أشعار طويلة

معلقة عمرو بن كلثوم

أَلاَ هُبِّي بِصَحنِكِ فَاصبَحِينَـا

وَلاَ تُبقِي خُمُـورَ الأَندَرِينَـا

مُشَعشَعَة كَأَنَّ الحُصَّ فِيهَـا

إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِينَـا

تَجُورُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَن هَـوَاهُ

إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِينَـا

تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ إِذَا أُمِرَّت

عَلَيـهِ لِمَـالِهِ فِيهَـا مُهِينَـا

صَبَنتِ الكَأسَ عَنَّا أُمَّ عَمـرٍو

وَكَانَ الكَأسُ مَجرَاهَا اليَمِينَـا

وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمـرٍو

بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصبَحِينَـا

وَكَأسٍ قَد شَـرِبتُ بِبَعلَبَـكٍّ

وَأُخرَى فِي دِمَشقَ وَقَاصرِينَـا

وَإِنَّا سَـوفَ تُدرِكُنَا المَنَـايَا

مُقَـدَّرَة لَنَـا وَمُقَـدِّرِينَـا

قِفِـي قَبلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِينـَا

نُخَبِّـركِ اليَقِيـنَ وَتُخبِرِينَـا

قِفِي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرما

لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمِينَـا

بِيَـومِ كَرِيهَةٍ ضَربا وَطَعنـا

أَقَـرَّ بِـهِ مَوَالِيـكِ العُيُونَـا

وَأنَّ غَـدا وَأنَّ اليَـومَ رَهـنٌ

وَبَعـدَ غَـدٍ بِمَا لاَ تَعلَمِينَـا

تُرِيكَ إِذَا دَخَلَت عَلَى خَـلاَءٍ

وَقَد أَمِنتَ عُيُونَ الكَاشِحِينَـا

ذِرَاعِـي عَيطَلٍ أَدَمَـاءَ بِكـرٍ

هِجَـانِ اللَّونِ لَم تَقرَأ جَنِينَـا

وثَديا مِثلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصـا

حَصَـانا مِن أُكُفِّ اللاَمِسِينَـا

ومَتنَى لَدِنَةٍ سَمَقَت وطَالَـت

رَوَادِفُهَـا تَنـوءُ بِمَا وَلِينَـا

وَمأكَمَة يَضِيـقُ البَابُ عَنهَـا

وكَشحا قَد جُنِنتُ بِهِ جُنُونَـا

وسَارِيَتِـي بَلَنـطٍ أَو رُخَـامٍ

يَرِنُّ خَشَـاشُ حَلِيهِمَا رَنِينَـا

فَمَا وَجَدَت كَوَجدِي أُمُّ سَقبٍ

أَضَلَّتـهُ فَرَجَّعـتِ الحَنِينَـا

ولاَ شَمطَاءُ لَم يَترُك شَقَاهَـا

لَهـا مِن تِسعَـةٍ إلاَّ جَنِينَـا

تَذَكَّرتُ الصِّبَا وَاشتَقتُ لَمَّـا

رَأَيتُ حُمُـولَهَا أصُلا حُدِينَـا

فَأَعرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشمَخَـرَّت

كَأَسيَـافٍ بِأَيـدِي مُصلِتِينَـا

أَبَا هِنـدٍ فَلاَ تَعجَـل عَلَينَـا

وَأَنظِـرنَا نُخَبِّـركَ اليَقِينَــا

بِأَنَّا نُـورِدُ الـرَّايَاتِ بِيضـا

وَنُصـدِرُهُنَّ حُمرا قَد رُوِينَـا

وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِــوَالٍ

عَصَينَـا المَلِكَ فِيهَا أَن نَدِينَـا

وَسَيِّـدِ مَعشَـرٍ قَد تَوَّجُـوهُ

بِتَاجِ المُلكِ يَحمِي المُحجَرِينَـا

تَرَكـنَ الخَيلَ عَاكِفَة عَلَيـهِ

مُقَلَّـدَة أَعِنَّتَهَـا صُفُـونَـا

وَأَنزَلنَا البُيُوتَ بِذِي طُلُـوحٍ

إِلَى الشَامَاتِ نَنفِي المُوعِدِينَـا

وَقَد هَرَّت كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّـا

وَشَـذَّبنَا قَتَـادَةَ مَن يَلِينَـا

مَتَى نَنقُـل إِلَى قَومٍ رَحَانَـا

يَكُونُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِينَـا

يَكُـونُ ثِقَالُهَا شَرقِيَّ نَجـدٍ

وَلُهـوَتُهَا قُضَـاعَةَ أَجمَعِينَـا

نَزَلتُـم مَنزِلَ الأَضيَافِ مِنَّـا

فَأَعجَلنَا القِرَى أَن تَشتِمُونَـا

قَرَينَاكُـم فَعَجَّلنَـا قِرَاكُـم

قُبَيـلَ الصُّبحِ مِردَاة طَحُونَـا

نَعُـمُّ أُنَاسَنَـا وَنَعِفُّ عَنهُـم

وَنَحمِـلُ عَنهُـمُ مَا حَمَّلُونَـا

نُطَـاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّـا

وَنَضرِبُ بِالسِّيُوفِ إِذَا غُشِينَـا

بِسُمـرٍ مِن قَنَا الخَطِّـيِّ لُـدنٍ

ذَوَابِـلَ أَو بِبِيـضٍ يَختَلِينَـا

كَأَنَّ جَمَـاجِمَ الأَبطَالِ فِيهَـا

وُسُـوقٌ بِالأَمَاعِـزِ يَرتَمِينَـا

نَشُـقُّ بِهَا رُؤُوسَ القَومِ شَقّـا

وَنَختَلِـبُ الرِّقَـابَ فَتَختَلِينَـا

وَإِنَّ الضِّغـنَ بَعدَ الضِّغنِ يَبـدُو

عَلَيـكَ وَيُخرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَـا

وَرِثنَـا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَـدٌّ

نُطَـاعِنُ دُونَهُ حَـتَّى يَبِينَـا

وَنَحنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَـرَّت

عَنِ الأَحفَاضِ نَمنَعُ مَن يَلِينَـا

نَجُـذُّ رُؤُوسَهُم فِي غَيرِ بِـرٍّ

فَمَـا يَـدرُونَ مَإذَا يَتَّقُونَـا

كَأَنَّ سُيُـوفَنَا منَّـا ومنهُــم

مَخَـارِيقٌ بِأَيـدِي لاَعِبِينَـا

كَـأَنَّ ثِيَابَنَـا مِنَّـا وَمِنهُـم

خُضِبـنَ بِأُرجُوَانِ أَو طُلِينَـا

إِذَا مَا عَيَّ بِالإِسنَـافِ حَـيٌّ

مِنَ الهَـولِ المُشَبَّهِ أَن يَكُونَـا

نَصَبنَـا مِثلَ رَهوَةِ ذَاتَ حَـدٍّ

مُحَافَظَـة وَكُـنَّا السَّابِقِينَـا

بِشُبَّـانٍ يَرَونَ القَـتلَ مَجـدا

وَشِيـبٍ فِي الحُرُوبِ مُجَرَّبِينَـا

حُـدَيَّا النَّـاسِ كُلِّهِمُ جَمِيعـا

مُقَـارَعَة بَنِيـهِم عَـن بَنِينَـا

فَأَمَّا يَـومَ خَشيَتِنَـا عَلَيهِـم

فَتُصبِـحُ خَيلُنَـا عُصَبا ثُبِينَـا

وَأَمَّا يَـومَ لاَ نَخشَـى عَلَيهِـم

فَنُمعِــنُ غَـارَة مُتَلَبِّبِينَــا

بِـرَأسٍ مِن بَنِي جُشمٍ بِن بَكـرٍ

نَـدُقُّ بِهِ السُّـهُولَةَ وَالحُزُونَـا

أَلاَ لاَ يَعلَـمُ الأَقـوَامُ أَنَّــا

تَضَعضَعنَـا وَأَنَّـا قَـد وَنِينَـا

أَلاَ لاَ يَجهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَينَـا

فَنَجهَـلَ فَوقَ جَهلِ الجَاهِلِينَـا

بِاَيِّ مَشِيئَـةٍ عَمـرُو بنَ هِنـدٍ

نَكُـونُ لِقَيلِكُـم فِيهَا قَطِينَـا

بِأَيِّ مَشِيئَـةٍ عَمـرَو بنَ هِنـدٍ

تُطِيـعُ بِنَا الوُشَـاةَ وَتَزدَرِينَـا

تَهَـدَّدُنَـا وَتُوعِـدُنَا رُوَيـدا

مَتَـى كُـنَّا لأُمِّـكَ مَقتَوِينَـا

فَإِنَّ قَنَاتَنَـا يَا عَمـرُو أَعيَـت

عَلى الأَعـدَاءِ قَبَلَكَ أَن تَلِينَـا

إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشمَـأَزَّت

وَوَلَّتـهُ عَشَـوزَنَة زَبُـونَـا

عَشَـوزَنَة إِذَا انقَلَبَت أَرَنَّـت

تَشُـجُّ قَفَا المُثَقِّـفِ وَالجَبِينَـا

فَهَل حُدِّثتَ فِي جُشَمٍ بِن بَكـرٍ

بِنَقـصٍ فِي خُطُـوبِ الأَوَّلِينَـا

وَرِثنَـا مَجدَ عَلقَمَةَ بِن سَيـفٍ

أَبَـاحَ لَنَا حُصُونَ المَجدِ دِينَـا

وَرَثـتُ مُهَلهِـلا وَالخَيرَ مِنـهُ

زُهَيـرا نِعمَ ذُخـرُ الذَّاخِرِينَـا

وَعَتَّـابا وَكُلثُـوما جَمِيعــا

بِهِـم نِلنَـا تُرَاثَ الأَكرَمِينَـا

وَذَا البُـرَةِ الذِي حُدِّثتَ عَنـهُ

بِهِ نُحمَى وَنَحمِي المُلتَجِينَــا

وَمِنَّـا قَبلَـهُ السَّاعِي كُلَيـبٌ

فَـأَيُّ المَجـدِ إِلاَّ قَـد وَلِينَـا

مَتَـى نَعقِـد قَرِينَتَنَـا بِحَبـلٍ

تَجُـذَّ الحَبلَ أَو تَقصِ القَرِينَـا

وَنُوجَـدُ نَحنُ أَمنَعَهُم ذِمَـارا

وَأَوفَاهُـم إِذَا عَقَـدُوا يَمِينَـا

وَنَحنُ غَدَاةَ أَوقِدَ فِي خَـزَازَى

رَفَـدنَا فَـوقَ رِفدِ الرَّافِدِينَـا

وَنَحنُ الحَابِسُونَ بِذِي أَرَاطَـى

تَسَـفُّ الجِلَّـةُ الخُورُ الدَّرِينَـا

وَنَحنُ الحَاكِمُـونَ إِذَا أُطِعنَـا

وَنَحنُ العَازِمُـونَ إِذَا عُصِينَـا

وَنَحنُ التَّارِكُونَ لِمَا سَخِطنَـا

وَنَحنُ الآخِـذُونَ لِمَا رَضِينَـا

وَكُنَّـا الأَيمَنِيـنَ إِذَا التَقَينَـا

وَكَـانَ الأَيسَـرِينَ بَنُو أَبَينَـا

فَصَالُـوا صَـولَة فِيمَن يَلِيهِـم

وَصُلنَـا صَـولَة فِيمَن يَلِينَـا

فَـآبُوا بِالنِّـهَابِ وَبِالسَّبَايَـا

وَأُبـنَا بِالمُلُـوكِ مُصَفَّدِينَــا

إِلَيكُـم يَا بَنِي بَكـرٍ إِلَيكُـم

أَلَمَّـا تَعـرِفُوا مِنَّـا اليَقِينَـا

أَلَمَّـا تَعلَمُـوا مِنَّا وَمِنكُـم

كَتَـائِبَ يَطَّعِـنَّ وَيَرتَمِينَـا

عَلَينَا البَيضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِـي

وَأسيَـافٌ يَقُمـنَ وَيَنحَنِينَـا

عَلَينَـا كُـلُّ سَابِغَـةٍ دِلاَصٍ

تَرَى فَوقَ النِّطَاقِ لَهَا غُضُونَـا

إِذَا وَضِعَت عَنِ الأَبطَالِ يَومـا

رَأَيـتَ لَهَا جُلُودَ القَومِ جُونَـا

كَأَنَّ غُضُـونَهُنَّ مُتُونُ غُـدرٍ

تُصَفِّقُهَـا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَينَـا

وَتَحمِلُنَـا غَدَاةَ الرَّوعِ جُـردٌ

عُـرِفنَ لَنَا نَقَـائِذَ وَافتُلِينَـا

وَرَدنَ دَوَارِعا وَخَرَجنَ شُعثـا

كَأَمثَـالِ الرِّصَائِـعِ قَد بَلَينَـا

وَرِثنَـاهُنَّ عَن آبَـاءِ صِـدقٍ

وَنُـورِثُهَـا إِذَا مُتنَـا بَنِينَـا

عَلَـى آثَارِنَا بِيـضٌ حِسَـانٌ

نُحَـاذِرُ أَن تُقَسَّمَ أَو تَهُونَـا

أَخَـذنَ عَلَى بُعُولَتِهِنَّ عَهـدا

إِذَا لاَقَـوا كَتَـائِبَ مُعلِمِينَـا

لَيَستَلِبُـنَّ أَفـرَاسـا وَبِيضـا

وَأَسـرَى فِي الحَدِيدِ مُقَرَّنِينَـا

تَـرَانَا بَارِزِيـنَ وَكُلُّ حَـيٍّ

قَـد اتَّخَـذُوا مَخَافَتَنَا قَرِينـا

إِذَا مَا رُحـنَ يَمشِينَ الهُوَينَـا

كَمَا اضطَرَبَت مُتُونُ الشَّارِبِينَـا

يَقُتـنَ جِيَـادَنَا وَيَقُلنَ لَستُـم

بُعُولَتَنَـا إِذَا لَـم تَمنَعُـونَـا

ظَعَائِنَ مِن بَنِي جُشَمِ بِن بِكـرٍ

خَلَطـنَ بِمِيسَمٍ حَسَبا وَدِينَـا

وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثلُ ضَـربٍ

تَـرَى مِنهُ السَّوَاعِدَ كَالقُلِينَـا

كَـأَنَّا وَالسُّـيُوفُ مُسَلَّـلاَتٌ

وَلَـدنَا النَّـاسَ طُرّا أَجمَعِينَـا

يُدَهدِهنَ الرُّؤُوسِ كَمَا تُدَهـدَي

حَـزَأوِرَةٌ بِأَبطَحِـهَا الكُرِينَـا

وَقَـد عَلِمَ القَبَـائِلُ مِن مَعَـدٍّ

إِذَا قُبَـبٌ بِأَبطَحِـهَا بُنِينَــا

بِأَنَّـا المُطعِمُـونَ إِذَا قَدَرنَــا

وَأَنَّـا المُهلِكُـونَ إِذَا ابتُلِينَــا

وَأَنَّـا المَانِعُـونَ لِمَـا أَرَدنَـا

وَأَنَّـا النَّـازِلُونَ بِحَيثُ شِينَـا

وَأَنَّـا التَـارِكُونَ إِذَا سَخِطنَـا

وَأَنَّـا الآخِـذُونَ إِذَا رَضِينَـا

وَأَنَّـا العَاصِمُـونَ إِذَا أُطِعنَـا

وَأَنَّـا العَازِمُـونَ إِذَا عُصِينَـا

وَنَشرَبُ إِن وَرَدنَا المَاءَ صَفـوا

وَيَشـرَبُ غَيرُنَا كَدِرا وَطِينَـا

أَلاَ أَبلِـغ بَنِي الطَّمَّـاحِ عَنَّـا

وَدُعمِيَّـا فَكَيفَ وَجَدتُمُونَـا

إِذَا مَا المَلكُ سَامَ النَّاسَ خَسفـا

أَبَينَـا أَن نُقِـرَّ الـذُّلَّ فِينَـا

مَـلأنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا

وَظَهرَ البَحـرِ نَملَـؤُهُ سَفِينَـا

إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ

تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِدينَـا[١]

جفون العذارى من خلال البراقع

جُفونُ العَذارى مِن خِلالِ البَراقِعِ

أَحَدُّ مِنَ البيضِ الرِقاقِ القَواطِعِ

إِذا جُرِّدَت ذَلَّ الشُجاعُ وَأَصبَحَت

مَحاجِرُهُ قَرحى بِفَيضِ المَدامِعِ

سَقى اللَهُ عَمّي مِن يَدِ المَوتِ جَرعَةً

وَشُلَّت يَداهُ بَعدَ قَطعِ الأَصابِعِ

كَما قادَ مِثلي بِالمُحالِ إِلى الرَدى

وعَلَّقَ آمالي بِذَيلِ المَطامِعِ

لَقَد وَدَّعَتني عَبلَةٌ يَومَ بَينِه

وَداعَ يَقينٍ أَنَّني غَيرُ راجِعِ

وَناحَت وَقالَت كَيفَ تُصبِحُ بَعدَن

إِذا غِبتَ عَنّا في القِفارِ الشَواسِعِ

وَحَقِّكَ لا حاوَلتُ في الدَهرِ سَلوَةً

وَلا غَيَّرَتني عَن هَواك مَطامِعي

فَكُن واثِقاً مِنّي بِحسنِ مَوَدَّةٍ

وَعِش ناعِماً في غِبطَةٍ غَيرِ جازِعِ

فَقُلتُ لَها يا عَبلَ إِنّي مُسافِرٌ

وَلَو عَرَضَت دوني حُدودُ القَواطِعِ

خُلِقنا لِهَذا الحب مِن قَبلِ يَومِن

فَما يَدخُلُ التَفنيدُ فيهِ مَسامِعي

أَيا عَلَمَ السَعدِي هَل أَنا راجِعٌ

وَأَنظُرُ في قُطرَيكَ زَهرَ الأَراجِعِ

وَتُبصِرُ عَيني الرَبوَتَينِ وَحاجِر

وَسُكّانَ ذاكَ الجِزعِ بَينَ المَراتِعِ

وَتَجمَعُنا أَرضُ الشَرَبَّةِ وَاللِوى

وَنَرتَعُ في أَكنافِ تِلكَ المَرابِعِ

فَيا نَسَماتِ البانِ بِاللَهِ خَبِّري

عُبيلَةَ عَن رَحلي بِأَي المَواضِعِ

وَيا بَرقُ بَلِّغها الغَداةَ تَحِيَّتي

وَحَيِّ دِياري في الحِمى وَمَضاجِعي

أَيا صادِحاتِ الأَيكِ إِن مُتُّ فَاِندُبي

عَلى تُربَتي بَينَ الطُيورِ السَواجِعِ

وَنوحي عَلى مَن ماتَ ظُلماً وَلَم يَنَل

سِوى البُعدِ عَن أَحبابِهِ وَالفَجائِعِ

وَيا خَيلُ فَاِبكي فارِساً كانَ يَلتَقي

صُدورَ المَنايا في غُبار المَعامِعِ

فَأَمسى بَعيداً في غَرامٍ وَذِلَّةٍ

وَقَيدٍ ثَقيلٍ مِن قُيودِ التَوابِعِ

وَلَستُ بِباكٍ إِن أَتَتني مَنِيَّتي

وَلَكنَّني أَهفو فَتَجري مَدامِعي

وَلَيسَ بِفَخرٍ وَصفُ بَأسي وَشِدَّتي

وَقَد شاعَ ذِكري في جَميعِ المَجامِعِ

بِحقِّ الهَوى لا تَعذلوني وَأَقصِرو

عَنِ اللَومِ إِن اللَومَ لَيس بِنافِعِ

وَكَيفَ أُطيقُ الصَبرَ عَمَّن أُحِبُّهُ

وَقَد أُضرِمَت نارُ الهَوى في أَضالِعي[٢]

لعمرك ما الدنيا بدار بقاء

  • يقول أبو العتاهية:[٣]

لعَمْرُكَ ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ

كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ

فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما

يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ

حَلاَوَتُهَا ممزَوجَة ٌ بمرارة ٍ

ورَاحتُهَا ممزوجَة ٌ بِعَناءِ

فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَة ٍ

فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ

لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً

وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضَاءِ

وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة

وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ

ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ

ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ

ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدة ٍ

ويومُ سُرورٍ مرَّة ً ورخاءِ

وما كلّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ

وما كلّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ

أيَا عجبَا للدهرِ لاَ بَلْ لريبِهِ

يخرِّمُ رَيْبُ الدَّهْرِ كُلَّ إخَاءِ

وشَتّتَ رَيبُ الدّهرِ كلَّ جَماعَة ٍ

وكَدّرَ رَيبُ الدّهرِ كُلَّ صَفَاءِ

إذا ما خَليلي حَلّ في بَرْزَخِ البِلى

فَحَسْبِي بهِ نأْياً وبُعْدَ لِقَاءِ

أزُورُ قبورَ المترفينَ فَلا أرَى

بَهاءً، وكانوا، قَبلُ،أهل بهاءِ

وكلُّ زَمانٍ واصِلٌ بصَريمَة ٍ

وكلُّ زَمانٍ مُلطَفٌ بجَفَاءِ

يعِزُّ دفاعُ الموتِ عن كُلِّ حيلة ٍ

ويَعْيَا بداءِ المَوْتِ كلُّ دَواءِ

ونفسُ الفَتَى مسرورَة ٌ بنمائِهَا

وللنقْصِ تنْمُو كُلُّ ذاتِ نمَاءِ

وكم من مُفدًّى ماتَ لم يَرَ أهْلَهُ

حَبَوْهُ، ولا جادُوا لهُ بفِداءِ

أمامَكَ، يا نَوْمانُ، دارُ سَعادَة ٍ

يَدومُ البَقَا فيها، ودارُ شَقاءِ

خُلقتَ لإحدى الغايَتينِ، فلا تنمْ،

وكُنْ بينَ خوفٍ منهُمَا ورَجَاءُ

وفي النّاسِ شرٌّ لوْ بَدا ما تَعاشَرُوا

ولكِنْ كَسَاهُ اللهُ ثوبَ غِطَاءِ

المراجع

  1. الحسين بن أحمد الحسين الزوزني (1983)، شرح المعلقات العشر، بيروت : دار مكتبة الحياة، صفحة 200-224.
  2. عنترة بن شداد، “جفون العذارى من خلال البراقع”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-25.
  3. أبو العتاهية، “لعمرك ما الدّنيا بدار بقاء”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-25.