قصيدة غزل للمتنبي

قصيدة أتظعن يا قلب مع من ظعن

أتظعَنُ يا قلبُ مع من ظعَنْ

حَبيبَينِ أندُبُ نفسي إذَنْ

ولم لا أصابُ وحربُ البسو

سِ بينَ جفوني وبينَ الوسَن

وهل أنا بعدَكُم عائشٌ

وقد بنتَ عنّي وبانَ السكَن

فدى ذلكَ الوجه بدرُ الدجى

وذاك التثنّي تثنّي الغُصُن

فما للفراق وما للجميع

وما للرياح وما للدِمَن

كأنْ لم يكن بعد أن كان لي

كما كان لي بعد أن لم يكُن

ولم يسقني الراح ممزوجَةً

بماءِ اللِّثَى لا بماءِ المُزَن

لها لونُ خدّيهِ في كفِّهِ

وريحُكَ يا أحمدَ بنَ الحسَن

ألَم يُلفِكَ الشرفُ اليعرُبيّ

وأنتَ غريبَةُ أهل الزَمَن

كأنَّ المحاسنَ غارَت عليكَ

فسَلَّت لدَيكَ سُيوفَ الفِتَن

لَذِكرُكَ أطيبُ من نشرِها

ومدحُكَ أحلى سماعِ الأُذُن

فَلَم يَرَكَ الناسُ إلا غنوا

برُؤياكَ عن قولِ هذا ابنُ مَن

ولو قُصِدَ الطفلُ من طَيّئٍ

لشاركَ قاصِدُهُ في اللبَن

فما البَحرُ في البرِّ إلا نداكَ

وما الناسُ في الباسِ إلا اليمَن

قصيدة اليوم عهدكم فأين الموعد

اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ

هَيهاتَ لَيسَ لِيَومِ عَهدِكُمُ غَدُ

المَوتُ أَقرَبُ مِخلَباً مِن بَينِكُم

وَالعَيشُ أَبعَدُ مِنكُمُ لا تَبعُدوا

إِنَّ الَّتي سَفَكَت دَمي بِجُفونِها

لَم تَدرِ أَنَّ دَمي الَّذي تَتَقَلَّدُ

قالَت وَقَد رَأَتِ اِصفِرارِيَ مَن بِهِ

وَتَنَهَّدَت فَأَجَبتُها المُتَنَهِّدُ

فَمَضَت وَقَد صَبَغَ الحَياءُ بَياضَها

لَوني كَما صَبَغَ اللُجَينَ العَسجَدُ

فَرَأَيتُ قَرنَ الشَمسِ في قَمَرِ الدُجى

مُتَأَوِّداً غُصنٌ بِهِ يَتَأَوَّدُ

عَدَوِيَّةٌ بَدَوِيَّةٌ مِن دونِها

سَلبُ النُفوسِ وَنارُ حَربٍ توقَدُ

وَهَواجِلٌ وَصَواهِلٌ وَمَناصِلٌ

وَذَوابِلٌ وَتَوَعُّدٌ وَتَهَدُّدُ

أَبلَت مَوَدَّتَها اللَيالي بَعدَنا

وَمَشى عَلَيها الدَهرُ وَهوَ مُقَيَّدُ

بَرَّحتَ يا مَرَضَ الجُفونِ بِمُمرَضٍ

مَرِضَ الطَبيبُ لَهُ وَعيدَ العُوَّدُ

فَلَهُ بَنو عَبدِ العَزيزِ بنِ الرِضا

وَلِكُلِّ رَكبٍ عيسُهُم وَالفَدفَدُ

مَن في الأَنامِ مِنَ الكِرامِ وَلا تَقُل

مَن فيكِ شَأمُ سِوى شُجاعٍ يُقصَدُ

أَعطى فَقُلتُ لِجودِهِ ما يُقتَنى

وَسَطا فَقُلتُ لِسَيفِهِ ما يولَدُ

وَتَحَيَّرَت فيهِ الصِفاتُ لِأَنَّها

أَلفَت طَرائِقَهُ عَلَيها تَبعُدُ

في كُلِّ مُعتَرَكٍ كُلىً مَفرِيَّةٌ

يَذمُمنَ مِنهُ ما الأَسِنَّةُ تَحمَدُ

نِقَمٌ عَلى نِقَمِ الزَمانِ يَصُبُّها

نِعَمٌ عَلى النِعَمِ الَّتي لا تُجحَدُ

في شانِهِ وَلِسانِهِ وَبَنانِهِ

وَجَنانِهِ عَجَبٌ لِمَن يَتَفَقَّدُ

أَسَدٌ دَمُ الأَسَدِ الهِزَبرِ خِضابُهُ

مَوتٌ فَريصُ المَوتِ مِنهُ تُرعَدُ

ما مَنبِجٌ مُذ غِبتَ إِلّا مُقلَةٌ

سَهِدَت وَوَجهُكَ نَومُها وَالإِثمِدُ

فَاللَيلُ حينَ قَدِمتَ فيها أَبيَضٌ

وَالصُبحُ مُنذُ رَحَلتَ عَنها أَسوَدُ

ما زِلتَ تَدنو وَهيَ تَعلو عِزَّةً

حَتّى تَوارى في ثَراها الفَرقَدُ

أَرضٌ لَها شَرَفٌ سِواها مِثلُها

لَو كانَ مِثلُكَ في سِواها يُوجَدُ

أَبدى العُداةُ بِكَ السُرورَ كَأَنَّهُم

فَرِحوا وَعِندَهُمُ المُقيمُ المُقعِدُ

قَطَّعتَهُم حَسَداً أَراهُم ما بِهِم

فَتَقَطَّعوا حَسَداً لِمَن لا يَحسُدُ

حَتّى اِنثَنوا وَلَوَ أَنَّ حَرَّ قُلوبِهِم

في قَلبِ هاجِرَةٍ لَذابَ الجَلمَدُ

نَظَرَ العُلوجُ فَلَم يَرَوا مَن حَولَهُم

لَمّا رَأَوكَ وَقيلَ هَذا السَيِّدُ

بَقِيَت جُموعُهُمُ كَأَنَّكَ كُلُّها

وَبَقيتَ بَينَهُمُ كَأَنَّكَ مُفرَدُ

لَهفانَ يَستَوبي بِكَ الغَضَبَ الوَرى

لَو لَم يُنَهنِهكَ الحِجى وَالسُؤدُدُ

كُن حَيثُ شِئتَ تَسِر إِلَيكَ رِكابُنا

فَالأَرضُ واحِدَةٌ وَأَنتَ الأَوحَدُ

وَصُنِ الحُسامَ وَلا تُذِلهُ فَإِنَّهُ

يَشكو يَمينَكَ وَالجَماجِمُ تَشهَدُ

يَبِسَ النَجيعُ عَلَيهِ وَهوَ مُجَرَّدٌ

مِن غِمدِهِ وَكَأَنَّما هُوَ مُغمَدُ

رَيّانَ لَو قَذَفَ الَّذي أَسقَيتَهُ

لَجَرى مِنَ المُهَجاتِ بَحرٌ مُزبِدُ

ما شارَكَتهُ مَنِيَّةٌ في مُهجَةٍ

إِلّا وَشَفرَتُهُ عَلى يَدِها يَدُ

إِنَّ الرَزايا وَالعَطايا وَالقَنا

حُلَفاءُ طَيٍّ غَوَّروا أَو أَنجَدوا

صِح يا لَجُلهُمَةٍ تُجِبكَ وَإِنَّما

أَشفارُ عَينِكَ ذابِلٌ وَمُهَنَّدُ

مِن كُلِّ أَكبَرَ مِن جِبالِ تِهامَةٍ

قَلباً وَمِن جَودِ الغَوادي أَجوَدُ

يَلقاكَ مُرتَدِياً بِأَحمَرَ مِن دَمٍ

ذَهَبَت بِخُضرَتِهِ الطُلى وَالأَكبُدُ

حَتّى يُشارَ إِلَيكَ ذا مَولاهُمُ

وَهُمُ المَوالي وَالخَليقَةُ أَعبُدُ

أَنّى يَكونُ أَبا البَرِيَّةِ آدَمٌ

وَأَبوكَ وَالثَقلانِ أَنتَ مُحَمَّدُ

يَفنى الكَلامُ وَلا يُحيطُ بِوَصفِكُم

أَيُحيطُ ما يَفنى بِما لا يَنفَدُ

قصيدة أركائب الأحباب إن الأدمعا

أرَكائِبَ الأحْبابِ إنّ الأدْمُعَا

تَطِسُ الخُدودَ كما تَطِسْنَ اليرْمَعا

فاعْرِفْنَ مَن حمَلَتْ عليكنّ النّوَى

وامشَينَ هَوْناً في الأزِمّةِ خُضَّعَا
قد كانَ يَمنَعني الحَياءُ منَ البُكَا
فاليَوْمَ يَمْنَعُهُ البُكا أنْ يَمْنَعَا

حتى كأنّ لكُلّ عَظْمٍ رَنّةً

في جِلْدِهِ ولكُلّ عِرْقٍ مَدْمَعَا

وكَفَى بمَن فَضَحَ الجَدايَةَ فاضِحاً

لمُحبّهِ وبمَصْرَعي ذا مَصْرَعَا

سَفَرَتْ وبَرْقَعَها الفِراقُ بصُفْرَةٍ

سَتَرَتْ مَحاجرَها ولم تَكُ بُرْقُعَا

فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها

ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا

نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها

في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا

واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها

فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا

رُدّي الوِصالَ سقَى طُلولَكِ عارِضٌ

لوْ كانَ وَصْلُكِ مِثْلَهُ ما أقْشَعَا

زَجِلٌ يُرِيكَ الجَوَّ ناراً والمَلا

كالبَحْرِ والتّلَعاتِ رَوْضاً مُمْرِعَا

كبَنَانِ عَبدِ الواحدِ الغَدِقِ الذي

أرْوَى وأمّنَ مَن يَشاءُ وأجْزَعَا

ألِفَ المُروءَةَ مُذْ نَشَا فَكَأنّهُ

سُقِيَ اللِّبَانَ بهَا صَبِيّاً مُرْضَعَا

نُظِمَتْ مَواهِبُهُ عَلَيْهِ تَمائِماً

فاعْتادَها فإذا سَقَطْنَ تَفَزّعَا

تَرَكَ الصّنائِعَ كالقَواطِعِ بارِقا

تٍ والمَعاليَ كالعَوالي شُرَّعَا

مُتَبَسّماً لعُفاتِهِ عَنْ واضِحٍ

تَغْشَى لَوامِعُهُ البُروقَ اللُّمّعَا

مُتَكَشّفاً لعُداتِهِ عَنْ سَطْوَةٍ

لوْ حَكّ مَنكِبُها السّماءَ لزَعزَعَا

الحَازِمَ اليَقِظَ الأغَرَّ العالِمَ ال

فَطِنَ الألَدّ الأرْيَحيّ الأرْوَعَا

الكاتِبَ اللّبِقَ الخَطيبَ الواهِبَ ال

نّدُسَ اللّبيب الهِبْرِزِيّ المِصْقَعَا

نَفْسٌ لها خُلْقُ الزّمانِ لأنّهُ

مُفني النّفُوسِ مُفَرِّقٌ ما جَمّعَا

ويَدٌ لهَا كَرَمُ الغَمَام لأنّهُ

يَسقي العِمارَةَ والمكانَ البَلقَعَا

أبَداً يُصَدّعُ شَعْبَ وَفْرٍ وافِرٍ

ويَلُمُّ شَعْبَ مكارِمٍ مُتَصَدّعَا

يَهْتَزّ للجَدْوَى اهْتِزازَ مُهَنّدٍ

يَوْمَ الرّجاءِ هَزَزْتَهُ يومَ الوَغى

يا مُغْنِياً أمَلَ الفَقيرِ لِقاؤهُ

ودُعاؤهُ بَعْدَ الصّلاةِ إذا دَعَا

أقْصِرْ ولَستَ بمُقْصِرٍ جُزْتَ المدى

وبلغتَ حيثُ النّجمُ تحتكَ فارْبَعَا

وحَلَلْتَ من شَرفِ الفَعالِ مَواضِعاً

لم يَحْلُلِ الثّقَلانِ مِنْها مَوْضِعَا

وحَوَيْتَ فَضْلَهُما وما طَمِعَ امرُؤٌ

فيهِ ولا طَمِعَ امرُؤٌ أنْ يَطْمَعَا

نَفَذَ القَضاءُ بمَا أرَدْتَ كأنّهُ

لكَ كُلّما أزْمَعْتَ أمراً أزمَعَا

وأطاعَكَ الدّهْرُ العَصِيُّ كأنّهُ

عَبْدٌ إذا نادَيْتَ لَبّى مُسْرِعَا

أكَلَتْ مَفاخِرُكَ المَفاخرَ وانْثَنَتْ

عن شأوِهنّ مَطيُّ وَصْفي ظُلَّعَا

وجَرَينَ جَرْيَ الشّمسِ في أفلاكِها

فقَطَعْنَ مَغرِبَها وجُزْنَ المَطْلِعَا

لوْ نِيطَتِ الدّنْيا بأُخْرَى مِثْلِها

لَعَمَمْنَهَا وخَشينَ أنْ لا تَقْنَعَا

فمَتى يُكَذَّبُ مُدّعٍ لكَ فَوْقَ ذا

والله يَشْهَدُ أنّ حَقّاً ما ادّعَى

ومتى يُؤدّي شَرْحَ حالِكَ ناطِقٌ

حَفِظَ القَليلَ النّزْرَ مِمّا ضَيّعَا

إنْ كانَ لا يُدْعَى الفَتى إلاّ كَذا

رَجُلاً فَسَمِّ النّاسَ طُرّاً إصْبَعَا

إنْ كانَ لا يَسْعَى لجُودٍ ماجِدٌ

إلاّ كَذا فالغَيْثُ أبخَلُ مَن سَعَى

قَدْ خَلّفَ العَبّاسُ غُرّتَكَ ابنَهُ

مَرْأًى لَنا وإلى القِيامَةِ مَسْمَعَا

من قصيدة أزائر يا خيال أم عائد

يا طفلة الكف عبلة الساعد

على البعير المقلدِ الواخدْ

زيدي أذى مهجتي أزدك هوى

فأجهل الناس عاشقٌ حاقدْ

حكيت يا ليل فرعها الوارد

فاحك نواها لجفني الساهدْ

طال بكائي على تذكرها

وطلت حتى كلاكما واحدْ