أشعار حب ووداع

نودعكم أحبتنا وداعا

يقول اللواح:

ودعكم أحبتنا وداعاً

قصارى ستة لكم ارتجاعا

نودعكم وفي الأحشاء منا

أجيج الشوق يلتذع التذاعا

نودعكم وفي الوجنات هام

أبي الدمع منحدراً تداعى

نراعيكم على قرب وبعد

ومثلكمو أحق بأن يراعى

أراع اللَه قلباً غير راع

حفاظكم ولا بكم أراعا

نودعكم أحبتنا ونرجو

على إثر الوداع نرى اجتماعا

ولولا حب بيت اللَه ما إن

نوينا عن مقاربكم نزاعا

سألنا اللَه يرجعنا إليكم

وقد نلنا المراد به سراعا

سنذكركم بمكة في المساعي

فتوسعكم موقيتاً وساعا

ونطلب ربنا لكمو رضاه

ونطلب أحمداً لكم الشفاعا

ونطلب منكم الدعوات يكما

بها في القصد ننتفع انتفاعا

وألف تحية منا عليكم

كنثر الروض أو كالمسك ضاعا

قد أمات الهجران صبيان قلبي

يقول الجاحظ:

قَد أَماتَ الهِجرانُ صِبيانُ قَلبي

فَفُؤادي مُعَذَّبٌ في خِبال

كَسَرَ البَينُ لَوحَ كَبدي فَما أَط

مَعَ مِمَّن هَوَيتَهُ في وِصال

رَفَعَ الرَقَمُ مِن حَياتي وَقَد أَط

لَقَ مَولايَ حَبلَهُ مِن حِبالي

مَشقُ الحُبِّ في فُؤادي لَو حي

نَ فَاِغرى جَوانِحي بِالسِلالِ

لاقَ قَلبي بَنانَه فَمَدادُ ال

عَينِ مِن هَجرِ مالِكي في اِنهِمالِ

كَرَسفِ البَينِ سودُ الوَجهِ مِن وَص

لي فَقَلبي بِالبَينِ في اِشعالِ

كم مر بي فيك عيش لست أذكره

يقول حافظ ابراهيم :

كَم مَرَّ بي فيكِ عَيشٌ لَستُ أَذكُرُهُ

وَمَرَّ بي فيكِ عَيشٌ لَستُ أَنساهُ

وَدَّعتُ فيكِ بَقايا ما عَلِقتُ بِهِ

مِنَ الشَبابِ وَما وَدَّعتُ ذِكراهُ

أَهفو إِلَيهِ عَلى ما أَقرَحَت كَبِدي

مِنَ التَباريحِ أولاهُ وَأُخراهُ

لَبِستُهُ وَدُموعُ العَينِ طَيِّعَةٌ

وَالنَفسُ جَيّاشَةٌ وَالقَلبُ أَوّاهُ

فَكانَ عَوني عَلى وَجدٍ أُكابِدُهُ

وَمُرِّ عَيشٍ عَلى العِلّاتِ أَلقاهُ

إِن خانَ وُدّي صَديقٌ كُنتُ أَصحَبُهُ

أَو خانَ عَهدي حَبيبٌ كُنتُ أَهواهُ

قَد أَرخَصَ الدَمعَ يَنبوعُ الغَناءِ بِهِ

وا لَهفَتي وَنُضوبُ الشَيبِ أَغلاهُ

كَم رَوَّحَ الدَمعُ عَن قَلبي وَكَم غَسَلَت

مِنهُ السَوابِقُ حُزناً في حَناياهُ

لَم أَدرِ ما يَدُهُ حَتّى تَرَشَّفَهُ

فَمُ المَشيبِ عَلى رَغمي فَأَفناهُ

قالوا تَحَرَّرتَ مِن قَيدِ المِلاحِ فَعِش

حُرّاً فَفي الأَسرِ ذُلٌّ كُنتَ تَأباهُ

فَقُلتُ يا لَيتَهُ دامَت صَرامَتُهُ

ما كانَ أَرفَقُهُ عِندي وَأَحناهُ

بُدِّلتُ مِنهُ بِقَيدٍ لَستُ أُفلَتُهُ

وَكَيفَ أُفلَتُ قَيداً صاغَهُ اللَهُ

أَسرى الصَبابَةِ أَحياءٌ وَإِن جَهِدوا

أَمّا المَشيبُ فَفي الأَمواتِ أَسراهُ

عوضني بالبعد من قربه

يقول ابن سناء الملك:

عوّضَني بالبُعْدِ مِنْ قُرْبِهِ

ومن رُقَادِي مَعَهُ بالسَّهَرْ

إِنِّي من ذِكراهُ في جَنَّةٍ

ومِنْ دُمُوعِي بعده في نَهَرْ

بين حزني وحسنه اليوسفي

يقول ابن الساعاتي :

بين حزني وحسنه اليوسفي

نسبٌ كالصباح غير دعي

لم تغادر لحاظ ذا الغادر الـ

ـمقلة صبراً للمستهام الوفي

بابلي الجفون نقع غليلي

منه في رشف ريقه البابلي

يتشكى من ردفه دقة الخصـ

ـر تشتكي الضعيف جور القوي

من لباكٍ من ضاحكٍ وشج

يٍ بخليٍ ومحسنٍ بمسي

وغني الهوى فقيرٍ من السلـ

ـوة فأعجب من الفقير الغني

لن يجيب النداء غير بهاء الديـ

ـن ترب الندى هلال الندي

ذي نجار مستنزل مدحنا

العلوي عن مثل مجده العلوي

وثناءٍ أفاحه عرض المال

وعرضٍ يزري على المندلي

قائلٌ فاعلٌ وتلك خلالٌ

فيه كانت من قبله في النبي

صادق الوعد ثابت العهد ساري

الذكر ثبت الحيا غزير الحبي

جاءت تودعني والدمع يغلبها

يقول ابن عنين:

جاءَت تُوَدِّعُني وَالدَمعُ يَغلُبُها

عِندَ الرَحيلِ وَحادي البَينِ مُنصَلِتُ

وَأَقبَلَت وَهيَ في خَوفٍ وَفي دَهشٍ

مِثلَ الغَزالِ مِنَ الأَشراكِ يَنفَلِتُ

فَلَم تُطِق خيفَةَ الواشي تُوَدِّعُني

وَيحَ الوُشاةِ لَقَد لاموا وَقَد شَمَتوا

وَقَفتُ أَبكي وَراحَت وَهيَ باكِيَةٌ

تَسيرُ عَنّي قَليلاً ثُمَّ تَلتَفِتُ

فَيا فُؤادِيَ كَم وَجدٍ وَكَم حَزَنٍ

وَيا زَمانِيَ ذا جَورٌ وَذا عَنَتُ

عندما يرتحل القلب

يقول عبدالرحمن العشماوي:

رحلت كلا ولكن قلبي ارتحلا

فمن يقول إذا أقبلت حيهلا

ومن يسافر في قلبي يرى أملا

عذبا ويبصر في أطرافه وجلا

ومن يصفف شعر الليل لا رقصت

نجومه بعد أن غبنا ولا احتفلا

ومن يلقن ضوء البدر أغنية

كنا نكتمها عن غيره خجلا

ومن يطمئن نفسي بعد وحشتها

ومن يجفف دمعي بعد ما انهملا

ومن يرد إلى صبري كرامته

من بعد ماضاق عن جرحي وما احتملا

رحلت كلا ولكن بسمتي رحلت

وكل مايجلب الأفراح لي رحلا

هذا هو الفجر قد جفت منابعه

كأنه شفة لم تعرف القبلا

وسافرت في مداها الشمس واجمة

وجوم فاتنة تستعطف الأملا

باتت وفي أذنيها صوت فارسها

وأصبحت تتلقى خطبها الجللا

يامن تسطر في سفر الفؤاد هوى

قد صار للسحر من تأثيره مثلا

أقفلت باب الرضا بعد الرحيل فهل

علمت أن حصان الشوق قد جفلا

وأن أرضي التي غادرتها لبست

ثوب الجفاف وصارت بعدكم طللا

وأن ذاكرتي صارت مغلقة

عن غير ذكراك لم تحفل بما حصلا

رحلوا فأية عبرة لم تسكب

يقول البحتري:

رَحَلوا فَأَيَّةُ عَبرَةٍ لَم تُسكَبِ

أَسَفاً وَأَيُّ عَزيمَةٍ لَم تُغلَبِ

قَد بَيَّنَ البَينُ المُفَرِّقُ بَينَنا

عِشقَ النَوى لِرَبيبِ ذاكَ الرَبرَبِ

صَدَقَ الغُرابُ لَقَد رَأَيتُ شُموسَهُم

بِالأَمسِ تَغرُبُ في جَوانِبِ غُرَّبِ

لَو كُنتَ شاهِدَنا وَما صَنَعَ الهَوى

بِقُلوبِنا لَحَسَدتَ مَن لَم يُحبِبِ

شُغِلَ الرَقيبُ وَأَسعَدَتنا خَلوَةٌ

في هَجرِ هَجرٍ وَاِجتِنابِ تَجَنُّبِ

فَتَلَجلَجَت عَبَراتُها ثُمَّ اِنبَرَت

تَصِفُ الهَوى بِلِسانِ دَمعٍ مُعرِبِ

تَشكو الفِراقَ إِلى قَتيلِ صَبابَةِ

شَرِقِ المَدامِعِ بِالفِراقِ مُعَذَّبِ

أَأُطيعُ فيكِ العاذِلاتِ وَكِسوَتي

وَرَقُ الشَبابِ وَشِرَّتي لَم تَذهَبِ

وَإِذا التَفَتُّ إِلى سِنِيَّ رَأَيتُها

كَمَجَرِّ حَبلِ الخالِعِ المُتَصَعِّبِ

عِشرونَ قَصَّرَها الصِبا وَأَطالَها

وَلَعُ العِتابِ بِهائِمٍ لَم يُعتَبِ

ما لي وَلِلأَيّامِ صَرَّفَ صَرفُها

حالي وَأَكثَرَ في البِلادِ تَقَلُّبي

أُمسي زَميلاً لِلظَلامِ وَأَغتَدي

رِدفاً عَلى كَفَلِ الصَباحِ الأَشهَبِ

فَأَكونُ طَوراً مَشرِقاً لِلمَشرِقِ الـ

ـأَقصى وَطَوراً مَغرِباً لِلمَغرِبِ

وَإِذا الزَمانُ كَساكَ حُلَّةَ مُعدِمٍ

فَاِلبَس لَهُ حُلَلَ النَوى وَتَغَرَّبِ

وَلَقَد أَبيتُ مَعِ الكَواكِبِ راكِباً

أَعجازَها بِعَزيمَةٍ كَالكَوكَبِ