أشعار الجواهري

سبيل الجماهير

لو أنَّ مقاليدَ الجَماهير في يدي

سَلَكتُ بأوطاني سبيلَ التمرُّدِ

إذن عَلِمَتْ أنْ لا حياةَ لأمّةٍ

تُحاولُ أن تَحيا بغير التجدُّد

لوِ الأمرُ في كَفِّي لجهَّزتُ قوّةً

تُعوِّدُ هذا الشعبَ ما لم يُعوَّد

لو الأمرُ في كفِّي لاعلنتُ ثورةً

على كلِّ هدّام بألفَي مشيِّد

على كُلِّ رجعيٍّ بألفَي منُاهضٍ

يُرى اليوم مستاءً فيبكي على الغد

ولكننَّي اسعَى بِرجلٍ مَؤوفةٍ

ويا ربَّما اسطو ولكنْ بلا يَد

وحوليَ برّامونَ مَيْناً وكِذْبَةً

متى تَختَبرهُم لا تَرى غيرَ قُعدد

لعمرُكَ ما التجديدُ في أن يرى الفَتى

يَروحُ كما يَهوَى خليعاً ويغتَذي

ولكنَّه بالفكر حُرّاً تزَينهُ

تَجاريبُ مثل الكوكَبِ المُتَوقِّد

مشَتْ اذ نضَتْ ثَوبَ الجُمود مواطنٌ

رأت طَرْحَهُ حَتماً فلم تَتردَّد

وقَرَّتْ على ضَيْم بلادي تسومُها

من الخَسف ما شاءَتْ يدُ المتعبِّد

فيا لك من شعبٍ بَطيئاً لخيرِه ِ

مَشَى وحثيثاً للعَمَى والتبلُّد

متى يُدْعَ للاصلاح يحرِنْ جِماحُه

وان قيد في حبل الدَجالةِ يَنْقد

زُرِ الساحةَ الغَبراء من كل منزلٍ

تجد ما يثير الهَمَّ من كلِّ مَرقد

تجد وَكرَ أوهامٍ وملقَى خُرافةٍ

وشَتّى شُجونٍ تَنتهي حيثُ تَبتدي

هم استسلموا فاستعبَدتْهم عوائدٌ

مَشت بِهمُ في الناس مشيَ المقيَّد

لعمْركَ في الشعب افتقارٌ لنهضةٍ

تُهيِّجُ منه كل اشأمَ أربد

فإمّا حياةٌ حرّةٌ مستقيمةٌ

تَليقُ بِشَعبٍ ذي كيان وسؤدُد

وإمّا مماتٌ ينتهَي الجهدُ عِندَهُ

فتُعذَر فاختر أيَّ ثَوْبيَك ترتدي

وإلا فلا يُرجى نهوضٌ لأمّةٍ

تقوم على هذا الأساس المهدَّد

وماذا تُرَجِّي من بلاد بشعرة

تُقاد وشَعب بالمضلِِّّين يَهتدى

اقول لقَومٍ يجِذبون وراءهُم

مساكين أمثالِ البَعير المعبَّد

اقاموا على الأنفاس يحتكرونها

فأيَّ سبيلٍ يَسلُلكِ المرءُ يُطردَ

وما منهمُ الا الذي إنْ صَفَتْ له

لَياليه يَبْطر او تُكَدِّرْ يُعربِد

دَعوا الشعبَ للاصلاح يأخذْ طريقَه

ولا تَقِفوا للمصلحينَ بمَرْصَد

ولا تَزرعوا اشواككم في طريقه

تعوقونه مَن يزرعِ الشوكَ يَحصِد

أكلَّ الذي يشكُو النبيُّ محمدٌّ

تُحلُونَه باسم النبيِّ محمّد

وما هكذا كان الكتابُ منزَّلاً

ولا هكذا قالت شريعةُ لَموعد

اذا صِحتُ قلتُم لم يَحنِ بعد مَوعد

تُريدون إشباعَ البُطون لمَوعد

هدايتَك اللهمَّ للشعب حائراً

أعِنْ خُطوات الناهضين وسدِّد

نبا بلساني أن يجامِلَ أنني

أراني وإنْ جاملتُ غير مُخَلَّد

وهب أنني أخنَتْ عليَّ صراحتي

فهل عيشُ من داجَي يكون لسرمَد

فلستُ ولو أنَّ النجومَ قلائدي

أطاوع كالأعمى يمين مقلدي

ولا قائلٌ اصبحتُ منكم وقد أرى

غوايَتكم او انني غير مهتدي

ولكنني ان أبصِرِ الرشد أءتمرْ

به ومتى ما احرزِ الغي أبعد

وهل انا الا شاعر يرتجونَه

لنصرة حقٍ او للطمةِ معتدي

فمالي عمداً استضيمُ مواهبِي

وأورِدُ نفساً حُرَّةً شرَ مَورد

وعندي لسانٌ لم يُخِّني بمحفِلٍ

كما سَيْف عمروٍ لم يَخنُه بمشْهَد[١]

إلى المناضلين

أطِلّوا كما اتَّقدَ الكوكبُ

يُنوِّر ما خَبطَ الغَيْهَبُ

وسيروا وان بَعُدَت غايةٌ

وشُقّوا الطريقَ ولا تَتْعَبُوا

ومُدّوا سَواعدَكم انها

معينٌ من الجُهد لا ينضُب

وهاتُوا قلوبَكُمُ أُفرِغِتْ

على نَجدةِ الحَقِّ أو فاذْهَبوا

فما إن يَليقُ بمجد النضالِ

ضعيفٌ على نَصرِه يُغصَب

وإنَّ غداً باسماً يُجتَلَى

بشِقِّ النفوس ولا يُوهَب

وإني وإن كنتُ صِنْوَ الرجا

ءِفي حومةِ اليأسِ لا أُغْلَب

أواعدكم من غَدٍ صادقاً

ويُسرِفُ في الوعد من يَكذب

أمامَكُمُ مُوعِرٌ مُلغَمٌ

بشتّى المخاوفِ مُستَصْعَب

يَسُدُّ مداخلَه أرقمٌ

وتحمي مسالِكَهُ أذؤب

وسوف تَضيقُ بِكُم دُوركُم

وسُوحُ السجون بكم تَرحُب

فقولوا لمن ظن أنّ الكفا

حَ غَلةُ مزرعةٍ تكذِب

وقولوا لمن ظنَ أنَّ الجموعَ

مطايا تُسَخَّرُ يا ثعلب

تُريدون أنْ تستقيمَ الامورُ

وأن يخلُفَ الأخبثَ الأطيب

وان تجمَعُوا الشَمْل من أُمَّةٍ

يفرِّقُها الجَدُّ والمذهب

وأن يأكلَ الثَمرَ الزارعونَ

وأن يأخُذَ الأرضَ من يدأب

تريدون أن يعرِفَ الكادحونَ

من العيش ما عنهُم يُحجَب

فلا تحسَبوا أنكم في الجهاد

هواةٌ يضمُّهُمُ ملعَب

ولا تحسَبوا أن مُستثمِراً

ظلوماً لمصرعِه يَطرب

ولا تحسَبوا أن مستعمِراً

يُثارُ عليه ولا يغضَب

فلا تهِنوا إنَّ هَذي الأكفَّ

تُملي على الدَهر ما يكتب[٢]

‏كل ما في الكون حب وجمال

‏كلُّ ما في الكون حب وجمالُ

بتجليك وإن عز المنالُ

بسط النور فكم ثائر بحر

هادئاً بات وكم ماجت رمال

ورياض ضاحَكَ الزهرَ بها

ثغرُك الصافي وناجاها الخيال

وسهول كاد يعرو هَضْبَها

نزقٌ من صبوة لولا الجلال

ما لمن يهوى جمالا زائلا

وعلى البدر جمال ما يُزال

لا عدمِناك مروجـاً للهوى

جدَة فيها وللدهر اقتبال

عيشُنا غض وميدان الصبا

فيه مجرىً للتصابي ومجال

يا أحباي وكم من عثرة

سلفت ما بالُ هذي لا تقال

علَّلونا بوعـود منكـم

ربما قد علل الظمآنَ آل

وعدوني بسوى القرب فقد

شفَّني الهجرانُ منكم والوصال

لا أمَّل العيش ما شئتم فكونوا

لسوى حبكم يحلو الملال

أمن العدل وما جُزْتُ الصبا

ومداه يألف الشيبَ القذال

إنها أنفُسُ لم تخلق سدى

ورقيقات قلوب لا جبال

أشتكى منكم وأشكو لكمُ

إنَّ دائي في هواكم لعُضال

فعلى الرفق كفاني في الهوى

ما أُلاقي وكفاكم ذا المِطال

ألذنبٍ تصطلي حَرَّ الجْوى

مهجٌ كانت لها فيكم ظِلال

أرتجيها صفوة منكم وأن

زَعَموها بغيةً ليست تنال

إنما أغرى زماني بكم

نِعَمٌ طابت وأيام طِوال

لا أذُم الدهر هذي سُنة

للهنا حال وللأحزان حال

قد حثثناها مطايا صبوة

لكُمُ أوشك يعروها الكلال

ورجعنا منكمُ خِلواً ولو

أكلت منهن آمال هزال

لا تقولوا هجرُنا عن علة

ربما سَرَّ حسوداً ما يقال

أنا من جربتموه ذلك الطاهرُ

الحبِ إذا شِينت خِصـال

شيم هذَّبْنَ طبعي في الهوى

مثلَّما يجلو من السيف الصِّقال

أيها الناعمُ في لذاته

لذةُ النفس على الروح وَبال

شهوة غرَّتك فانقدْتَ لها

ومُنى المرء شعور وكمال[٣]

لبنان في العراق

أرض العراق سعت لها لبنانُ

فتصافح الانجيلُ والقرآنُ

وتطلَّعت لكَ دجلةٌ فتضاربت

فكأنما بعبُابها الهَيَمان

أأمين أن سُرَّ العراقُ فبعدما

أبكى ربوعَ كولمبس َ الهجران

لك بالعراق عن الشآم تصبر

وبأهله عن أهلها سُلوان

لو تستطيع دنت إليك مُدّلةًً

فتزودت من رُدنك الأردان

وحِّد بدعوتك القبائل إنه

ألقى إليك زمامَه التِّبيان

كيف التآلفُ والقلوبُ مواقد

تغلي بها الأحقادُ والاضغان

أنِر العُقول من الجهالة يستبنْ

وضحَ السبيلِ ويهتدي الحيران

وأجهز بحد رهيف حدٍ لمَ ينُبْ

لك عن شَباه مهند وسنان

خضعت لعنوته الطغاةُ فأقسمت

أن ليس تعدو حُكْمَه التيجان

نار تُذيب النار وهي يراعةٌ

عضبٌ يفُل العضب َ وهو لسان

أنّي يقصِر بالعِنان اذا انبرى

وهو الجموح وفكرك الميدان

زِدنا بمنطقك الوجيز صبابةٍ

فهو السَّلاف وكلُّنا نشوان

ما كل حي قائل ما قلته

لكنْ أمدَّ بيانك الرحمن

الشرق مهتز بنطقك معجب

والغرب أنت بجوه مِرنان

والقول ما نَّمقْتَ والشعر الذي

يوحي إليك فصاحةٌ وبيان

انا خصم كل منافق لم يَنْهَني

حَذرٌ ولم يقعُد بي الكِتمان

عابوا الصراحة منك لما استعظموا

أن يستوي الاسرارُ والاعلان

يا شعب خذ بيد الشباب فإنهم

لك عند كل كريهة أعوان

واعرِف حقوق المصلحين فانما

بهم الحقوق الضائعات تصان

واعطف لريحان النُّفوس ورَوْحها

فله عليك تعطف وحنان

واسِ الضعيف يكن ليومك أسوة

وكذا الشُعوب كما تدين تدان

يا شرق يا مهد النوابغ شدّما

ساوى مكانٌ بينهم وزمان

للناس كان وإن أبت لبنان

فأمين ليس لها ولا جبران[٤]

المراجع

  1. محمد مهدي الجواهري، “سبيل الجماهير”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-23.
  2. مهدي محمد الجواهري (1998)، الجواهري في العيون من أشعاره (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، صفحة 236-237.
  3. محمد مهدي الجواهري، “كل ما في الكون حب وجمال”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-23.
  4. محمد مهدي الجواهري، “لبنان في العراق”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-23.