أبيات حكمة قوية

قصيدة نَظَرَ اللَيثُ إِلى عِجلٍ سَمين

نَظَرَ اللَيثُ إِلى عِجلٍ سَمين

كانَ بِالقُربِ عَلى غَيطٍ أَمين

فَاِشتَهَت مِن لَحمِهِ نَفسُ الرَئيس

وَكَذا الأَنفُسُ يُصيبُها النَفيس

قالَ لِلثَعلَبِ يا ذا الاِحتِيال

رَأسُكَ المَحبوبُ أَو ذاكَ الغَزال

فَدَعا بِالسَعدِ وَالعُمرِ الطَويل

وَمَضى في الحالِ لِلأَمرِ الجَليل

وَأَتى الغَيطَ وَقَد جَنَّ الظَلام

فَرَأى العِجلَ فَأَهداهُ السَلام

قائِلاً يا أَيُّها المَولى الوَزير

أَنتَ أَهلُ العَفوِ وَالبِرِّ الغَزير

حَمَلَ الذِئبَ عَلى قَتلى الحَسَد

فَوَشى بي عِندَ مَولانا الأَسَد

فَتَرامَيتُ عَلى الجاهِ الرَفيع

وَهوَ فينا لَم يَزَل نِعمَ الشَفيع

فَبَكى المَغرورُ مِن حالِ الخَبيث

وَدَنا يَسأَلُ عَن شَرحِ الحَديث

قالَ هَل تَجهَلُ يا حُلوَ الصِفات

أَنَّ مَولانا أَبا الأَفيالِ مات

فَرَأى السُلطانُ في الرَأسِ الكَبير

مَوطِنَ الحِكمَةِ وَالحِذقِ الكَثير

وَرَآكُم خَيرَ مَن يُستَوزَرُ

وَلِأَمرِ المُلكِ رُكناً يُذخَرُ

وَلَقَد عَدّوا لَكُم بَينَ الجُدود

مِثلَ آبيسَ وَمَعبودِ اليَهود

فَأَقاموا لِمَعاليكُم سَرير

عَن يَمينِ المَلكِ السامي الخَطير

وَاِستَعَدَّ الطَيرُ وَالوَحشُ لِذاك

في اِنتِظارِ السَيِّدِ العالي هُناك

فَإِذا قُمتُم بِأَعباءِ الأُمور

وَاِنتَهى الأُنسُ إِلَيكُم وَالسُرور

بَرِّؤوني عِندَ سُلطانِ الزَمان

وَاِطلُبوا لي العَفوَ مِنهُ وَالأَمان

وَكَفاكُم أَنَّني العَبدُ المُطيع

أَخدُمُ المُنعِمَ جَهدَ المُستَطيع
فَأَحَدَّ العِجلُ قَرنَيهِ وَقالَ
أَنتَ مُنذُ اليَومِ جاري لا تُنال

فَاِمضِ وَاِكشِف لي إِلى اللَيثِ الطَريق

أَنا لا يَشقى لَدَيهِ بي رَفيق

فَمَضى الخِلّانِ تَوّاً لِلفَلاه

ذا إِلى المَوتِ وَهَذا لِلحَياه

وَهُناكَ اِبتَلَعَ اللَيثُ الوَزير

وَحَبا الثَعلَبَ مِنهُ بِاليَسير

فَاِنثَنى يَضحَكُ مِن طَيشِ العُجول

وَجَرى في حَلبَةِ الفَخرِ يَقول

سَلِمَ الثَعلَبُ بِالرَأسِ الصَغير

فَفَداهُ كُلُّ ذي رَأسٍ كَبير

قصيدة أرق على أرق و مثلي يأرق

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ

وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ

جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى

عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ

ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ

إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ

جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي

نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ

وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ

فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ

وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني

عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا

أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ

أَبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ

نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ

جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا

أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى

كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا

مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ

حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ

خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا

أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ

وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ

وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ

وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ

وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ

وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي

مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ

حَذَراً عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ

حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ

أَمّا بَنو أَوسِ اِبنِ مَعنِ اِبنِ الرِضا

فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ

كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت

مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ

وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِم

مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ

وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ

لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ

مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّها

وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ

أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا

لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ

لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ

أَبَداً وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ

يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ

أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ

أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً

وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ

كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ

ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ

قصيدة لا تَفرَحَنَّ بِفَألٍ إِن سَمِعتَ بِهِ

لا تَفرَحَنَّ بِفَألٍ إِن سَمِعتَ بِهِ

وَلا تَطَيَّر إِذا ما ناعِبٌ نَعَبا

فَالخَطبُ أَفظَعُ مِن سَرّاءَ تَأمُلُها

وَالأَمرُ أَيسَرُ مِن أَن تُضمِرَ الرُعُبا

إِذا تَفَكَّرتَ فِكراً لا يُمازِجُهُ

فَسادُ عَقلٍ صَحيحٍ هانَ ما صَعُبا

فَاللُبُّ إِن صَحَّ أَعطى النَفسَ فَترَتَها

حَتّى تَموتَ وَسَمّى جِدَّها لَعِبا

وَما الغَواني الغَوادي في مَلاعِبِها

إِلّا خَيالاتُ وَقتٍ أَشبَهَت لُعَبا

زِيادَةُ الجِسمِ عَنَّت جِسمَ حامِلِهِ

إِلى التُرابِ وَزادَت حافِراً تَعَبا

قصيدة حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ

حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ

وَإِذا نَزَلتَ بِدارِ ذُلٍّ فَاِرحَلِ

وَإِذا بُليتَ بِظالِمٍ كُن ظالِم

وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجهَلي

وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ

خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ

فَاِعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِه

وَاِقدِم إِذا حَقَّ اللِقا في الأَوَّلِ

وَاِختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ

أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ

فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ

حِصنٌ وَلَو شَيَّدتَهُ بِالجَندَلِ

مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ

مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ

إِن كُنتَ في عَدَدِ العَبيدِ فَهِمَّتي

فَوقَ الثُرَيّا وَالسِماكِ الأَعزَلِ

أَو أَنكَرَت فُرسانُ عَبسٍ نِسبَتي

فَسِنانُ رُمحي وَالحُسامُ يُقِرُّ لي

وَبِذابِلي وَمُهَنَّدي نِلتُ العُل

لا بِالقَرابَةِ وَالعَديدِ الأَجزَلِ

وَرَمَيتُ مُهري في العَجاجِ فَخاضَهُ

وَالنارُ تَقدَحُ مِن شِفارِ الأَنصُلِ

خاضَ العَجاجَ مُحَجَّلاً حَتّى إِذ

شَهِدَ الوَقيعَةَ عادَ غَيرَ مُحَجَّلِ

وَلَقَد نَكَبتُ بَني حُريقَةَ نَكبَةً

لَمّا طَعَنتُ صَميمَ قَلبِ الأَخيَلِ

وَقَتَلتُ فارِسَهُم رَبيعَةَ عَنوَةً

وَالهَيذُبانَ وَجابِرَ بنَ مُهَلهَلِ

وَاِبنَي رَبيعَةَ وَالحَريشَ وَمالِك

وَالزِبرِقانُ غَدا طَريحَ الجَندَلِ

وَأَنا اِبنُ سَوداءِ الجَبينِ كَأَنَّه

ضَبُعٌ تَرَعرَعَ في رُسومِ المَنزِلِ

الساقُ مِنها مِثلُ ساقِ نَعامَةٍ

وَالشَعرُ مِنها مِثلُ حَبِّ الفُلفُلِ

وَالثَغرُ مِن تَحتِ اللِثامِ كَأَنَّهُ

بَرقٌ تَلَألَأَ في الظَلامِ المُسدَلِ

يا نازِلينَ عَلى الحِمى وَدِيارِهِ

هَلّا رَأَيتُم في الدِيارِ تَقَلقُلي

قَد طالَ عِزَّكُم وَذُلّي في الهَوى

وَمِنَ العَجائِبِ عِزَّكُم وَتَذَلَّلي

لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ

بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ

ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ

وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ