شعر ابن زيدون
أيُوحِشُني الزّمانُ
أيُوحِشُني الزّمانُ، وَأنْتَ أُنْسِي
- وَيُظْلِمُ لي النّهارُ وَأنتَ شَمْسي
وَأغرِسُ في مَحَبّتِكَ الأماني
- فأجْني الموتَ منْ ثمرَاتِ غرسِي
لَقَدْ جَازَيْتَ غَدْراً عن وَفَائي
- وَبِعْتَ مَوَدّتي، ظُلْماً، ببَخْسِ
ولوْ أنّ الزّمانَ أطاعَ حكْمِي
- فديْتُكَ مِنْ مكارهِهِ بنَفسي
أثرتَ هزبْرَ الشّرَى إذْ ربضْ
أثرتَ هزبْرَ الشّرَى إذْ ربضْ
- ونبّهْتَهُ إذْ هدا فاغتمضْ
وما زلْتَ تبسُطُ مسترسلاً
- إليه يدَ البغْيِ لمّا انقبضْ
حذارِ حذارِ فإنّ الكريمَ
- إذا سيمَ خسفاً أبَى فامتعضْ
فإنّ سُكُونَ الشّجاعِ النَّهُوسِ
- ليسَ بمانعِهِ أنْ يعضْ
وَإنّ الكَواكِبَ لا تُسْتَزَلّ
- وَإنّ المَقَادِيرَ لا تُعْتَرَضْ
إذا رِيغَ فَلْيَقْتَصِدْ مُسْرِفٌ
- مساعٍ يقصِّرُ عنها الحفضْ
وهلْ واردُ الغمرِ منْ عدّهِ
- يُقَاسُ بِهِ مِسْتَشِفُّ البَرَضْ
إذا الشّمْسُ قابلْتَهَا أرمداً
- فَحَظُّ جُفُونِكَ في أنْ تُغَضّ
أرَى كُلّ مِجْرٍ أبَا عَامِرٍ
- يُسَرّ إذا في خَلاءٍ رَكَضْ
أُعِيذُكَ مِنْ أنْ تَرَى مِنْزَعي
- إذا وَتَرِي بِالمَنَايَا انْقَبضْ
فإنّي ألينُ لمنْ لانَ لي
- وَأتْرُكُ مَنْ رَامَ قَسْرِي حَرَضْ
وَكمْ حَرّكَ العِجْبُ مِنْ حَائِنٍ
- فغادرْتُهُ ما بِهِ منْ حبضْ
أبَا عامرٍ أيْنَ ذاكَ الوفاءُ
- إذِ الدّهرُ وسنانُ والعيشُ غضّ
وَأينَ الذِي كِنْتَ تَعْتَدّ مِنْ
- مصادقَتي الواجبَ المفترضْ
تَشُوبُ وَأمْحَضُ مُسْتَبْقِياً
- وهيهاتَ منْ شابَ ممّنْ محضْ
أبنْ لي ألمْ أضطلِعْ ناهضاً
- بأعباء برّكَ فيمنْ نهضْ
ألَمْ تَنْشَ مِنْ أدَبي نَفْحَة ً
- حسبْتَ بهَا المسكَ طيباً يفضّ
ألَمْ تَكُ مِنْ شِيمَتي غَادِياً
- إلى تُرَعٍ ضَاحَكْتُها فُرَضْ
ولولا اختصاصُكَ لمْ ألتفتْ
- لحالَيْكَ مِنْ صِحّة ً أوْ مَرَضْ
ولا عادَني منْ وفاءٍ سرورٌ
- وَلا نَالَني لِجَفَاءٍ مَضَضْ
يعزّ اعتصارُ الفتى وارداً
- إذا البَارِدُ العَذْبُ أهْدَى الجَرَضْ
إنّي ذكرْتُكِ بالزّهراء مشتاقاً
إنّي ذكرْتُكِ بالزّهراء مشتاقاً
- والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَا
وَللنّسيمِ اعْتِلالٌ في أصائِلِهِ
- كأنهُ رَقّ لي فاعْتَلّ إشْفَاقَاًً
والرّوضُ عن مائِه الفضّيّ مبتسمٌ
- كما شقَقتَ عنِ اللَّبّاتِ أطواقَاً
يَوْمٌ كأيّامِ لَذّاتٍ لَنَا انصرَمتْ
- بتْنَا لها حينَ نامَ الدّهرُ سرّاقَاً
نلهُو بما يستميلُ العينَ من زهرٍ
- جالَ النّدَى فيهِ حتى مالَ أعناقَاً
كَأنّ أعْيُنَهُ إذْ عايَنَتْ أرَقى
- بَكَتْ لِما بي فجالَ الدّمعُ رَقَرَاقَاً
وردٌ تألّقَ في ضاحي منابتِهِ
- فازْدادَ منهُ الضّحى في العينِ إشراقَاً
سرى ينافحُهُ نيلوفرٌ عبقٌ
- وَسْنَانُ نَبّهَ مِنْهُ الصّبْحُ أحْدَاقَاً
كلٌّ يهيجُ لنَا ذكرَى تشوّقِنَا
- إليكِ لم يعدُ عنها الصّدرُ أن ضاقَا
لا سكّنَ اللهُ قلباً عقّ ذكرَكُمُ
- فلم يطرْ بجناحِ الشّوقِ خفّاقَاً
لوْ شاء حَملي نَسيمُ الصّبحِ حينَ سرَى
- وافاكُمُ بفتىً أضناهُ ما لاقَى
لوْ كَانَ وَفّى المُنى في جَمعِنَا بكمُ
- لكانَ منْ أكرمِ الأيّامِ أخلاقَاً
يا علقيَ الأخطرَ الأسنى الحبيبَ إلى
- نَفسي إذا ما اقتنَى الأحبابُ أعلاقَاً
كان التَّجاري بمَحض الوُدّ مذ زمَن
- ميدانَ أنسٍ جريْناً فيهِ أطلاقاً
فالآنَ أحمدَ ما كنّا لعهدِكُمُ
- سلوْتُمُ وبقينَا نحنُ عشّاقَا
أضْحَى التّنائي بَديلاً منْ تَدانِينَا
أضْحَى التّنائي بَديلاً منْ تَدانِينَا
- وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا
ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبّحَنا
- حَيْنٌ فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا
مَنْ مبلغُ الملبسِينا بانتزاحِهمُ
- حُزْناً معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
- أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا
- بِأنْ نَغَصَّ فَقالَ الدهر آمينَا
فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا
- وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا
وَقَدْ نَكُونُ وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا
- فاليومَ نحنُ ومَا يُرْجى تَلاقينَا
يا ليتَ شعرِي ولم نُعتِبْ أعاديَكم
- هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا
لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُمْ
- رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينَاً
ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَدٍ
- بِنا ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَا
كُنّا نرَى اليَأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُه
- وَقَدْ يَئِسْنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَا
بِنْتُم وَبِنّا فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا
- شَوْقاً إلَيكُمْ وَلا جَفّتْ مآقِينَا
نَكادُ حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا
- يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا
حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا فغَدَتْ
- سُوداً وكانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا
إذْ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تألُّفِنا
- وَمَرْبَعُ اللّهْوِ صَافٍ مِنْ تَصَافِينَا
وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانية ً
- قِطَافُها فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا
ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السّرُورِ فَما
- كُنْتُمْ لأروَاحِنَا إلاّ رَياحينَا
لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا
- أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا
وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً
- مِنْكُمْ وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا
يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القصرَ وَاسقِ به
- مَن كانَ صِرْف الهَوى وَالوُدَّ يَسقينَا
وَاسألْ هُنالِكَ هَلْ عَنّى تَذكُّرُنا
- إلفاً تذكُّرُهُ أمسَى يعنّينَا؟
وَيَا نسيمَ الصَّبَا بلّغْ تحيّتَنَا
- مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا