أشعار تذوب القلب

الشعر

الشعر هو كلام موزون ومرتب على ترتيب معين وبقافية معينة يعبر به الشاعر عن ما في نفسه من مشاعر أو أحداث حصلت في عصره، ويعتبر الشعر سجل لجميع العرب وله بحور عدّة وأنواع عدّة منها: الشعر المسرحي، والملحمي، والغنائي، والقصصي، ومن أشكاله الشعر الحر والعمودي والمنثور، وله أغراض عدّة منها: الوصف، والهجاء، والمدح، والغزل، والفخر، وفي هذا المقال سنقدم لكم أجمل الأشعار التي تذوب القلب.

سقيتن يا منزلات الهوى

ابن الرومي هو أبو الحسن علي بن العباس شاعر عراقي ذكي ولد عام 836 حساس جداً وحاد المزاج وكانت معظم أشعاره تتحدث عن المآسي والكوارث التي عاشها في حياته الخاصة، وكان أفضل وأبلغ شعراء عصره في شعر الهجاء توفي عام 896 عن عمر يناهز 59 سنة، ومن أشعاره في الغزل القصيدة الآتية:[١]

سُقِيتُنَّ يا مَنْزِلاتِ الهوى

بوادي الشريجة ِ صوب الحيا

ولا زال مسرحُ غِزْلانُكنَّ

مَريعَ المَحلَّة ِ والمُنْتأَى

وجاوَرتِ الروض حيثُ الحسا

نُ تغضُّ النهى من عيون المها

مواقف حورِ بناتِ الخُدورِ

يُبكِّينَ أعينَ من قد هوى

بُكاءَ الحمائم في أيكة ٍ

تَجاوبْنَ وقت ابتسامِ الضُّحا

إذا ما غدونَ لِطافَ الخصورِ

خفافَ الصدورِ ثِقالَ الخُطا

رِقاقَ الثنايا عِذَابَ الغُروبِ

صِغارَ القلوب ضِعافَ القُوى

زوائرَ في كلِّ ما جُمعة ٍ

قُبوراً أقمنَ بدار البِلى

ورُحن يُجاذبنَ أردافهنَّ

لَواعبَ في نسوة ٍ كالدمى

كأنّ تَثنِّيَ أعطافهِنَّ

تثني الغصونِ بريح الصَّبا

فكم ليَ في ظلّ أفنانكنَّ

على النأيِ من معهدٍ للصِّبا

وبعدَ التَّهاجُر من وُصْلَة ٍ

وبَعدَ التفرقِ من مُلتقى

ومن يومِ همٍّ نعمنا به

بأَحبابنا صَالحٍ مُرتضَى

فبُدِّلتُ منكن في وَاسطٍ

مساكنَ أنباطِ أهل القُرَى

ومن سُرَّ من راو روضاتها

حُشوشاً تقابلُ وسط الملا

ومن حُسن أوجهِ سكانها

قُروداً تَزَحَّرُ تحت الغَضى

رجالاً بكَسكَر ما إن ترى

لهم شَبهاً من جميع الورى

نحافَ الجسُومِ خفافَ الحُلو

مِ صغارَ الرؤوسِ عظامَ اللَّحى

فلا قُدستْ واسط بلدة

ولا جادها من سحابٍ رَوا

سقى الغيث أطلال الأحبة بالحمى

ابن زيدون شاعر وكاتب من الأندلس يتيم الأب وتربى عند جده وهو من حفظة كتاب الله، وكان بارع ومحنك في النثر والشعر ومعظم أشعاره في الغزل والحب كانت لفتاة تدعى ولادة بنت المستكفي من شدّة عشقه لها وكان يتحدث لغات عدّة غير العربية مثل الإسبانية، ومن أجمل قصائده بالغزل:[٢]

سَقى الغَيثُ أَطلالَ الأَحِبَّةِ بِالحِمى

وَحاكَ عَلَيها ثَوبَ وَشيٍ مُنَمنَما

وَأَطلَعَ فيها لِلأَزاهيرِ أَنجُما

فَكَم رَفَلَت فيها الخَرائِدُ كَالدُمى

إِذِ العَيشُ غَضٌّ وَالزَمانُ غُلامُ

أَهيمُ بِجَبّارٍ يَعِزُّ وَأَخضَعُ

شَذا المِسكِ مِن أَردانِهِ يَتَضَوَّعُ

إِذا جِئتُ أَشكوهُ الجَوى لَيسَ يَسمَعُ

فَما أَنا في شَيءٍ مِنَ الوَصلِ أَطمَعُ

وَلا أَن يَزورَ المُقلَتَينِ مَنامُ

قَضَيبٌ مِنَ الرَيحانِ أَثمَرَ بِالبَدرِ

لَواحِظُ عَينَيهِ مُلِئنَ مِنَ السِحرِ

وَديباجُ خَدَّيهِ حَكى رَونَقَ الخَمرِ

وَأَلفاظُهُ في النُطقِ كَاللُؤلُؤِ النَثرِ

وَريقَتُهُ في الإِرتِشافِ مُدامُ

سَقى جَنَباتِ القَصرِ صَوبُ الغَمائِمِ

وَغَنّى عَلى الأَغصانِ وُرقُ الحَمائِمِ

بِقُرطُبَةَ الغَرّاءَ دارِ الأَكارِمِ

بِلادٌ بِها شَقَّ الشَبابُ تَمائِمي

وَأَنجَبَني قَومٌ هُناكَ كِرامُ

فَكَم لِيَ فيها مِن مَساءٍ وَإِصباحِ

بِكُلِّ غَزالٍ مُشرِقِ الوَجهِ وَضّاحِ

يُقَدِّمُ أَفواهَ الكُؤوسِ بِتُفّاحِ

إِذا طَلَعَت في راحِهِ أَنجُمُ الراحِ

فَإِنّا لَإِعظامِ المُدامِ قِيامُ

وَيَومٍ لَدى النَبتِيِّ في شاطِئِ النَهرِ

تُدارُ عَلَينا الراحُ في فِتيَةٍ زُهرِ

وَليسَ لَنا فَرشٌ سِوى يانِعِ الزَهرِ

يَدورُ بِها عَذبُ اللَمى أَهيَفُ الخَصرِ

بِفيهِ مِنَ الثَغرِ الشَنيبِ نِظامُ

وَيَومٍ بِجَوفِيِّ الرَصافَةِ مُبهِجِ

مَرَرنا بِرَوضِ الأُقحُوانِ المُدَبَّجِ

وَقابَلَنا فيهِ نَسيمُ البَنَفسَجِ

وَلاحَ لَنا وَردٌ كَخَدٍّ مُضَرَّجِ

نَراهُ أَمامَ النورِ وَهوَ إِمامُ

وَأَكرِم بِأَيّامِ العُقابِ السَوالِفِ

وَلَهوٍ أَثَرناهُ بِتِلكَ المَعاطِفِ

بِسودِ أَثيثِ الشَعرِ بيضِ السَوالِفِ

إِذا رَفَدوا في وَشيِ تِلكَ المَطارِفِ

فَلَيسَ عَلى خَلعِ العِذارِ مُلامُ

وَكَم مَشهَدٍ عِندَ العَقيقِ وَجِسرِهِ

قَعَدنا عَلى حُمرِ النَباتِ وَصُفرِهِ

وَظَبيٍ يُسَقّينا سُلافَةَ خَمرِهِ

حَكى جَسَدي في السُقمِ رِقَّةَ خَصرِهِ

لَواحِظُهُ عِندَ الرُنُوِّ سِهامُ

فَقُل لِزَمانٍ قَد تَوَلّى نَعيمُهُ

وَرَثَّت عَلى مَرِّ اللَيالي رُسومُهُ

وَكَم رَقَّ فيهِ بِالعَشِيِّ نَسيمُهُ

وَلاحَت لِساري اللَيلِ فيهِ نُجومُهُ

عَلَيكَ مِنَ الصَبِّ المَشوقِ سَلامُ

المسافة

عارف الخاجة هو عمر عبد الرحمن ولد عام 1959م شاعر وكاتب إماراتي درس اللغة العربية والإعلام وتخرج عام 1980م، وكان بارعاً أيضاً في مجال إعداد البرامج التلفازية منها فوازير رمضان وبرنامج شاعـر من بلادي ومن أروع أشعاره الرومنسية:[٣]

تسللتُ من خارطات الكآبهْ

لأبدأ في ناهديك السَّهَر

رأيتك في كل حرفين غابه

وما بين سطر وسطر حياه

هو الوعد رغم الزنازن

رغم المجوسي

رغم ابن ملجم

يبدأ من مقلتيك إلى القلب درباً

تمر عليها خيولُ الصحابه

رأيتك ضعف السنين التي شردتني

تطلّين من جبهة النسمة العابره

ومن أغنيات المنافي

ومن ضحكة الجمرة الثائره

تطلين من عرس قانا الجليل

لنمشي نفس الطريق الجليل

ولو كان يفضي إلى الجلجله

هو الوعد لا الدؤليُّ يشكِّلنا

لنشكل بالحب وجه الكتابه

هو الوعد ليس ابنُ عاصم علَّمنا

كيف نسمع شجو الحروف

إذا نقطة لمعت

تحت باء السحابه

رأيتك والعيس تتبع حادي النجوم

وهودجك الكوكب المنتشي

في سمَات السماء

وخدِّ الصحارى

وهودجك المشترَى

لازمته العيون وأقمارنا الساهرهْ

فلا ترقبي موعداً لانكساري

ولا تحسبي رِدَّة للورود التي

فتَّحتها بروضي وفودُ الغرابهْ

تطلين سيدتي

والفصول الجديدةُ

تأبى التأقلم في خاطري

ألا عم صباحا أيها الطلل البالي

امرؤ القيس جندح بن حجر بن الحارث يُعدّ رأس الشعراء العرب ولد في نجد لقبيلة كندة وأمه هي فاطمة بنت ربيعة ديانته الوثنية وهو من أصحاب المعلقات ومن أبرز آثاره أنّه نقل الشعر العربي لمستوى جديد، ومن أجمل أشعاره في الغزل القصيدة الآتية:[٤]

ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي

وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي

وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ

قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ

وَهَل يَعِمَنْ مَن كان أحدثُ عَهدِه

ثَلاثِينَ شهراً في ثَلاثَة ِ أحوَالِ

دِيارٌ لسَلمَى عَافِيَاتٌ بذِي خَالِ

ألَحّ عَلَيها كُلُّ أسْحَمَ هَطّالِ

وتحسبُ سلمى لا تزالُ ترى طَلا

من الوَحشِ أوْ بَيضاً بمَيثاءِ مِحْلالِ

وتحسِبُ سلمى لا نزالُ كعهدنا

بوَادي الخُزَامى أوْ على رَسّ أوْعالِ

لَيَاليَ سَلَمى إذْ تُرِيكَ مُنْصَّباً

وجيداً كجيد الرئم ليس بمعطال

ألا زعمت بسبابة ُ اليوم أنني

كبرت وأن لا يحسنُ اللهو أمثالي

كَذَبتِ لَقَد أَصبى عَلى المَرءِ عِرسُهُ

وَأَمنَعُ عِرسي أَن يُزَنَّ بِها الخالي

وَيَا رُبّ يَوْمٍ قَد لهَوْتُ وَلَيْلَة ٍ

بِآنِسَة ٍ كَأنّهَا خَطُّ تِمْثَالِ

يُضيءُ الفِراشُ وَجهَها لِضَجيعِها

كَمِصباحِ زَيتٍ في قَناديلِ ذَبّالِ

كأنَّ على لباتها جمرَ مُصطل

أصاب غضى جزلاً وكفِّ بأجذال

وَهَبّتْ لهُ رِيحٌ بمُخْتَلَفِ الصُّوَا

صباً وشمال في منازلِ قفّال

ومِثْلِكِ بَيضاءِ العوارِضِ طَفْلة ٍ

لعوبٍ تُنَسِّيني إذا قُمتُ سِربالي

إذا ما الضجيعُ ابتزها من ثيابها

تَمِيلُ عَلَيهِ هُونَة ً غَيرَ مِجْبالِ

كحِقْفِ النَّقَا يَمشِي الوَليدَانِ فوْقَه

بما احتسبا من لين مس وتسهال

لَطِيفَة ُ طَيّ الكَشْح غيرُ مُفَاضَة ٍ

إذَا انْفَتَلَتْ مُرْتجّة ً غَيرَ مِثقالِ

تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها

بيَثْرِبَ أدْنى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِ

نَظَرتُ إِلَيها وَالنُجومُ كَأَنَّها

مَصابيحُ رُهبانٍ تَشُبُّ لِقَفّالِ

سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُها

سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ

المراجع

  1. ابن الرومي، “سقيتن يا منزلات الهوى”، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-2.
  2. ابن زيدون، “سقى الغيث أطلال الأحبة بالحمى”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-2.
  3. عارف الخاجة، “المسافة”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-2.
  4. حسن السندوبي (2004)، ديوان امرىء القيس (الطبعة الخامسة)، بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 122-124.