بنا أنت من مجفوة لم تعتب – الشاعر البحتري
بنا أنت من مجفوة لم تعتب – الشاعر البحتري
بِنَا أنْتِ مِنْ مَجْفُوّةٍ لمْ تُعَتَّبِ،
وَمَعْذورَةٍ في هَجْرِها لمْ تُؤنَّبِ
وَنَازِحَةٍ، والدّارُ مِنْهَا قَرِيبَةٌ،
وَمَا قُرْبُ ثَاوٍ في التّرابِ مُغَيَّب
قَضَتْ عُقَبُ الأيّامِ فِينَا بِفُرْقَةٍ،
مَتى مَا تُغَالَبْ بالتّجَلّدِ تُغْلَبِ
فإنْ أبكِ لا أشْفِ الغَلِيلَ، وإنْ أدَعْ
أدَعْ حرقَةً، في الصّدْرِ، ذاتَ تَلَهّبِ
ألا لا تُذَكّرْني الحِمَى، إنّ عهدهُ
جَوًى للمشوق المُسْتَهَامِ المُعَذَّبِ
أتَتْ دونَ ذاك العهدِ أيّامُ جُرْهُمٍ،
وَطارَتْ بذاكَ العَيشِ عَنقاءُ مُغرِبِ
ويا لاَئِمِي في عَبرَةٍ قَد سَفَحتُها
لِبَينٍ، وأُخْرَى قَبلَهَا لِتَجَنُّبِ
تُحَاوِلُ منّي شِيمَةً غَيرَ شيمَتي،
وَتَطْلُبُ عِندي مَذْهَباً غيرَ مَذهبي
وَمَا كَبِدي بالمُستَطيعَةِ لِلأسَى،
فأسْلُو، وَلا قلبي كَثيرَ التّقَلّبِ
وَلَمّا تَزَايَلْنَا مِنَ الجِزْعِ، وانتَأى
مُشَرّقُ رَكْبٍ مُصْعِداً عَن مُغَرِّبِ
تَبَيّنْتُ، أن لا دَارَ مَنْ بَعْدَ عَالِجٍ
تَسُرُّ، وأن لاّ خُلّةً بَعْدَ زَيْنَبِ
لعلّ وَجيفَ العيس في غَلَسِ الدّجَى،
وَطَيَّ المَطايا سَبسَباً بعدَ سَبْسَبِ
يُبَلّغُني الفَتْحَ بنَ خَاقَانَ، إنّهُ
نِهَايَةُ آمَالِي، وَغَايَةُ مَطْلَبي
فَتًى لا يَرَى أُكْرُومَةً لِمُزَنَّدٍ،
إذا مَا بَدىْ أُكْرُومَةٌ لَمْ يُعَقِّبِ
وَمُسْتَشرَفٍ بَينَ السَّماطَينِ مُشرِفٍ
عَلى أعيُنِ الرّائِينَ يَعْلُو، فَيَرْتَبي
يَغضُّونَ فَضْلَ اللّحظِ مِن حَيثُ ما بدا
لهمْ عَنْ مَهيبٍ، في الصّدورِ، مَحبَّبِ
إذا عَرّضُوا في جَدّهِ نَفَرَتْ بهِمْ
بَسَالَةُ مَشْبُوحِ الذّرَاعَينِ، أغلَبِ
غَدا، وَهوَ طَوْدٌ للخِلاَفَةِ مَاثِلٌ،
وَحِدُّ حُسَامٍ، للخَليفَةِ مِقْضَبِ
نَفى البَغيَ واستَدعى السّلامةَ وانتَهَى
إلى شَرَفِ الفِعْلِ الكَرِيمِ المُهَذَّبِ
إذا انسابَ في تَدبيرِ أمْرٍ تَرَادَفَتْ
لَهُ فِكَرٌ، يَنجَحنَ في كلّ مَطلَبِ
خَفيُّ مَدَبِّ الكَيْدِ، تَثْني أناتُهُ
تَسَرُّعَ جهل الطائش المُتَوَثِّبِ
وَيُبدي الرّضَا في حالةِ السّخطِ للعِدَى،
وَقُورٌ، متى يَقدَحْ بزَنْدَيْهِ يَثْقُبِ
فَماذا يَغُرُّ الخَائِنِينَ، وَقَدْ رَأوا
ضَرَائِبَ ذاكَ المَشرَفيّ المُجَرَّبِ
غَرَائِبُ أخلاقٍ، هيَ الرّوضُ جادَهُ
مُلِثُّ العَزَالي، ذو رَبابٍ وَهَيْدَبِ
فكَمْ عَجّبَتْ مِنْ نَاظِرٍ مُتَأمِّلٍ،
وَكَمْ حَيّرَتْ مِنْ سامعٍ مُتَعَجِّبِ
وَقَدْ زَادَهَا إفْرَاطَ حُسْنٍ جِوَارُهَا
لأخَلاِقَ أصْفَارٍ مِنَ المَجْدِ، خُيَّبِ
وَحُسنُ دَرَارِيّ الكَوَاكِبِ أنْ تُرَى
طَوَالِعَ في دَاجٍ مِنَ اللَّيلِ، غَيهَبِ
أرَى شَملَكُمْ يا أهلَ حِمصٍ مُجَمَّعاً
بعُقبِ افترَاقٍ منكُمُ، وَتَشَعّبِ
وَكُنْتُمْ شَعَاعاً من طَرِيدٍ مُشَرَّدٍ،
وَثَاوٍ رَدٍ، أوْ خَائِفٍ مُتَرَقِّبِ
وَمِنْ نَفَرٍ فَوْقَ الجُذُوعِ، كأنّهمْ
إذا الشمسُ لاحَتهُمْ حَرَابيُّ تَنضُبِ
تَلاَفاكُمُ الفَتحُ بنُ خاقانَ، بَعدَما
تَدَهدَهتُمُ مِنْ حَالِقٍ مُتَصَوِّبِ
بعارِفَةٍ أهْدَتْ أمَانَاً لخَائِفٍ
وَغَوْثاً لمَلْهُوفٍ، وَعَفْواً لمُذنِبِ
عَنَتْ طَيّئاً جَمعَا، وَثنّتْ بمذحِجٍ،
خصوصاً، وَعمّتْ في الكِلاعِ وَيَحصُبِ
رَدَدتَ الرّدى عن أهلِ حِمصَ وَقَد بَدا
لهمْ جانبُ اليَوْمِ العَبوسِ العَصَبصَبِ
وَلَوْ لَمْ تُدَافِعْ دُونَهَا لَتَفَرّقَتْ
أيادي سَبَا عَنها سَبَأء ابنِ يَشجُبِ
رَفَدْتَهُمُ عندَ السّريرِ، وقد هوى
بهم ما هوى من سُخطِ أسوَانَ مُغضَبِ
وكانَتْ يَداً بَيْضَاءَ، مثلَ اليَدِ التي
نَعَشتَ بها عَمرَو بنَ غُنمِ بنِ تَغلبِ
فَلَمْ تَرَ عَيْني نِعْمَتَينِ اسْتَحَقّتا
ثَنَاءَ هُمَا في ابْنَيْ مَعَدٍّ، وَيَعربِ
إنِ العَرَبُ انقادَتْ إلَيْكَ قُلُوبُهَا،
فقَدْ جِئتَ إحْساناً إلى كلّ مُعرِبِ
وَلمْ تَتَعَمّدْ حاضِراً دونَ غَائِبِ،
وَلمْ تَتَجانَفْ عن بَعيدٍ لأقْرَبِ
شكَرْتُكَ عَنْ قَوْمي وَقَوْمِكَ إنّني
لسانُهُما في كلّ شَرْقٍ وَمَغرِبِ
وَمَا أنَا إلاّ عَبْدُ نِعْمَتِكَ الّتي
نُسِبْتُ إلَيها، دونَ رَهطي وَمَنْصِبي
وَمَوْلَى أيَادٍ مِنْكَ بِيضٍ، متى أقُلْ
بآلائِهَا في مَشْهَدٍ لا أُكَذَّبِ
وآلَيْتُ لا أنْسَى بُلُوغي بكَ العُلا
على كُرْهِ شَتّى مِن شُهُودٍ وَغُيَّبِ
وَدَفعي بكَ الأعداءَ عنّي، وَإنّمَا
دَفَعتُ برُكنٍ من شَرَوْرَى وَمَنكِبِ