ومن حياء عثمان أنّه جاء النّبي مستحييًا يسأله: إنّي لأكره أن ترى زوجتي عورتي. فأجابه النّبي: إن الله جعلها لك لباسًا، وجعلك لها لباسًا، وأهلي يرون عورتي، وأنا أرى ذلك منهم.
فلمّا أنصرف قال فيه النّبي: إنّ ابن مظعون لحييٌّ ستّير.
وفاته
: توفّي عثمان بن مظعون رضي الله عنه في المدينة المنوّرة في شعبان 3 هجريًّا. قيل أنّ النّبي قبّل عثمان بن مظعون في وفاته، وبكيَ عليه وصلّى عليه صلاة الجنازة. وقال فيه: حمك الله أبا السائب، خرجت من الدنيا وما أصبت منها ولا أصابت منك
ولمّا توفّت ابنته رقيّة، ودّعها بدعاء الخير قائلًا: الحقي بسلفنا الخيِّر، عثمان بن مظعون