أشعار العصر الجاهلي

شعر العصر الجاهلي

شعر العصر الجاهلي هو الشعر الذي قاله شعراء العرب قبل الإسلام، وتميز بمعانيه العميقة، ووجود الحكمة بشكل كبير وواضح، وتتميز القصيدة الواحدة في العصرالجاهلي بتعدد مواضيعها، وفي الشعر يقوم الشعراء بالتعبير عن عواطفهم لمن يحبون، وهناك العديد من القصائد الشعرية التي قام الشعراء بصياغتها في العصر الجاهلي وهنا نذكر بعضاً منها.

لست آكله وحدي

حاتم الطائي شاعر عربي من العصر الجاهلي، تميز بكرمه فكان يُحسن إكرام ضيفه، وقد قامت زوجته بطلب الطلاق منه لهذا السبب، وله من الذرية بنت وصبي، وفي هذه القصيدة يتكلم حاتم الطائي مع زوجته مايا بنت عبد الله:[١]

أَيا اِبنَةَ عَبدِ اللَهِ وَاِبنَةَ مالِك

وَيا اِبنَةَ ذي البُردَينِ وَالفَرَسِ الوَردِ

إِذا ما صَنَعتِ الزادِ فَاِلتَمِسي لَهُ

أَكيلاً فَإِنّي لَستُ آكِلَهُ وَحدي

أَخاً طارِقاً أَو جارَ بَيتٍ فَإِنَّني

أَخافُ مَذَمّاتِ الأَحاديثِ مِن بَعدي

وَإِنّي لَعَبدُ الضَيفِ ما دامَ ثاوِي

وَما فيَّ إِلّا تِلكَ مِن شيمَةِ العَبدِ

أهاجك من سعداك مغنى المعاهد

النابغة الذبياني شاعر جاهلي، ولد عام 535م وتوفي عام 604م، ولقب بهذا الاسم لأنّه أبدع في الشعر دفعة واحدة، وهنا في هذه القصيدة يمدح النابغة الذبياني النعمان بن المنذر فيقول:[٢]

أَهاجَكَ مِن سُعداكَ مَغنى المَعاهِدِ

بِرَوضَةِ نُعمِيٍّ فَذاتِ الأَساوِدِ

تَعاوَرَها الأَرواحُ يَنسِفنَ تُربَها

وَكُلُّ مُلِثٍّ ذي أَهاضيبَ راعِدِ

بِها كُلُّ ذَيّالٍ وَخَنساءَ تَرعَوي

إِلى كُلِّ رَجّافٍ مِنَ الرَملِ فارِدِ

عَهِدتُ بِها سُعدى وَسُعدى غَريرَةٌ

عَروبٌ تَهادى في جَوارٍ خَرائِدِ

لَعَمري لَنِعمَ الحَيِّ صَبَّحَ سِربَنا

وَأَبياتَنا يَوماً بِذاتِ المَراوِدِ

يَقودُهُمُ النُعمانُ مِنهُ بِمُحصَفٍ

وَكَيدٍ يَغُمُّ الخارِجِيَّ مُناجِدِ

وَشيمَةِ لا وانٍ وَلا واهِنِ القُوى

وَجَدٍّ إِذا خابَ المُفيدونَ صاعِدِ

فَآبَ بِأَبكارٍ وَعونٍ عَقائِلٍ

أَوانِسَ يَحميها اِمرُؤٌ غَيرُ زاهِدِ

يُخَطَّطنَ بِالعيدانِ في كُلِّ مَقعَدٍ

وَيَخبَأنَ رُمّانَ الثُدِيِّ النَواهِدِ

وَيَضرِبنَ بِالأَيدي وَراءَ بَراغِزٍ

حِسانِ الوُجوهِ كَالظِباءِ العَواقِدِ

غَرائِرُ لَم يَلقَينَ بَأساءَ قَبلَها

لَدى اِبنِ الجُلاحِ ما يَثِقنَ بِوافِدِ

أَصابَ بَني غَيظٍ فَأَضحَوا عِبادَهُ

وَجَلَّلَها نُعمى عَلى غَيرِ واحِدِ

فَلا بُدَّ مِن عَوجاءَ تَهوي بِراكِبٍ

إِلى اِبنِ الجُلاحِ سَيرُها اللَيلَ قاصِدِ

تَخُبُّ إِلى النُعمانِ حَتّى تَنالَهُ

فِدىً لَكَ مِن رَبٍّ طَريفي وَتالِدي

فَسَكَّنتَ نَفسي بَعدَما طارَ روحُها

وَأَلبَستَني نُعمى وَلَستُ بِشاهِدِ

وَكُنتُ اِمرَأً لا أَمدَحُ الدَهرَ سوقَةٍ

فَلَستُ عَلى خَيرٍ أَتاكَ بِحاسِدِ

سَبَقتَ الرِجالَ الباهِشينَ إِلى العُلى

كَسَبقِ الجَوادِ اِصطادَ قَبلَ الطَوارِدِ

عَلَوتَ مَعَدّاً نائِلاً وَنِكايَةً

فَأَنتَ لِغَيثِ الحَمدِ أَوَّلُ رائِدِ

أنذرت أعدائي غدا

عمرو بن كلثوم شاعر جاهلي ولد في البحرين عام 526م وتوفي عام 584م، وهو من أصحاب المعلقات الذين برز اسمهم في العصر الجاهلي آنذاك، ومن أجمل قصائده:[٣]

أنذرت أعدائي غدا

ة قنا حديا الناس طرا

لا مرعيا مرعى لهم

ما فاتني أمسيت حرا

حلوا إذا ابتغي الحل

وة واستحب الجهد مرا

كم من عدو جاهد

بالشر لو يسطيع شرا

يغتاب عرضي غائبا

فإذا تلاقَينا اقشعرا

يبدي كلاما لين

عندي ويحقر مستسرا

إني امرؤ أبدي مخ

لفتي وأكره أن أسرا

من عصبة شم الأنو

ف ترى عدوهم مصرا

أفناء تغلب والدي

ويدي إذا ما البأس ضرا

والرافعين بناءهم

فتراه أشمخ مشمخرا

والمانعين بناتهم

عند الوغى حدبا وبرا

والمطعمين لدى الشتا

ء سدائفا من النيب غرا

ولقد شهِدت الخيل تح

ت الدارِعين تزر زرا

نازعت أولاها الكتي

بة معجما طرفا طمرا

بين العقيق وبين برقة ثهمد

عنترة بن شداد من أبرز شعراء العصر الجاهلي، واشتهر شعره بالغزل العفيف، وقتل على يد الأسد الرهيص الطائي، وهنا يتغزل الشاعر عنترة بن شداد في محبوبته عبلة:[٤]

بين العقيق وبينَ برْقَة ِ ثهْمَد

طللٌ لعبلة َ مستهلُّ المعهدِ

يا مسرحَ الآرام في وادي الحمى

هل فيكَ ذو شجنٍ يروحُ ويغتدي

في أَيمَن العَلميْن دَرْسُ مَعالمٍ

أوهى بها جلدي وبانَ تجلدِي

منْ كلّ فاتنة ٍ تلفتْ جيدُها

مرحاً كسالفة ِ الغزالِ الأغيد

يا عبْلُ كمْ يُشْجَى فُؤَادي بالنَّوى

ويرُعني صَوْتُ الغُرابِ الأَسودِ

كيف السُّلوُّ وما سمعتُ حمائماً

يَنْدُبْنَ إلاّ كُنْتُ أوَّلَ منْشِدِ

ولقدْ حبستُ الدَّمع لا بخلاً بهِ

يوْم الوداعِ على رُسوم المَعهَدِ

وسألتُ طير الدَّوح كم مثلي شجا

بأنينهِ وحنينهِ المتردّد

ناديتهُ ومدامعي منهلة ٌ

أيْن الخليُّ منَ الشَّجيِّ المُكْمَدِ

لو كنتَ مثلي ما لبثت ملوّناً

وهتفتّ في غضن النقا المتأوّد

رَفعوا القبابَ على وُجوهٍ أشْرَقَتْ

فيها فغيّبت السهى في الفرقد

واسْتوْقفُوا ماءَ العُيونِ بأعينٍ

مَكحولة بالسِّحْر لا بالإثمِدِ

والشمسُ بين مضرَّجِ ومبلجٍ

والغُصنُ بين موَشَّحٍ ومقلَّدِ

يطلعنَ بين سوالفٍ ومعاطف

وقلائد منْ لؤلوءٍ وزبرجدِ

قالوا اللّقاء غداً بمنْعَرَج اللِّوى

واطولَ شَوْقِ المستَهامِ إلى غدِ

وتخالُ أنفاسي إذا ردَّدتها

بين الطلول محتْ نقوشَ المبْرد

وتنوفة ٍ مجهولة ٍ قد خضتها

بسنان رمحٍ نارهُ لمْ تخمدِ

باكرتها في فتية ٍ عبسية ٍ

منْ كلِّ أرْوعَ في الكريهة ِ أصيدِ

وتَرى بها الرَّاياتِ تَخفُقُ والقنا

وَتَرى العَجاجَ كمثْل بَحرٍ مُزْبدِ

فهناك تنْظرُ آلُ عَبْسٍ مَوْقفي

والخيْلُ تَعثُر بالوشيج الأَمْلدِ

وبوارقُ البيض الرقاقِ لوامعٌ

في عارض مثلِ الغمام المرعدِ

وذوابلُ السُّمر الدّقاق كأَنّها

تحتَ القتام نُجومُ لَيْلٍ أسوَد

وحوافرُ الخيل العتاق على الصفا

مثْلُ الصواعق في قفار الفدْفدِ

باشرْتُ موكبها وخضتُ غُبارَها

أطفأتُ جَمرَ لهيبها المتوقِّدِ

وكررتُ والأبطالُ بينَ تصادم

وتهاجمٍ وتحزُّبٍ وتشدُّدِ

وفَوارسُ الهيجاءِ بينَ ممانعٍ

ومُدافعٍ ومخادعٍ ومُعربدِ

والبيضُ تلمعُ والرِّماح عواسلٌ

والقومُ بين مجدَّلٍ ومقيدِ

ومُوسَّدٍ تَحْتَ التُّرابِ وغيرُهُ

فوقَ الترابِ يئنُ غير موسَّدِ

والجوُّ أقتمُ والنجومُ مضيئة ٌ

والأفقُ مغبرُّ العنانِ الأربدِ

أقحمتُ مهري تحتَ ظلّ عجاجة

بسنان رمحٍ ذابلٍ ومهندِ

رَغَّمتُ أنفَ الحاسِدينَ بسَطْوتي

فغدوا لها منْ راكعين وسجَّدِ

صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو

زهير بن أبي سلمى شاعر جاهلي، سميت قصائده بالحوليات؛ وذلك لأنّه كان يُنظم قصائده في شهر ويرتبها في سنة، وكان زهير بن أبي سلمى محبوباً من الجميع لحكمته وأخلاقه العالية، ومن روائعه في الشعر:[٥]

صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو

وَأقْفَرَ من سَلمى التّعانيقُ فالثّقْلُ

وقد كنتُ مِن سَلمَى سِنينَ ثَمانياً

على صيرِ أمرٍ ما يمرُّ وما يحلُو

وكنتُ إذا ما جئتُ يوماً لحاجةٍ

مضَتْ وأجَمّتْ حاجة ُ الغدِ ما تخلو

وكلُّ محبٍّ أعقبَ النأيُ لبهُ

سلوَّ فؤادٍ غير لبكَ ما يسلُو

تَأوّبَي ذِكْرُ الأحِبّة ِ بَعدَما

هَجعتُ ودوني قُلّة ُ الحَزْن فالرّمْلُ

فأقسمتُ جهداً بالمنازلِ من منى ً

وما سحفتْ فيهِ المقاديمُ والقملُ

لأرْتَحِلَنْ بالفَجْرِ ثمّ لأدأبَنْ

إلى اللَّيْلِ إلاّ أنْ يُعْرّجَني طِفْلُ

إلى مَعشَرٍ لم يُورِثِ اللّؤمَ جَدُّهُمْ

أصاغرهُم وكلُّ فحلٍ لهُ نجلُ

تربصْ فإنْ تقوِ المروراة ُ منهمُ

وداراتُها لا تُقْوِ مِنْهُمْ إذاً نخْلُ

وما يَكُ مِنْ خَيرٍ أتَوْهُ فإنّمَا

وجِزْعَ الحِسا منهُمْ إذا قَلّ ما يخلو

بلادٌ بها نادَمْتُهُمْ وألِفْتُهُمْ

فإنْ تُقْوِيَا مِنْهُمْ فإنّهُما بَسْلُ

إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم

طوالَ الرماحِ لا قصارٌ لا عزلُ

بخيلٍ عليها جنة ٌ عبقرية ٌ

جَديرونَ يَوْماً أن يَنالُوا فيَستَعلُوا

وإنْ يُقْتَلُوا فيُشْتَفَى بدِمائِهِمْ

وكانُوا قَديماً مِنْ مَنَاياهُمُ القَتلُ

عَلَيها أُسُودٌ ضارِياتٌ لَبُوسُهُمْ

سوابغُ بيضٌ لا يخرقُها النبلُ

إذا لَقِحَتْ حَرْبٌ عَوَانٌ مُضِرّة ٌ

ضروسٌ تهرُّ الناسَ أنيابها عصلُ

قُضاعِيّة ٌ أوْ أُخْتُها مُضَرِيّة ٌ

يحرقُ في حافاتها الحطبُ الجزلُ

تَجِدْهُمْ على ما خَيّلَتْ همْ إزاءها

وَإنْ أفسَدَ المالَ الجماعاتُ والأزْلُ

يحشونها بالمشرفية ِ والقنا

وَفِتيانِ صِدْقٍ لا ضِعافٌ ولا نُكلُ

تِهامونَ نَجْدِيّونَ كَيْداً ونُجعَة ً

لكُلّ أُناسٍ مِنْ وَقائِعهمْ سَجْلُ

هُمُ ضَرَبُوا عَن فَرْجِها بكَتيبَة ٍ

كبيضاءِ حرسٍ في طوائفها الرجلُ

مَتى يَشتَجرْ قوْمٌ تقُلْ سرَواتُهُمْ

هُمُ بَيْنَنا فهُمْ رِضًى وَهُمُ عدْلُ

همُ جددوا أحكامَ كلِّ مضلة ٍ

منَ العُقْمِ لا يُلْفى لأمثالِها فَصْلُ

بعزمة ِ مأمور مطيعٍ وآمرٍ

مطاعٍ فلا يلفَى لحزمهمُ مثلُ

ولستُ بلاقٍ بالحجازِ مجاوراً

ولا سفراً إلاَّ لهُ منهمُ حبلُ

بلادٌ بهَا عَزّوا مَعَدّاً وغَيْرَهَا

مَشارِبُها عذْبٌ وأعلامُها ثَمْلُ

وهم خير حيٍّ من معدٍّ علمتهمْ

لهم نائلٌ في قومهم ولهم فضلُ

فَرِحْتُ بما خُبّرْتُ عن سيّدَيكُمُ

وكانا امرأينِ كلُّ شأنهما يعلو

رأى اللهُ بالإحسانِ ما فعلا بكمُ

فأبْلاهُما خَيرَ البَلاءِ الذي يَبْلُو

تَدارَكْتُما الأحلافَ قد ثُلّ عَرْشُها

وذبيانَ قد زلت بأقدامها النعلُ

فأصْبَحتُما منهَا على خَيرِ مَوْطِنٍ

سَبيلُكُما فيهِ وإن أحزَنوا سَهلُ
إذا السنة ُ الشهباءُ بالناس أجحفتْ

رأيتُ ذوي الحاجاتِ حولَ بيوتهم

قطيناً لهم حتّى إذا أنبتَ البقلُ

هنالكَ إنْ يستخبلوا المالَ يخبلوا

وإنْ يسألوا يعطوا وإنْ ييسروا يغلوا

وفيهمْ مقاماتٌ حسانٌ وجوهها

وأندية ٌ ينتابها القولُ والفعلُ

وإنْ جئتهم ألفيتَ حولَ بيوتهم

مجَالسَ قد يُشفَى بأحلامِها الجَهلُ

وإنْ قامَ فيهِمْ حامِلٌ قال قاعِدٌ

رَشَدْتَ فلا غُرْمٌ عليكَ وَلا خَذْلُ

على مكثريهم حقُّ من يعتريهمُ

وعندَ المقلينَ السماحة ُ والبذلُ

سعى بعدهم قومٌ لكي يدركوهمُ

فلَمْ يَفعَلُوا ولم يُليموا ولم يألُوا

فما كانَ من خيرٍ أتوه فإنَّما

تَوَارَثَهُمْ آبَاءُ آبَائِهِمْ قَبْلُ

هل ينبتُ الخطيَّ إلاَّ وشيجهُ

وتُغرَسُ إلاّ في مَنابِتِها النّخْلُ

المراجع

  1. حاتم الطائي (2002م)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 19.
  2. النابغة الذبياني، “أهاجك من سعداك مغنى المعاهد”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-19.
  3. عمرو بن كلثوم، “أنذرت أعدائي غدا”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-19.
  4. عنترة بن شداد، “بين العقيق وبين برقة ثهمد”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-19.
  5. زهير بن أبي سلمى ، “صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-26.