أشعار حافظ إبراهيم

لم يبقَ شىء

لَم يَبْقَ شَىء ٌ مِن الدُّنْيا بأَيْدِينا

إلاّ بَقِيّة ُدَمْعٍ في مآقِينَا

كنّا قِلادَة َ جِيدِ الدَّهْرِ فانفَرَطَتْ

وفي يَمينِ العُلا كنّا رَياحِينا

كانت مَنازِلُنا في العِزِّ شامِخة ً

لا تُشْرِقُ الشَّمسُ إلاّ في مَغانينا

وكان أَقْصَى مُنَى نَهْرِالمَجَرَّة لو

مِن مائِه مُزِجَتْ أَقْداحُ ساقِينا

والشُهْب لو أنّها كانت مُسَخرَّة ً

لِرَجْمِ من كانَ يَبْدُو مِن أَعادِينا

فلَم نَزَلْ وصُرُوفُ الدَّهرِ تَرْمُقُنا

شَزْراً وتَخدَعُنا الدّنيا وتُلْهينا

حتى غَدَوْنا ولا جاهٌ ولا نَشَبٌ

ولا صديقٌ ولا خِلٌّ يُواسِين

لا تلم كفي

لا تلم كفي إذا السيف نبا

صح منى العزم والدهر أبى

رب ساع مبصر فى سعيه

أخطأ التوفيق فيما طلبا

مرحبا بالخطب يبلونى إذا

كانت العلياء فيه السببا

عقنى الدهر ولولا أننى

أوثر الحسنى عققت الأدبا

إيه يا دنيا اعبسى أو فابسمى

ما أرى برقك إلا خلبا

أنا لولا أن لى من أمتى

خاذلاً ما بت أشكو النوبا

أمة قد فت فى ساعدها

بغضها الأهل و حب الغربا

تعشق الألقاب فى غير العلا

وتُفدى بالنفوس الرتبا

وهي والأحداث تستهدفها

تعشق اللهو وتهوى الطربا

لا تبالى لعب القوم بها

أم بها صرف الليالى لعبا

ليتها تسمع منى قصةً

ذات شجو وحديثاً عجباً

كنت أهوى فى زمانى غادة

وهب الله لها ما وهبا

ذات وجه مزج الله به

صفرة تنسى اليهود الذهبا

حملت لى ذات يوم نبأً

لا رعاك الله يا ذاك النبا

و أتت تخطر والليل فتى

وهلال الأفق فى الأفق حباً

ثم قالت لى بثغر باسم

نظم الدرّ به والحببا

نبئونى برحيل عاجل

لا أرى لى بعده منقلبا

ودعانى موطني أن أغتدى

علنى أقضى له ما وجبا

نذبح الدب ونفري جلده

أيظن الدب ألا يغلبا

قلت و الآلام تفرى مهجتى

ويك ما تفعل فى الحرب الظبا

ما عهدناها لظبى مسرحا

يبتغى ملهى به أو ملعباً

ليست الحرب نفوساً تشتهى

بالتمنى أو عقولاً تستبى

أحسبت القد من عدتها

أم حسبت اللحظ فيها كالشبا

فسلينى إننى مارستها و

ركبت الهول فيها مركبا

و تقحمت الردى فى غارة

أسدل النقع عليها هيدبا

قطبت ما بين عينيها لنا

فرأينا الموت فيها قطبا

جال عزرائيل فى أنحائها

تحت ذاك النقع يمشى الهيذبى

فدعيها للذى يعرفها

والزمى يا ظبية البان الخبا

فأجابتنى بصوت راعنى

وأرتني الظبي ليثا أغلبا

إن قومى استعذبوا ورد الردى

كيف تدعونىَ ألا أشربا

أنا يابانية لا أنثني

عن مرادي أو أذوق العطبا

أنا إن لم أحسن الرمي ولم

تستطع كفاي تقليب الظبا

أخدم الجرحى وأقضي حقهم و

أواسى فى الوغي من نُكبا

هكذا الميكاد قد علمنا

أن نرى الأوطان أماً وأبا

ملك يكفيك منه أنه

أنهض الشرق فهز المغربا

و إذا مارسته ألفيته

حُوّلا فى كل أمر قلبا

كان و التاج صغيرين معاً

وجلال الملك فى مهد الصبا

فغدا هذا سماء للعلا

وغداً ذلك فيها كوكبا

بعث الأمة من مرقدها

ودعاها للعلا أن تدأبا

فسمت للمجد تبغى شأوه

وقضت من كل شئ مأربا

رجعت لنفسي

رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي

وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي

رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني

عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي

وَلَدتُ ولما لم أجِدْ لعرائسي

رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي

وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً

وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ

فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة

وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ

أنا البحر في أحشائه الدر كامن

فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي

فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني

ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي

فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني

أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي

أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً

وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ

أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً

فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ

أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ

يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي

ولو تَزْجُرونَ الطَّيرَ يوماً عَلِمتُمُ

بما تحتَه مِنْ عَثْرَة ٍ وشَتاتِ

سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرة ِأَعْظُماً

يَعِزُّ عليها أن تلينَ قَناتِي

حَفِظْنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتُه

لهُنّ بقلبٍ دائمِ الحَسَراتِ

وفاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ

حَياءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِراتِ

أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً

مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة ِ

وأسمَعُ للكُتّابِ في مِصرَ ضَجّة ً

فأعلَمُ أنّ الصَّائحِين نُعاتي

أَيهجُرنِي قومِي عفا الله عنهمُ

إلى لغة لمْ تتّصلِ برواة ِ

سَرَتْ لُوثَة ُالافْرَنجِ فيها كمَا سَرَى

لُعابُ الأفاعي في مَسيلِ فُراتِ

فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعة ً

مشكَّلة َ الأَلوانِ مُختلفاتِ

إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ

بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي

فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى

وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي

وإمّا مَماتٌ لا قيامَة َ بَعدَهُ

مماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بمماتِ

يا سَيِّدي وإِمامي

يا سَيِّدي وإِمامي

ويا أديبَ الزَّمانِ

قد عاقنِي سُوءُ حظِّي

عنْ حفلة المهرجانِ

وكنتُ أوّلَ ساعٍ

إلَى رِحابِ ابنِ هاني

لكنْ مرضتُ لنحْسِي

في يومِ ذاكَ القرانِ

وقد كفاني عِقاباً

ما كانَ من حِرماني

حُرِمتُ رُؤْيَة َشوقي

ولَثمَ تلكَ البَنانِ

فاصفحْ فأنتَ خليقٌ

بالصَّفحِ عن كلِّ جاني

وعِشْ لعرشِ المعانِي

ودُمْ لتاجِ البيانِ

إنْ فَاتَني أنْ أُوَفِّي

بالأّمسِ حقَّ التَّهانِي

فاقبلهُ منِّي قضاءً

وكُن كَريمَ الجَنانِ

واللهُ يَقبَلُ مِنَّا الصَّـ

صَّلاة َبعدَ الأوانِ