أشعار إلى الأم
الأم
الأم هي الحنان والأمان في الحياة، وهي من أوصانا الله بها، فمهما حملنا من مشاعر حب وود لغيرها فلن يضاهوا الأم في حسنها وجمالها؛ فالأم هي من ترعى أطفالها، وهي من سهرت لمرضهم، وجاعت لشبعهم، فالأم كانت وما زالت رمز التضحية والعطاء، وفي هذه المقالة سنقدم لكم أجمل القصائد التي قالها الشعراء عن الأم.
قصيدة إلى أمي
الشاعر محمود درويش، ولد الشاعر محمود درويش في فلسطين في قرية البروة، وهي قرية فلسطينية مدمرة، ثم لجأ إلى لبنان وهو في السابعة من عمره، وبقي هناك عاماً واحداً فقط، ثم عاد إلى فلسطين، وأقام في قرية دير الأسد وأكمل تعليمه الابتدائي فيها، وشغل الشاعر منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وحرر في مجلة الكرمل، ومن بعض مؤلفاته عصافير بلا أجنحة، وأوراق الزيتون، وعاشق من فلسطين، وآخر الليل، ومطر ناعم في خريف بعيد، وقد نظم قصيدة إلى الأم وقال فيها:[١]
أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر في الطفولة
يوماً على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني، إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقوداً بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك!
قصيدة خمس رسائل إلى أمي
قائل قصيدة خمس رسائل إلى أمي هو الشاعر نزار قباني، وهو دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923م من أسرة دمشقية عريقة؛ إذ يعتبر جده أبو خليل القباني رائد المسرح العربي، ودرس الحقوق في الجامعة السورية، وأسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم “منشورات نزار قباني”، وأمضى السنوات الأخيرة من حياته في لندن، أما قصيدته فقال فيها:[٢]
صباحُ الخيرِ يا حلوه..
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..
أنا وحدي..
دخانُ سجائري يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ..
تفتّشُ –بعدُ- عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا..
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ..
وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر..
على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها..
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي..
أيا أمي..
أنا الولدُ الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّر
فكيفَ.. فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً..
ولم أكبر؟
صباحُ الخيرِ من مدريدَ
ما أخبارها الفلّة؟
بها أوصيكِ يا أمّاهُ..
تلكَ الطفلةُ الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..
يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
ويسقيها..
ويطعمها..
ويغمرها برحمتهِ..
.. وماتَ أبي
ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
وتسألُ عن عباءتهِ..
وتسألُ عن جريدتهِ..
وتسألُ –حينَ يأتي الصيفُ-
عن فيروزِ عينيه..
لتنثرَ فوقَ كفّيهِ..
دنانيراً منَ الذهبِ..
سلاماتٌ..
سلاماتٌ..
إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ “ساحةِ النجمة”
إلى تختي..
إلى كتبي..
إلى أطفالِ حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..
بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شبّاكِ جارتنا
مضى عامانِ.. يا أمي
ووجهُ دمشقَ،
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
يعضُّ على ستائرنا..
وينقرنا..
برفقٍ من أصابعنا..
مضى عامانِ يا أمي
وليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَ
دورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنا
مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا
كأنَّ مآذنَ الأمويِّ..
قد زُرعت بداخلنا..
كأنَّ مشاتلَ التفاحِ..
تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ
جاءت كلّها معنا..
أتى أيلولُ يا أماهُ..
وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتي
مدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟
أينَ أبي وعيناهُ
وأينَ حريرُ نظرتهِ؟
وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟
سقى الرحمنُ مثواهُ..
وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ..
وأين نُعماه؟
وأينَ مدارجُ الشمشيرِ..
تضحكُ في زواياهُ
وأينَ طفولتي فيهِ؟
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
وآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُ
دمشقُ، دمشقُ..
يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره صلبناهُ
جثونا عند ركبتهِ..
وذبنا في محبّتهِ
إلى أن في محبتنا قتلناهُ…
قصيدة أمي
الشاعر محمود مفلح، ولد الشاعر محمود حسين مفلح عام 1943م في فلسطين في بلدة سمخ، وفي عام النكبة هاجر مع أسرته إلى سوريا واستقر في مدينة درعا، ودرس اللغة العربية في جامعة دمشق، وعمل في التعليم الثانوي في مدينة القامشلي ثم في مدينة درعا، ثم عمل في المملكة العربية السعودية في مجال التربية والتعليم، ثم عمل موجهاً تربوياً في مادة اللغة العربية، وله العديد من المقالات والقصص القصيرة وكما أنه عمل في النقد الأدبي، أما قصيدته أمي فقال فيها:[٣]
مالي سمعتُ كأنْ لم أسمعِ الخبرا
- هل صار قلبيَ في أضلاعه حَجرا؟
مالي جمدتُ فلم تهتزَّ قافيتي
- ولا شعرتُ ولا أبصرتُ من شعرا
كأنَّ كلَّ سواقي الشعر قد أسِنت
- من جففَّ الشعرَ من بالشعرِ قد غدرا؟
أنا الذي عزفت أوتارُه نغماً
- هزَّ الورى والذُرا والطيرَ والشجرا
مالي سكتُ فلم أنطقْ بقافية
- ولا رأيت بعيني الدمعَ منحدرًا؟
هل جففَّ الرملُ إحساسي وجففّني
- فأصبح الشعرُ لا علماً ولا خبرا؟
وهل عجزتُ عن التعبير واأسفي
- كأنني لم اصغْ للغادةِ الدُررا !؟
أمي تموت ويُمناها على كبدي
- يا أمُّ رُحماك إنَّ القلبَ قد فُطِرا
هزّي سريري إني لم أزلْ ولداً
- ودّثرينيَ إن الريحَ قد زأرا..
وجفّفي عَرَقي فالصيفْ ألهبني
- وسلسلي الماءَ كي أقضي به وطرا
مُدي يَديّكِ كما قد كنت ألثمها
- فقد نهضتُ وَوَجْهُ الصبح قد سفرا
وحّوطيني .. تلك العيُن خائنة
- وكم رأيتُ عيوناً تقدح الشررا
ولوّني أغنياتِ الصيف في شفتي
- وقرّبي من وسادي النجم والقمرا
ما زال صوتك يا أماه يتبعني
- يا ربُّ رُدَّ حبيباً أدمنَ السفرا
يا ربِّ صُنْهُ من الأشرارِ كلهمُ
- ورُدَّ عنه الأذى والكيْد والخطرا
واجبرْ إلهي كسْراً ، حلَّ في ولدي
- فأنتَ تجبرُ يا مولاي ما انكسرا
يا ربِّ جفّت دموع الأمهات هنا
- فأنزلنَّ علينا الغيث والمطرا
كلُّ العصافير عادت من مهاجرها
- متى نعودُ إلى أعشاشِنا زُمرا
وارحم إلهيَ زوْجاً غاص عائلها
- في ظلمة السجن لم تبصرْ له أثرا
وطفلةً كلما قالت زميلتها
- أتى أبوك ؟ تشظّى القلبُ وانفجرا
وارحم إلهي شيخاً دبَّ فوق عصاً
- قد كاد من طول ليل يفقد البصرا
يا من رددتَ إلى يعقوب يوسفَه
- لا تتركِ الشيخَ فرْداً لا يُطيق كرى
يا ربّ ما ذنبُ أحرارٍ إذا وقفوا
- مثلَ الجبالتِ وموج الظلم قد سكِرا؟!
ما زال صوتك يا أماه يجلدُني
- إني أسأتُ وجئتُ اليوم معتذرا
لا والذي خلق الدنيا وصورّها
- ما خنتُ عهدك يوماً ، ما قطعت عُرى
لكنها مِحَنٌ حلت بساحتنا
- أودت بفكر الذي قد روّض الفِكرا
أمي تموت ولم أفزع لرؤيتها
- ولا قرأتُ على جثمانها سُورا
ولا حملتُ على كِتْفي جِنازتها
- ولا مشيتُ مع الماشين معتبرا
قصيدة عن الأم
ولد الشاعر عبدالله البردوني عام 1929م في قرية برودن في اليمن، وأصيب بالعمى في السادسة من عمره بسبب إصابته بالجدري، وأكمل دراسته في دار العلوم في صنعاء، وله عدة دواوين وهي: من أرض بلقيس، وفي طريق الفجر، ومدينة الغد، ولعيني أم بلقيس، والسفر إلى الأيام الخضر، وجوه دخانية في مرايا الليل، وزمان بلا نوعية، وترجمة رملية لأعراس الغبار، وكائنات الشوق الاخر، ورواغ المصابيح، وأما قصيدته فقال فيها:[٤]
تركتني ها هنا بين العذاب
- و مضت، يا طول حزني و اكتئابي
تركتني للشقا وحدي هنا
- و استراحت وحدها بين التراب
حيث لا جور و لا بغي و لا
- ذرّة تنبي و تنبي بالخراب
حيث لا سيف و لا قنبلة
- حيث لا حرب و لا لمع حراب
حيث لا قيد و لا سوط و لا
- ظالم يطغى و مظلوم يحابي
خلّفتني أذكر الصفو كما
- يذكر الشيخ خيالات الشباب
و نأت عنّي و شوقي حولها
- ينشد الماضي و بي – أوّاه – ما بي
و دعاها حاصد العمر إلى
- حيث أدعوها فتعيا عن جوابي
حيث أدعوها فلا يسمعني
- غير صمت القبر و القفر اليباب
موتها كان مصابي كلّه
- و حياتي بعدها فوق مصابي
أين منّي ظلّها الحاني و قد
- ذهبت عنّي إلى غير إياب
سحبت أيّامها الجرحى على
- لفحة البيد و أشواك الهضاب
ومضت في طرق العمر فمن
- مسلك صعب إلى دنيا صعاب
وانتهت حيث انتهى الشوط بها
- فاطمأنّت تحت أستار الغياب
آه ” يا أمّي ” و أشواك الأسى
- تلهب الأوجاع في قلبي المذاب
فيك ودّعت شبابي و الصبا
- وانطوت خلفي حلاوات التصابي
كيف أنساك و ذكراك على
- سفر أيّامي كتاب في كتاب
إنّ ذكراك ورائي و على
- وجهتي حيث مجيئي و ذهابي
كم تذكّرت يديك وهما
- في يدي أو في طعامي و شرابي
كان يضنيك نحولي و إذا
- مسّني البرد فزنداك ثيابي
و إذا أبكاني الجوع و لم
- تملكي شيئا سوى الوعد الكذّاب
هدهدت كفاك رأسي مثلما
- هدهد الفجر رياحين الرّوابي
كم هدتني يدك السمرا إلى
- حقلنا في (الغول) في (قاع الرحاب)
و إلى الوادي إلى الظلّ إلى
- حيث يلقي الروض أنفاس الملاب
و سواقي النهر تلقي لحنها
- ذائبا كاللطف في حلو العتاب
كم تمنّينا وكم دلّلتني
- تحت صمت اللّيل والشهب الخوابي
كم بكت عيناكِ لمّا رأتا
- بصري يُطفا ويُطوى في الحجاب
و تذكّرت مصيري و الجوى
- بين جنبيك جراح في التهاب
ها أنا يا أمّي اليوم فتى
- طائر الصيت بعيد الشهاب
أملأ التاريخ لحنا وصدى
- و تغني في ربا الخلد ربابي
فاسمعي يا أمّ صوتي وارقصي
- من وراء القبر كالحورا الكعاب
ها أنا يا أمّ أرثيك و في
- شجو هذا الشعر شجوي وانتحابي .