وصف مدينة الزاهرة لابن هذيل
مدينة الزاهرة
يرجع تاريخ مدينة الزاهرة إلى القرن العاشر الميلادي وقد تاسست على يد المنصور بن أبي عامر، والتي تقع على الضفاف اليمنى للوادي الكبير، ويشير التاريخ إلى أنّ المنصور قد شرع في تشييد المدينة سنة 978م إذ أقام فيها قصراً ضخماً ومسجداً وعدداً من الدواوين الخاصة بالإدارة، كما شيّد فيها مساكن للحرس والبطانة أيضاً وقد كانت محاطة بالأسوار، وانتهى من بنائها خلال عامين، وقد تعرضت للدمار بعد زوال الدولة الأموية في الأندلس.
ابن هذيل
هو الأديب الشاعر الفقيه يحيى بن هُذيل بن عبد الملك بن هذيل التميمي الأندلسي، يُكنى بأبي يحيى، وهو أيضاً محدث لغوي اشتهر بالشعر في مسقط رأسه قرطبة وكان من أبرز شعراء عصره وأشهرهم. وُلد في مدينة قرطبة ونشأ وترعرع فيها، درس الفقه في مُستهل حياته حتى أصبح فقيهاً، وانتقل إلى المشرق العربي فنزل مصر، وبغداد، ومكة لسماع الحديث، وعبقت سيرته العطرة في كل مكان حتى اقترن ذكره بأنّه عالم وحافظ وفقيه، كما أنّه نبيلٌ في الرأي، ومشاورٌ في الأحكام.
بالإضافة إلى ما تقدّم فقد صّب جُل اهتمامه أيضاً على الشعر منذ نعومة أظافره فترك إرثاً شعرياً ضخماً ما بين قصائد وصف وغزل ومديح وهجاء واتسم شعره بكثرة الوصف وخاصة وصف الطبيعة، ومن أبرز قصائده في هذا المجال وصف مدينة الزاهرة.
قصيدة وصف مدينة الزاهرة لابن هذيل
قدّم الأديب الشاعر يحيى بن هُذيل قصيدته هذه كأسلوب تعبيري عن كل ما جاءت به الفترة الأندلسية على المدينة من تحولات حضارية واجتماعية فنظم أفكاره بقصيدة شعرية عمودية، ويذكر بأنّ القصيدة قد كُتبت على هامش مناسبة تشييد مدينة الزاهرة في شرقي قُرطبة. وتتخذ القصيدة موقعاً هاماً بين طيّات كتاب التشبيهات في أشعار أهل الأندلس لمؤلفه أبي عبد الله، ويذكر بأنّ القصيدة تتضمن وصفاً دقيقاً للجانب العمراني للمدينة بما فيها من قصور ومناظر طبيعية خلابة.
أسلوب بناء قصيدة ابن هذيل
بدأ ابن هُذيل قصيدته بتصوير الهندسة المعمارية التي اتسمت بها قصور مدينة الزاهرة ذات البناء شاهق الارتفاع، وتزيّن الأبواب والأعمدة المرتفعة ذات اللون الناصع المتشابكة مع بعضها البعض مٌشكلةً تيجاناً رائعة. كما ينتقل الشاعر إلى وصف ما يحف بالقصور من أماكن رفيعة المستوى مخصصة للجلوس، والصهاريج المائية المزركشة باللون الأسود والمخصصة لسقاية الحدائق وزهورها، أما فيما يتعلق بالأجواء فيسودها عبير الأزهار ويعطرها؛ ومن أبرز أبياته في وصف المدينة:
قصورٌ إذا قامت ترى كل قائمٍ
- على الأرض يستخذي لها ثمّ يخشع.
كأن خطيباً مشرفاً من سموكها
- وشم الربى من تحتها تتسمع
ترى نورها من كل بابٍ كأنما
- سنا الشمس من أبوابها يتقطعُ
ومن واقفاتٍ فوقهن أهلة
- حنايا هي التيجان أو هي أبدعُ
يستهل الشاعر أبياته السابقة بوصف الأبهة التي تتمتع بها القصور ونقوشها وعظمة عمدها، ففي تشخيص الشاعر للمدينة صوّر بأن القصور قد تميزت بين كل ما يحيط بها، والعمد قد باحت بالأسرار، فتتمع القصيدة بإضفاء خاصية الحياة على البناء ليكون حياً مثالياً. وتخللت العلاقات الوثيقة الأبيات الشعرية في القصيدة، ومنحها قيمة في فعاليته الغنية، فأثار ذلك الحيوية والنشوة فيها، كما انتقل فيها إلى عالم خيالي في التصوير.