مع الدهر ظلم ليس يقلع راتبه – الشاعر البحتري

معَ الدّهرِ ظُلمٌ ليسَ يُقلِعُ رَاتِبُهْ،

 

وَحُكمٌ أبتْ إلاّ اعوِجاجاً جَوانِبُهْ

 

أبِيتُ، وَلَيلي في نَصِيبِينَ سَاهِرٌ،

 

لهمٍّ عَنَاني، في نَصِيبِينَ، ناصِبُهْ

 

وَإنّ اغْتِرَابَ المَرْءِ في غَيرِ بُغيَةٍ

 

يُطالِبُها مِنْ حَيفِ دهرٍ يُطالِبُهْ

 

فَلَيسَ بِمَعْذورٍ، إذا رُدّ سِرْبُهُ

 

إَلَيْهِ، بأنْ تَعْيَا عَلَيْهِ مَذاهبُهْ

 

وَيُعطيهِ مَرْجُوُّ العَواقبِ، مُسرعاً

 

إليهِ، رُكوبَ الأمرِ تُخشَى عَوَاقِبُهْ

 

وَما خِلْتُني، وَالحادِثاتُ منَ الحَصَى،

 

أُخَيَّبُ من مالي، وَيغنم نَاهِبُهْ

 

فَلَوْ أنّهُ قِرْنٌ تَرَادَى صِفَاتُهُ،

 

لأحرَزْتُ حَظّي، أوْ كَفِيٌّ أُغالبُهْ

 

أُرَجّى، وَما نَفْعُ الرّجاءِ، إذا التَقَتْ

 

مَناحِسُ أمْرٍ مُجحِفٍ، وَمَعاطِبُهْ

 

وَمِمّا يُعَنّي النّفْسَ كُلَّ عَنَائِها

 

تَوَقّعُها الصّنْعَ البَطيءَ تَقَاربُهْ

 

إذا لاقَتِ الضّرّاءَ طَالَ عَذابُها،

 

لمُنتْظِرِ السّرّاءِ مما تَرَاقُبُهْ

 

وَما مَلِكٌ يُخشَى على كسبِ شَاعِرٍ،

 

بمُرْضِيَةٍ، عندَ المُلوكِ، مَكَاسِبُهْ

 

لَعَلّ وَليّ العَهْدِ يَأخُذُ قَادراً

 

بحَقّ مُعَنّى، مُكْدِياتٍ مَطالبُهْ

 

فإنّ الذي بَينَ المَدائِنِ، قَاطِعاً

 

إلى الصّينِ عَرْضاً، سَيْبُهُ وَمَواهِبُهْ

 

فَلا أرْضَ، إلاّ ما أفاءَتْ رِمَاحُهُ،

 

وَلا غُنْمَ إلاّ ما أفادَتْ مَقانِبُهْ

 

وَما كانَ يَدرِي صَاحبُ الزَّنْجِ أنّهُ،

 

إذا أبطَرَتْهُ غَفَلَةُ العَيشِ، صَاحبُهْ

 

أقَامَ يُجَاثِيهِ إلى الله، حِقبَةً،

 

وَكُلُّ تُوافى للّقَاءِ حَلائِبُهْ

 

وَكانَ صَرِيعَ الحينِ جِبْسَ مُلَعَّنٍ،

 

متى شاءَ يَوْماً قالَ ما شَاءِ عَائِبُهْ

 

تَباعَدَ من شكلِ الأنيسِ بقَسوَةٍ،

 

مُوَهِّمَةٍ أنّ السّبَاعَ تُنَاسِبُهْ

 

وَما كادَتِ الأيّامُ عَمْراً يريثه،

 

وَلا الدّهرُ يُبلي ما أجَدّتْ عَجائبُهْ

 

وَلمْ أرَ كالمَلعُونِ أثرَى ذَخيرَةً،

 

وعأبْقَى دَماً، والحادِثاتُ تُجَاذبُهْ

 

إذا قُلتُ: بِيضُ المَشرَفيّةِ أهْمَدَتْ

 

حْشَاشَتَهُ، كَرّتْ تَثُوبُ ثَوَائِبُهْ

 

يَبُثُّ المَنَايا، وَالمَنَايا يَحزُنَهُ،

 

وَيكربُ منهُ الحَتفُ، وَالحتفُ كارِبُهْ

 

إذا ازْدادَ شَغْباً، كانَ وَالي قِرَاعِهِ

 

مَلِيّاً لهُ بالفَضْلِ، حِينَ يُشاغِبُهْ

 

كمَا اللّيلُ إنْ تَزْدَدْ لعَيْنِكَ ظُلمةً

 

حَنادِسُهُ، تَزْدَدْ ضِياءً كَوَاكِبُهْ

 

يَلُوذُ بهَورِ البَحرِ، فالفَوْزُ عِندَهُ،

 

منَ الدّهرِ، يَوْمٌ تَستَقِلُّ جَنائبُهْ

 

إذا انحازَ يَنوِي البُعْدَ حُثّتْ، وَرَاءَهُ،

 

عِتاقُ الشّذا بالمُرْهَفاتِ تُصَاقِبُهْ

 

إذا ما تَلاقَوْا حَضرَةَ الموْتِ لمْ تَرِمْ

 

كَتائِبُنا، حتّى تَطيحَ كَتَائِبُهْ

 

ترَى وَاشجَ الخُرْصَانِ يَهتِكُ بَينَهمْ

 

نُحُورَ الأسُودِ، أوْ تُرَوّى ثَعَالِبُهْ

 

فإنْ لمْ تَشِفّ العَينُ للعَينِ أكْثَبَتْ

 

مَسَامِعَ مَدْعُوٍّ لداعٍ يُجاوِبُهْ

 

تَنَزّى قُلُوبُ السّامِعِينَ، تَطَلّعاً

 

إلى خبَرٍ مُسْتَوْقَفَاتٍ رَكائِبُهْ

 

يُغالِبُ طَعْمَ الماءِ في مُلْتَقَاهُمُ،

 

حَسَى الدّمِ، حتّى يَلفِظَ الماءَ شارِبُهْ

 

كأن الردى يسقى المضلل صرفه

 

من السيف دين أرهق الوقت واجبه

 

إذا أتبع الرمح المركب رأسه

 

عليه بلعن قلت: إن وراكبه

 

ولم يلف عضو منه إلا ضريبة

 

لأبيض مأثور تهاب مضاربه

 

وَكانَ شِفاءً صَلْبُهُ، لَوْ تألّفَتْ

 

لهُ جُثَةٌ يُرْضِي بها العَينَ صَالِبُهْ

 

تَعَجّلَ عَنْهُ رَأسُهُ، وَتَخَلّفتْ

 

لِطَيّتِها أوْصَالُهُ، وَمَنَاكِبُهْ

 

فأصْبَحَ مَنْصُوباً على النّاسِ يُفتَدَى

 

بآبَاءِ مَنْ أوفَى على الناس نَاصِبُهْ

 

يُجَاهِمُ رَائيهِ بأطْرَقَ عَابِسٍ،

 

شَهيٍّ إلَيهِمْ سُخطُهُ وَتَغاضُبُهْ

 

يُنَكِّبُ في إشْرَافِهِ، وَهُوَ آزم

 

أزوم الخَليعِ ازْوَرّ عَمّن يُعاتبُهْ

 

فلَمْ يَبقَ في الآفاقِ خَالِعُ رِبْقَةٍ

 

منَ الدِّينِ، إلاّ فَادِحاتٌ مَصَائبُهْ

 

جَبابرَةُ الأرْضِ استَكانَتْ لضَرْبَةٍ،

 

أرَتْ قيِمَ النّهْجِ الذي ذاقَ ناكِبُهْ

 

وَكانَ، عَلى ثنية كُلّ إشراف،

 

سَنَا فِتْنَةٍ يَدْعُو إلى الغَيّ ثَاقِبُهْ

 

فعَادَ بَنُو العَباسِ، عَمِّ مُحَمّدٍ،

 

وَشاهِدُ عِزّ النّاسِ فيهِمْ وَغائبُهْ

 

يَبيتُونَ، وَالسّلطانُ شاكٍ سِلاحَهُ

 

بعَقْوَتِهِمْ، والمَوْتُ سُودٌ ذَوائبُهْ

 

فَيَا ناصِرَ الإسْلامِ لَوْ أنّ نَاصِراً

 

يُرَافِدُهُ في حِفظِهِ، وَيُنَاوِبُهْ

 

كَفَيْتَ أميرَ المُؤمنينَ، وَقَبلَها

 

كَفَيتَ أخاهُ الصّدْعَ يُعوِزُ شَاعِبُهْ

 

وَما زِلْتَ منْدوباً لرَأسِ ضَلالَةٍ

 

تُناصِبهُ، أوْ مَنحولِ مُلْكٍ تحارِبُهْ

 

أخدتَ بوِترِ الدّينِ مثنى وظَفِرَتْ

 

يَداكَ، فلَمْ يُفلِتْ عَدوٌّ تُطالِبُهْ

 

وَقَد يُحْرَمُ المَوْتُورُ إمّا تَعزّرَتْ

 

عداه وأما فاتَ في الأرْضِ هارِبُهْ

 

مَشارِقُ مُلْكٍ صحّ بالسّيفِ قُطرُها،

 

فَلَمْ يَبْقَ إلاّ أنْ تَصِحّ مَغارِبُهْ

 

وَإنّ أبَا العَبّاسِ مَنْ تَمّ رَأيُهُ،

 

وَمَنْ شُهِرَتْ أيّامُهُ وَمَناقِبُهْ

 

يُرِينَاكَ لا نَرْتَابُ فيكَ، إذا بَدَا

 

يُؤدّيكَ نُصْاً نَجرُهُ، وَضَرَائبُهْ

 

وَقَدْ شَحَذَتْ مِنْهُ حَداثَةَ سِنّهِ

 

شهامة غِطرِيفٍ، حِدادِ مَخالِبُهْ

 

إذا المَرْءُ لم تَبدهْكَ، بالحزْمِ كله

 

قَرِيحَتُهُ لَمْ تُغْنِ عَنْكَ تَجارِبُهْ