قصائد أبي القاسم الشابي الوطنية

قصيدة ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ

حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ

سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ

وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ

وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ

وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ

رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ

وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ

ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام

وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ

حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ

ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ

تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ

رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ

ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ

وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ

سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء

ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ

قصيدة شعري نُفَاثة صدري

شعري نُفَاثة صدري

إنْ جَاشَ فِيه شُعوري

لولاه ما أنجاب عنّي

غَيْمُ الحياة ِ الخطيرِ

ولا وجدتَ أكتئابي

ولا وجدت سروري

بِهِ تَراني حزيناً

أبكي بدمعٍ غزيرِ

به تراني طروباً

أجرّ ذيلَ خُبوري

لا أنظمُ الشعرَ أرجو

به رضاءَ الأمير

بِمِدْحَة ٍ أو رثاءٍ

تُهْدَى لربّ السريرِ

حسْبي إذا قلتُ شعراً

أن يرتضيهِ ضَميري

مالشعرُ إلا فضاءٌ

يَرفُّ فيه مَقالي

فيما يَسُرُّ بلادي

وما يسرُّ المعالي

وما يُثِيرُ شُعوري

من خافقاتِ خيالي

لا أقرضُ الشعرَ أبغي

به اقتناصَ نَوال

الشِّعرُ إنْ لمْ يكنْ في

جمالِهِ ذَا جَلالِ

فإنَّما هُوَ طيفٌ

يَسْعَى بوادي الظِّلال

يقضي الحياة َ طريداً

في ذِلّة ، واعتزال

يا شعرُ! أنت مِلاكي

وطارِفِي، وتِلادي

أنا إليكَ مُرادٌ

وأنتَ نِعْمَ مُرادي

قِف، لا تَدَعْني وحيداً

ولا أدعك تنادي

فَهَلْ وجدتَ حُساماً

يُناط دون نجادِ

كَمْ حَطَّمَ الدَّهْرُ

ذا هِمَّة ٍ كثيرَ الرّمادِ

ألقاه تَحْتَ نعالٍ

من ذِلَّة وحِدادِ

رِفقاً بأَهْلِ بلادي!

يا منجنون العَوادي!

قصيدة سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ

سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ

وما أن تجاوزتُ فجرَ الشَّبابْ

سَئِمتُ اللَّيالي، وَأَوجَاعَها

وما شَعْشَعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ

فَحَطّمتُ كَأسي، وَأَلقَيتُها

بِوَادي الأَسى وَجَحِيمِ العَذَابْ

فأنَّت، وقد غمرتها الدموعُ

وَقَرّتْ، وَقَدْ فَاضَ مِنْهَا الحَبَابْ

وَأَلقى عَلَيها الأَسَى ثَوْبَهُ

وَأقبرَها الصَّمْتُ والإكْتِئَابْ

فَأَينَ الأَمَانِي وَأَلْحَانُها؟

وأَينَ الكؤوسُ؟ وَأَينَ الشَّرابْ

لَقَدْ سَحَقَتْها أكفُّ الظَّلاَمِ

وَقَدْ رَشَفَتْها شِفَاهُ السَّرابْ

فَمَا العَيْشُ فِي حَوْمة ٍ بَأْسُهَا

شديدٌ، وصدَّاحُها لا يُجابْ

كئيبٌ، وحيدٌ بآلامِه

وأَحْلامِهِ، شَدْوُهُ الانْتحَابْ

ذَوَتْ في الرَّبيعِ أَزَاهِيرُهَا

فنِمْنَ، وقَد مصَّهُنَّ التّرابْ

لَوينَ النَّحورَ على ذِلَّة ٍ

ومُتنَ، وأَحلامَهنَّ العِذابْ

فَحَالَ الجَمَالُ، وَغَاضَ العبيرُ

وأذوى الرَّدى سِحرَهُنَّ العُجابْ

قصيدة لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ

لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ

أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ

إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ

قد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ

كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ

مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ

ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ

فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ

وتوخَّوْاطرائقَ العَسف الإِرْ

هَاقِ تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ

هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ

رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ

غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا

واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ

أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَة َ فِي لُجِّ

الهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ

شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّي

قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ

لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو مـ

ـتُّ وقامتْ على شبابي المناحَة ْ

لا أبالي.., وإنْ أُريقتْ دِمائي

فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ

وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي

صَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ

إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَة ٍ غَيْرَ أنِّي

مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ

ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ

سَتَرُدُّ الحَيَاة ُ يَوماً وِشَاحَهْ

قصيدة قضَّيتُ أدْوارَ الحياة ِ، مُفَكِّراً

قضَّيتُ أدْوارَ الحياة ِ، مُفَكِّراً

في الكَائِناتِ، مُعَذَّباً، مَهْمُوما

فَوَجَدْتُ أعراسَ الوُجود مآتماً

ووجدتُ فِرْدَوسَ الزَّمانِ جَحيمَا

تَدْوي مَخَارِمُهُ بِضَجَّة ِ صَرْصَرٍ

مشبوبَة ٍ، تَذَرُ الجيالُ هشيمَا

وحضرتُ مائدة َ الحياة ، فلم أجدْ

إلاّ شراباً، آجناً، مسموماً

وَنَفضْتُ أعماقَ الفَضَاءِ، فَلَمْ أجِدْ

إلا سكوناً، مُتْعَباً محمومَا

تتبخَّرُ الأَعْمارُ في جَنَباتِهِ

وتموتُ أشواقُ النّفوس وَجومَا

ولمستُ أوتارَ الدهور، فلم تُفِضْ

إلا أنيناً، دامياً، مَكْلُوما

يَتْلُو أقاصيصَ التَّعاسة ِ والأسى

ويصيرُ أفراح الحياة همومَا

شُرِّدْتُ عنن وَطَنِي السَّماويِّ الذي

ما كانَ يوْماً واجمَا، مغمومَا

شُرِّدْتُ عَنْ وطني الجميل.. أنا الشَّقِـ

شقيّ، فعشت مشطورَ الفؤاد، يتيمَا..

في غُربة ٍ، رُوحيَّة ٍ، مَلْعُونة ٍ

أشواقُها تَقْضِي، عِطاشاً، هِيما…

يا غُربة َ الرُّوحِ المفكِّر‍ إنّه

في النَّاسِ يحيا، سَائماً، مَسْؤُوما

شُرِّدتُ لِلدنيا.. وَكُلٌّ تائهٌ

فيها يُرَوِّعُ رَاحلاً ومقيما

يدعو الحياة ، فلا يُجيبُ سوى الرَّدى

ليدُسَّهُ تَحْتَ التُّرابِ رَميما

وَتَظَلُّ سَائِرة ً، كأنّ فقيدها

ما كان يوماً صاحباً وحميمَا‍

يا أيُّها السّاري! لقد طال السُّرى

حَتَّام تَرْقُبُ في الظَّلامِ نُجُوما..؟

أتخالُ في الوادي البعيدِ المُرْتَجى ؟

هيهاتَ! لَنْ تَلْقى هناكَ مَرُوما

سرْ ما اسْتَطَعْتَ، فَسَوْفَ تُلقي ـ مثلما

خلَّفتَ ـ مَمشُوقَ الغُصونِ حَطِيما

قصيدة أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ

أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ

لِ،! ياهيكلَ الحَياة ِ الرَّهيبِ!

فِيكَ تَجْثُو عرائسُ الأَمَلِ العذْ

بِ، تُصلَّي بصَوتِها المحبوبَ

فَيُثيرُ النَّشِيدُ ذكرى حياة ٍ

حَجَبَتها غيومُ دَهر كَئيبِ

وَتَرُفُّ الشُّجونُ مِنْ حول قلبي

بسُكُونٍ، وَهَيْبَة ٍ، وَقُطُوبِ

أنتَ ياليلُ! ذرَّة ٌ، صعدت للكونِ،

من موطئ الجحيمِ الغَضوبِ

أيُّها الليلُ! أنت نَغْمٌ شَجِيُّ

في شفاهِ الدُّهورِ، بين النَّحيبِ

إنَّ أُنشودة السُّكُونِ، التي ترتجّ

في صدرك الرّكود، الرحيب

تُسْمِعُ النَّفْسَ، في هدوء الأماني

رنة َ الحقَّ، والجمال الخلوبِ

فَتَصوغُ القلوبُ، منها أَغَارِيداً،

تَهُزُّ الحياة َ هَزَّ الخُطُوبِ

تتلوّى الحياة ُ، مِنْ أَلَم البؤْ

س فتبكي، بلوعة ونحيبِ

وَعَلى مَسْمَعيكَ، تَنْهلُّ نوحاً

وعويلاً مُراً، شجون القلوبِ

فأرى بُرقعاً شفيفاً، من الأو

جاع، يُلقي عليك شجوَ الكئيبِ

وأرى في السُّكون أجنحة الجبَّـ

ـبارِ، مخلصة ً بدمعِ القُلوبِ

فَلَكَ اللَّهُ! مِنْ فؤادٍ رَحيمٍ

ولكَ الله! من فؤادٍ كئيب

يهجع الكونُ، في مابيبة ِ العصفور

طفلاً، بصدركَ الغربيب

وبأحضانك الرحيمة ِ يستيقظُ، في

نضرة الضَّحُوكِ، الطَّرُوبِ

شَادياً، كالطُّيوبِ بالأَملِ العَذْ

بِ، جميلاً، كَبَهْجَة ِ الشُّؤْبُوبِ

ياظلام الحياة !يا روعة الحزنِ!

ن! وَيَا مِعْزَفَ التَّعِيس الغَرِيبِ