مراحل تطور التدوين التاريخي
يقصد بالتدوين التاريخي هي القصة التاريخية التي تبرز أهميتها عند العرب وتستند علي مصادر واقعيه يتم تدوينها ، ويمكن القول بأن التدوين التاريخي .
قد مر بثلاث مراحل مترابطة ومتشابكة إلى حد كبير مأخوزه من علم الحديث أو غيرها من علوم العرب ، بينما يرجع الفضل في الحصول علي المادة التاريخية إلي عصرين : العصر الجاهلي ، والعصر الإسلامي ، حيث تتكون القصص التاريخية في الجاهلية من نوعين : الأول عبارة عن “قصص دينيه” وثنيه أو يهوديه أو مسيحيه ، ينقلها الرهبان .
أما النوع الثاني فهي روايات جماعية بدوية تروي من خلال النزاع القبلي ، وهي تعرف باسم «أيام العرب» ، ولا شك أن أخبار أيام العرب قديمة جداً ، ويؤكد أقدمية محاكاتها لأقدم الأقسام التاريخية في التوراة ، ومن هنا فقد انتشرت باعتبارها قصصاً مستقلة قبل أن تدخل في القصة التاريخية . وتبرز أهمية أخبار الأيام عند العرب في النثرا والشعر ؛ وهذا الأدب كان يعبر عن قصص لا تستند ولا تشير إلى مصادر مدونة ، ورغم ذلك فالأيام موجودة في عصور ما قبل الإسلام .
وفي الواقع أن قصص الأيام ترجع في أصلها إلى الأدب أكثر مما ترجع إلى التاريخ ؛ فقد كانت تروى بالدرجة الأولى للسامعين ، وهذا لا ينفي احتواءها على عناصر تاريخية من حيث تسجيلها لأحداث كبرى تتصل بنواحى معينة ، ولكن هذه الأحداث ينقصها الاستمراريه ، ودراسة الأسباب والنتائج التاريخية ، إضافة إلى أنها لم تضع الزمن في الاعتبار .
أما «الأنساب» فهي شكلاً من أشكال التعبير التاريخي التي تدعو لها الحاجة الاجتماعية القبلية للتعارف والتمايز ، رغم دلالاتها على وجود الشعور والحس التاريخي عند العرب ، فإن العناية بشجيرات النسب في عصور ما قبل الإسلام ، لم تأخذ في الاعتبار النواحي التاريخية ، ولم تهتم كذلك بعملية التدوين ، لأن المهتمين بالأنساب كانوا يحفظون معلوماتهم عن ظهراً قلب ، ولأن العرب قبل الإسلام لم يشعروا بأي ضعف في تقاليدهم النسبية ، وفي هذا الحال كان دور هذا العلم ضئيلاً في تشكيل الصورة الأدبية لعلم التاريخ الإسلامي .
وهكذا ، فقد شكلت أيام العرب والأنساب مصدرين أساسيين للمادة التاريخية لدى العرب قبل الإسلام ، وبذلك أعطت قصص الأيامي والأنسابي للثقافة الإسلامية مادة قصصية تدل علي العظمة الدينية من جهة ، ومن جهة أخرى مادة سياسية ــ واجتماعية ، ولغوية ــ وأدبية من خلال ما حمل من شعر ونثر ، وذلك للحفاظ على صورة القبيلة .
التاريخ العربي بعد الإسلام
من عوامل ظهور التاريخ في الإسلام ، هو تقدم الشعوب باكتشاف شعورها التاريخي ، فهو الذي يضعها ويجعلها تحدد دورها في مسار التاريخ ؛ فبدأ الوعي التاريخي عند المسلمين مع نزول الوحي ، لأن الوحي وحده كان مصدر المعرفة الجديدة التي أخذها المسلمون كمعطى مسبق ودون تساؤل أو نقاش ، ومنها نشأت العلوم العربية بجوهرها الإسلامي ، وتجدرت بعد أن أصبح القرآن مكتوباً في مصاحف ، وبدأ جمع أحاديث الرسول “صلي الله عليه وسلم ” في كتب الصحاح ؛ وبالتالي وضعت الأمة في التاريخ ، وبدأت الحضارة الإسلامية في التكون . ولقد كان للمعرفة التاريخية التي استجابت للمعطيات الجديدة دوراً هام في جعل فكرة التاريخ محور النشاط والتطورات في حياة المجتمع العربي الإسلامي ؛ وهذه المعطيات تركت أثراً كبيراً لتبلور فكرة التاريخ التي يمكن رصدها على مستويين :
أولاً : المستوى الفكري المتصل بالعقيدة الإسلامية ذاتها :
فالإسلام دين تاريخي يحمل في ذاته فكرة تاريخية عميقة ، ولقد أعطت العقيدة الإسلامية تصوراً واضحاً للكون منذ الخلق إلى يوم البعث ، وربطت بينهما بحلقات الأنبياء والرسل ، ولقد كان ظهور فكرة الاهتمام بالتاريخ العربي والإسلامي منذ الإسلام هو تلبية للحاجات والمشاعر الدينية ، ولقد كان من بين المؤرخين الأوائل القضاة والفقهاء والمحدثون ، وقد تعرض محمد عبدالغني حسن لهذه الناحية ، فقال :
“كان الغرض الأول من تدوين العلوم في الإسلام هو حفظ الشريعة “، ومن هنا جاء الاشتغال بعلم المغازي والسيره النبويه ، وقد جمع كثير من الفقهاء المسلمين بين الفقه والتاريخ كالطبري مثلاً ، الذي جمع بين المفسر والمؤرخ ، وشكل ظهور الرسول “صلي الله عليه وسلم ” خطاً في مسيرة التاريخ فهو خاتم الأنبياء ، وبرزخ بين عالمين ؛ عهد جديد نهائي للإنسانية ، ولقد إدرك عمر بن الخطاب “رضي الله عنه “هذه الحقيقة الإسلامية الكبرى وهي التي دفعته إلى اختيار الهجرة النبوية بدءاً للتاريخ ، وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن القرآن الكريم قدم مادة تاريخية مهمة ، وكأن الغرض منها هو الموعظة والاقتضاء ، إلا أن الرغبة في معرفة تفاصيل ما أجمله القرآن الكريم من هذه القصص فتحت باباً من أبواب المعرفة الدينية ، ويعتبر التاريخ واحداً منها .
ثانياً : الحاجات الفكرية والروحية والثقافية :
لقد شعر المسلمون ومنذ الوهلة الأولى ، بأن الإسلام كعقيدة تستحق التسجيل والتدوين لفهمه وإعطائه شأنه الإنساني ، وتجارب الأمة الإسلامية جديرة بأن تدون وتعرف تطور أحداثها وأمورها ، وتقارن مع تجارب الأمم الأخرى ، ولقد رسمت العقيدة الإسلامية لنفسها مساراً جديداً دخلت بها إلى طور مختلف ، من خلال ظهور دولة إسلامية على المسرح السياسي للعالم ، وتمكنت خلال فترة وجيزة من السيطرة على مساحات جغرافية واسعة تضم أعداداً كبيرة من البشر ، هذه الدولة تمكنت بحضارتها من إلغاء الدور الفعال للدول الكبرى التي سبقتها ، وهذا الحدث في حد ذاته كافي بأن يدفع إلى التحليل والتعليل والوصف وتقصي الأخبار لتقييمها ووضعها في موضعها من مسيرة الجنس البشري .
وفي هذا الإطار لعب الإخباريون دوراً رئيسياً في رواية هذه النقلة الفكرية والسياسية وتسجيل أحداثها ، ومنها كتب الأخبار الأولى وكتب التاريخ التي تلتها وغيرها التي تعبر عن هذه الحاجة التاريخية .
ثالثا : الحاجات العملية الحياتية :
لم يكن تاريخ الإسلام ولا الحاجات الفكرية والروحية كافية لظهور علم التاريخ بتلك السعة التي ظهر بها ، لولا وجود حاجات أخرى من نوع عملي وبعض هذه الحاجات ديني تشريعي يتعلق بتفسير القرآن الكريم وأحاديث الرسول “صلي الله عليه وسلم ” ، كما تجسدت في العمل السياسي والاقتصادي الذي يتصل بإدارة الدولة وبنظامها المالي والقضائي ، كما يتصل بعناصر الدولة وتياراتها السياسية ، ومن تلك الحاجات مثلاً إلقاء الضوء على أسباب نزول القرآن وتفسيره ، لمعرفة حدوده وأحكامه من خلال تاريخه ، والحاجة إلى معرفة سيرة الرسول”صلي الله عليه وسلم ” ، ومعرفة مشكلة الإمامة والخلافة والحاجة إلى إثبات وتسجيل المعارك الكبرى ” بدر ، وأحد ، واليرموك ، والقادسية ” ، والحاجة أيضاً إلى معرفة ظهور الفرق والمذاهب ، وتحديد العلاقات السياسية والاجتماعية والمالية مع غير المسلمين في الدولة على أساس معاهدات الفتح ونصوص الشرع الإسلامي .
رابعاً : العوامل المساعدة :
وهي عوامل أسهمت بدورها في ترسيخ التدوين التاريخي وبلورته ، ويمكننا تلخيصها فيما يلي :
أ- وضع التقويم الهجري : والذي أصبح نقطة الارتكاز بالنسبة إلى الروايات والأبحاث التاريخية ، وباعتباره العامل الأهم في تنظيم تاريخ الإسلام .
ب ــ الاهتمام بالأنساب : التي ما لبثت أن عادت بعد أن وجدت حوافز جديدة لظهورها عند تدوين الدواوين ، ومشكلة العطاء ، خاصة وأن تنظيم الدواوين والعطاء وسكن القبائل وفرق الجيش تم على أساس قبلي .
ج- العلوم العربية : فهي تسهم في عملية نشأة التاريخ وتدوينه : وذلك من خلال دراسة الشعر العربي والأدب واللغة ، مما أدى إلى التعرف على الكثير من الأخبار ، التي أسهمت في تكون المادة التاريخية .
د- الحركة الشعوبية : إن تميز العرب عرقياً وسياسياً وعسكرياً كان يمنحهم امتيازات ومصالح ومنافع مادية ، وهذه الحالات أدت إلى نشوء حركة ذات صدى فكري وقومي ، حيث تروى جذورها من عوامل مادية واقتصادية ، وهذه العوامل دفعت أصحابها أحياناً إلى تشويه الهالة التي وضعها الدين والحكم الإسلامي .
ه ــ ظهور الورق : فإن صناعة الورق ساهمت بشكل فعال في عملية النقل والتدوين الفكري من الذاكرة إلى الشكل المكتوب .
ب – بدء تدوين التاريخ عند العرب : نشأ علم التاريخ العربي للحفاظ على تراثين : تراث النبي”صلي الله عليه وسلم ” “غزواته ، أفعاله ، أقواله” ، وماضي القبائل العربية السابق للإسلام ” حروبها وما سمي بـالأيام بوجه عام ، وكذلك الأنساب ” ، ويضاف إلى هذا التراث الأخير البحث في التراث الشعري واللغوي لهذه القبائل .
إن الميول التاريخية التي أوجدها المجتمع الإسلامي ، كانت تتأثر بدرجات متفاوتة بالعوامل التي ساعدت على عملية التدوين التاريخي ، كما كانت تتأثر بحاجات المجتمع الإسلامي الدينية والدنيوية وتبعاً لذلك بدأ الاهتمام بدراسة «غزوات الرسول “صلي الله عليه وسلم ” في المدينة ، كما بدأ الاهتمام أيضاً بدراسة حياة الرسول “صلي الله عليه وسلم ” بمختلف جوانبها ، وقد اعتبروا المهتمون بهذه الدراسات في عداد المحدثين .
ومن هنا رأينا في القرن الأول الهجري ظهور بعض الرواة الإخباريين مثل : وهب بن منبه ” الذي توفى عام 114هـ ” ، وهو قصصي إخباري وليس من المحدثين ، ولكنه اعتنى بالإسرائيليات وأساطير العهود القديمة ، وأدخلها إلى المرويات الإسلامية من الرجال أمثال كعب الأحبارى ، وعبدالله بن سلام .
وهكذا فقد كانت الكتابة التاريخية بالنسبة إلى الحضارة العربية الإسلامية ، وفي بداياتها الأولى ، جزءاً من أدب السيرة النبويه والغزوات والفتوحات ، كما كانت جزءاً من علوم الحديث والفقه والتفسير ، وكل هذه العلوم انبثقت من الإسلام من أجل فهم الدين ونشره وتطبيق تعاليمه .
وتضاف إلى هذه العوامل العمل السياسي التاريخي من أحداث الماضي ، ولا سيما الأحداث المتعلقة بسياسات الملوك السابقين وحروبهم ومعاركهم .
وخلاصة القول إن المعرفة التاريخية احتلت مكاناً مرموقاً في الثقافة العربية الإسلامية ، سواء لدى السياسي أو الأديب أو الفقيه أو الفيلسوف أو الإنسان العامي ، ومن هنا كان انتشار كتب التاريخ في المكتبات العامة التي ازدهرت في حقب عديدة من التاريخ الإسلامي ، وانتشارها جعل الثقافة التاريخية ثقافة شعبية بالمعنى الذي تحدث عنه ابن خلدون حين قال : ” إن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال ، وتشد إليه الركاب والرحال ، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال ، وتتنافس فيه الملوك والأقيال ، ويتساوى في فهمه العلماء والجهال” .
وبذلك نعود لتوضيح مراحل التدوين التاريخي التي سبق ذكرها ، والتي مرت بثلاث مراحل توازي إلى حد كبير ما مر به علم الحديث أو غيره من علوم العرب ، ولكنها مراحل ليست منفصلة بقدر ما هي مراحل مترابطة ومتشابكة :
* المرحلة الأولى :
وتسمى بمرحلة التدوين الأولى ، ويتسم التدوين فيها بالطابع الشخصي بالنسبة إلى الهدف من استخدام التدوين ، وبطابع العفوية والفضول العلمي والمنفعة الدينية والاجتماعية ولقد بدأت عملية التدوين نقلاً عن الشفاه ، وعن غيرها من السجلات التي في الكتب والوثائق .
وقد رافقت هذه المرحلة وجود جمهور واسع من رواة التاريخ والأخبار والأنساب يحدثون بما يعرفونه مثل يزيد بن عقيل بن أبي طالب الأخ الأكبر لعلي ” كرم الله وجهه “، الذي كان يروي في مسجد المدينة عن أيام العرب ومعاركها ومثالب قريش ، وعمر بن خولة الراوية الفصيح ، ومكي بن سودة وغيرهم ، وقد كون هؤلاء ما يمكن أن نسميه بجمهور التاريخ ، والذي كان يشكل الإطار العام لاهتمامات الناس التاريخية .
ولقد امتدت هذه المرحلة حتى مطلع القرن الثاني الهجري ، وكانت الخطوات الأولى تجري للانتقال بالتاريخ من حالة المعرفة الشفوية إلى المعرفة الكتابية ؛ وكان اهتمام التدوين في هذه المرحلة أيضاً متوجهاً بصورة خاصة إلى مواضيع محددة من السيرة النبوية ، وفي هذه المرحلة ظهر عبدالله بن عباس ، وعروة بن الزبير ، وشرحبيل بن سعد ، وابن شهاب الزهري ، وخلال هذه المرحلة أيضاً ظهر الاهتمام بالمعارف التاريخية بوضوح لدى الخلفاء الأمويين منذ عهد معاوية وطلبوا تسجيل ذلك لهم من أفواه الناس .
* المرحلة الثانية :
امتدت خلال القرن الثاني كله تقريباً ، حيث اهتم الإخباريون خلالها بأخبار الأحداث المختلفة ذات المواضيع المتنوعة وكلها من الأفواه والرواة ، بجانب الاهتمام بالسيرة النبوية .
ولكن الاهتمام بالأخبار التاريخية الأخرى صار أكثر وضوحاً بل واكب وزاحم الكثير من الاهتمام بالسيرة نفسها ، وذلك بسبب أن السيرة كانت قد استكملت المعارف عنها واستنفدت كافة المصادر والمعلومات المتعلقة بها ، بينما وجد الإخباريون ميادين أخرى لفعالياتهم الفكرية والثقافية ومواضيع أخرى تهم الناس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، وهكذا فقد اندفع رجال هذه الفترة من الإخباريين في تأليف العشرات من الكتب بل المئات ، واستقصت في مجموعها علي ما يهم المؤرخ معرفته من المعلومات عن مختلف مواضيع التاريخ الإسلامي خاصة تاريخ العرب الجاهلي وبعض تواريخ الأمم ، ومن بين هؤلاء الرجال أبو محنف ، والواقد ، وغيرهم .
* المرحلة الثالثة :
وهي مرحلة تدوين التاريخ على أساس التسلسل الزمني ، وجمع المواضيع المتعاقبة على التوالي في كتاب واحد ، وهي تستند في فلسفتها العميقة إلى فكرتين أساسيتين :
أولاهما : وحدة التاريخ الإسلامي وأهمية تجارب الأمة الإسلامية .
وثانيهما : وحدة تاريخ البشرية من خلال سلسلة الأنبياء ، ولقد استمرت هذه المرحلة حتى نهاية القرن الثالث ، حيث استقرت وتوطد بها علم التاريخ الإسلامي ومناهجه في التدوين .
ونجد بداية ذلك لدى ابن إسحاق صاحب السيرة في أواسط القرن الثاني ، وإسحاق بن إبراهيم ، صاحب كتاب ” السير في الأخبار والحوادث ” ، وفي خطوة أخرى نجد جميع السير والأخبار في كتاب واحد ، كما تم وضع أول كتاب في التاريخ على أساس الطبقات لتراجم الرجال .
والجدير بالذكر هو أن صناعة الورق هي الأخرى قد أتاحت للحركة الثقافية الإسلامية الأداة الثورية في الفكر ، مما ساعد على التوسع في التدوين التاريخي ، كما ساعد الورق على جمع المؤلفات التاريخية الصغيرة ذات الموضوع الواحد في مجموعات تاريخية واسعة تضم مختلف المواضيع في نسق زمني متصل .
وهنا يجب أن نذكركم بمادة التدوين التاريخي : التي أستوحي منها الإخباريون مؤلفاتهم ودوّنوها ونوجزها في النقاط التالية :
* السير والغزوات .
* أحداث التاريخ الإسلامي منذ وفاة الرسول”صلي الله عليه وسلم ” حتى عهود من قاموا بالتدوين
التاريخي .
* أخبار الجاهلية وخاصة أيام العرب والأنساب والمرويات الأدبية .
* أخبار العرب قبل الإسلام ، وخاصة في اليمن والحيرة .
* تاريخ الأنبياء والأديان .
* تاريخ الفرس والروم وملوكهم وأخبارهم ونظمهم .
* تاريخ الروم والأمم الأخرى .
* المدارس التاريخية :
أ ــ مدرسة المدينة : لقد استأثر الاهتمام الإسلامي بهذه المدرسة ، ولعل السبب هو أن المدينة كانت عاصمة للرسول”صلي الله عليه وسلم ” ، والخلفاء من بعده ومركز تجمع الصحابة والبلد الأساسي للدين الإسلامي ، ولعل ملامح النشأة التاريخية تبدو واضحة في هذه المدرسة وأولى طبقاتها ؛ أبان بن عثمان ، وعروة بن الزبير ، وشرحبيل بن سعد ، ووهب بن منبه ، وهؤلاء الأربعة شكلوا دعامة أولى في كتابة المغازي .
ويمثل أبان بن عثمان بن عفان مرحلة انتقال بين دراسة الحديث ودراسة المغازي ، كما نقل ابن هشام وابن سعد ما جمعه عروة بن الزبير من أحاديث ، وأخذ ابن إسحاق والواقدي ثم الطبري من أخباره التي ضمت المغازي وأخبار الردة في روايات قصيرة موجزة ، ولشرحبيل بن سعد أخبار عن أسماء بنت أبي بكر “رضي الله عنه ” ومن هاجر إلى المدينة ومن اشترك في غزوة أحد .
ويتبع هؤلاء طبقة ثانية يمثلها عبدالله بن أبي بكر بن حزم ، وعاصم بن عمرو بن قتادة ، ومحمد بن شهاب الزهري ، الذي أعد أول تسجيل لبدء حياة الرسول”صلي الله عليه وسلم ” ، وأخباره معتمده على روايات عروة ، كما أن كتاباته تطرقت لموضوعات تتصل بظهور الأحزاب السياسية والجدل بينها حول الفتنة والخلافة .
وتختتم مدرسة المدينة بطبقة ثالثة فيها موسى بن عقبة ومعمر بن راشد ومحمد بن إسحاق ؛ وهؤلاء تلاميذ للزهري ، وعند إسحاق والواقدي ، ومن بعدهما بدأت مرحلة جديدة متميزة في التدوين التاريخي العربي .
وإذا كان القرآن الكريم هو المصدر الأول لدراسة التاريخ يليه الحديث ، وكانت بدايات التأليف وثيقة الصلة بهذين المصدرين ، فإن الحركة التاريخية التي نشأت في المدينة اعتمدت على الرواية الشفوية كرواة الحديث ، والخبر التاريخي عمدته بالسماع من الموثوق بهم من الحفاظ ، وهذه هي طريقة الإسناد ، وكل جيل ينهل من الذي قبله .
ب – مدرسة العراق التاريخية والإخباريون الأوائل : وقد تلت المدرسة الأولى في المدينة ، وعرف الإخباريون الأوائل في الكوفة والبصرة كأبي مخنف لوط بن يحيى ، وهو إخباري من أهل الكوفة وله تأليف عن مقتل الحسين ، وأخذ الثأر ، وتأليف في الردة والفتوح والجمل وصفين ، وعوانة بن الحكم وهو إخباري كوفي كان على دراية بأخبار الفتوح مع علمه بالشعر والأنساب .
ومن إخباريي الكوفة أيضاً محمد بن السائب الكلبي ، والذي اختص بدراسة الأنساب ، وسيف بن عمر ، وهو عراقي أخذ رواياته من شيوخ الكوفة ، كما أستفاد من روايات المدينة ، وله كتاب عن الردة والفتوح .
ويأتي بعد الإخباريين الأوائل المؤرخون ، منهم الطبري الذي اهتم بالإسناد ، ثم تحررت الكتابة التاريخية من هذه الطريقة إلى الكتابة المرسلة ، وظهر هذا واضحاً عند اليعقوبي ، والمسعودي اللذين اكتفيا بالإشارة إلى المصادر مع دراسة نقدية في بعض الأحيان ، كما فعل المسعودي في “مروج الذهب” .
-4 ظهور كبار المؤرخين :
مع نهاية القرن الثالث الهجري ، عرف التاريخ اسمه الحقيقي شكلاً ومضموناً ، ورسمت معالمه التي لم تتغير فيما بعد إلا في شكلها الخارجي ، وهذه المعالم ترسخت على أيدي مؤرخين كبار ، سنحاول فيما يلي إلقاء نظرة على أبرزهم .
أ – ابن قتيبة الدينوري : هو أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الكوفي ، وعرف بالدينوري نسبة إلى دينوري الذي كان قاضياً فيها ، وكان عالماً باللغة والنحو والقرآن ومعانيه ، وتصل قائمة مؤلفاته إلى 46 مؤلفاً ، أبرزها هو : كتاب «عيون الأخبار» وكتاب «المعارف» الذي يجمع فيه بين فكرة التاريخ العلمي ، وفكرة الوحدة الثقافية في تاريخ العرب .
وقد تميز ابن قتيبة بحس نقدي ، جعله لا يقتصر على نقد المصادر فقط ، بل يتعدى ذلك إلى المعلومات الواردة .
ب ــ البلاذري : هو أبو جعفر بن يحيى بن جابر البلاذري ، وهو من رجال البلاط العباسي منذ عهد المتوكل حتى المعتز . وكان أحد النقلة من اللسان الفارسي إلى العربية ، وله عدة مؤلفات غير أن أشهرها هو كتاب «فتوح البلدان» وكتاب «أنساب الأشراف» ، وقد تميز البلاذري بكونه كان يورد للخبر الواحد أكثر من رواية واحدة ، وعندما يصل إلى جمع مادته يعمل على تصنيفها وتنسيقها .
ج – أبو حنيفة الدينوري : هو أحمد بن داود ، فارسي الأصل أخذ علمه عن البصرة والكوفة ، وكان نحوياً ولغوياً وراوياتة ثقة فيما يرويه ويحكيه ، ومن أهم كتبه كتاب «الأخبار الطوال» الذي سرد فيه فترات من تاريخ العالم .
د – اليعقوبي : هو أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن واضح الإخباري العباسي ، وهو مؤرخ وجغرافي كثير الأسفار من أهل بغداد له كتب متعددة منها «تاريخ اليعقوبي» وكتاب «البلدان». وقد تناول إلى جانب ذلك تاريخ الأنبياء والفرس والجاهلية ، وتواريخ الأمم الأخرى القديمة من الآشورية والبابلية.. ولقد اهتم بهذه التواريخ بالجانب الحضاري أكثر من اهتمامه بالجانب السياسي .
هـ – الطبري : هو محمد بن جرير بن يزيد ، وعلمه معروف في التاريخ الإسلامي وفي التفسير ، وبلغ به التدوين التاريخي نهاية عمر التكوين والنشأة ، ولد بمدينة آمل بطبرستان ، وقد بدت عليه علامات الذكاء منذ صغره ؛ إذ حفظ القرآن وهو ابن سبع سنوات ، كما ألمّ بعلوم القرآن والنحو والشعر واللغة والفقه ، وله عدة مؤلفات ، اشهرها كتاب «التفسير» وكتاب «التاريخ الكبير» المسمى بـ«تاريخ الرسل والملوك وأخبارهم» .