أشعار حلوة عراقية
قصيدة فلسطين الدامية
يقول الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري:
لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألما
- على فلسطين مسوداً لها علما
ساءت نهاريّ يقظاناً فجائعها
- وسئن ليلي إذ صُوّرن لي حلما
رمتُ السكوتَ حداداً يوم مصرعها
- فلو تُركت وشأني ما فتحت فما
أكلما عصفت بالشعب عاصفةٌ
- هوجاءُ تستصرخُ القرطاس والقلما؟
هل أنقذ الشام كُتّاب بما كتبوا
- أو شاعر صان بغداداً بما نظما
فما لقلبي جياشاٌ بعاطفة
- لو كان يصدق فيها لاستفاض دما
حسب العواطف تعبيراً ومنقصةً
- أن ليس تضمن لا براءاً ولا سقما
ما سرني ومضاءُ السيف يعوزني
- أني ملكتُ لساناً نافثاً ضرما
دم يفور على الأعقاب فائرهُ
- مهانةً ارتضي كفواً له الكلما
قصيدة العزم وأبناؤه
يقول محمد مهدي الجواهري أيضاً:
هو العزم لا ما تدعي السمر والقضب
- وذو الجد حتى كل ما دونه لعب
ومن أخلفته في المعالي قضية
- تكفل في إنتاجها الصارم العضب
ومن يتطلب مصعبات مسالك
- فأيسر شئ عنده المركب الصعب
ومن لم يجد إلا ذعاف مذلة
- وروداً فموت العز مورده عذب
وهل يظمأ اللاوى من الذل جانباً
- وبيض الظبا رقراقها علل سكب
إذا رمت دفع الشك بالعلم فاختبر
- بعينك ماذا تفعل الأسد الغلب
أما والهضاب الراسيات ولم أقل
- عظيماً، فكل دون موقفه الهضب
لئن أسلمتهم عزة النفس للردى
- فما عودتهم أن يلم بهم عتب
أحباي لو لم تمسك القلب أضلعي
- لطار أسى من برج ذكراكم القلب
قضيتم وفي صدر الليالي وليجة
- وما غيركم يستلها، فلها هبوا
سقاك الحيا أرض العراق ولا رقت
- جفون غوادية ، وناحت بك السحب
تضمنت، لا ضمنت شراً لظالم
- كواكب ليل الخطب إن حلك الخطب
بكيت وحيداً في رباك ولم أرد
- مخافة واش، أن يساعدني الركب
فيا شرق حتى الحشر تربك فوقه
- دليل لمن يدر ما فعل الغرب
قصيدة في ليالي الخريف
يقول الشاعر العراقي بدر شاكر السياب:
في ليالي الخريف الحزين
حين يطغى علي الحنين
كالضباب الثقيل
في زوايا الطريق
في زوايا الطريق الطويل
حين أخلو وهذا السكون العميق
توقد الذكريات
بابتساماتك الشاحبات
كل أضواء ذاك الطريق البعيد
حيث كان اللقاء
في سكون المساء
هل يعود الهوى من جديد؟
عاهديني إذا عاد.. يا للعذاب
عاهديني ومرت بقايا رياح
بالوريقات في حيرة واكتئاب
ثم تهوي حيال السراج الحزين
انتهينا.. أما تذكرين؟
انتهينا.. وجاء الصباح
يسكب النور فوق ارتخاء الشفاه
وانحلال العناق الطويل
أين آلام الرحيل؟
أين لا لست أنساك واحسرتاه؟
…
في ليالي الخريف
حين أصغي ولا شيء غير الحفيف
ناحلاً كانتحاب السجين
خاف أن يوقظ النائمين
فانتحى في الظلام
يرقب الأنم النائيات
حجبتها بقايا غمام
فاستبدت به الذكريات
الغناء البعيد البعيد
في ليالي الحصاد
أوجه النسوة الجائعات
ثم يعلو رنين الحديد
يسلب البائس الرقاد!
في ليالي الخريف
حين أصغي وقد مات حتى الحفيف
والهواء
تعزف الأمسيات البعاد
في اكتئاب يثير البكاء
شهرزاد
في خيالي فيطغى علي الحنين
أين كنا؟! أما تذكرين
أين كنا؟! أما تذكرين المساء؟!
…
في ليالي الخريف الطوال
آه لو تعلمين
كيف يطغى علي الأسى و الملال؟!
في ضلوعي ظلام القبور السجين
في ضلوعي يصبح الردى
بالتراب الذي كان أمي: غدا
سوف يأتي فلا تقلقي بالنحيب
عالم الموت حيث السكون الرهيب!
سوف أمضي كما جئت واحسرتاه
سوف أمضي وما زال تحت السماء
مستبدون يستنزفون الدماء
سوف أمضي وتبقى عيون الطغاة
تستمد البريق
من جذى كل بيت حريق
والتماع الحراب
في الصحارى ومن أعين الجائعين
سوف أمضي وتبقى فيا للعذاب!
سوف تحيين بعدي، وتستمتعين
بالهوى من جديد
سوف أنسى وتنسين إلاّ صدى
من نشيد
في شفاه الضحايا وإلا الردى
قصيدة إلى العام الجديد
تقول الشاعرة العراقية نازك الملائكة:
يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف
من عالم الأشباح، يُنكرُنا البشر
ويفر منّا الليل والماضي ويجهلنا القدر
ونعيش أشباحًا تطوفْ
نحن الذين نسير لا ذكرى لنا
لا حلم، لا أشواقُ تُشرق، لا مُنى
آفاق أعيننا رمادْ
تلك البحيرات الرواكدُ في الوجوه الصامتة
ولنا الجباه الساكتة
لا نبضَ فيها لا اتّقادْ
نحن العراة من الشعور، ذوو الشفاه الباهتة
الهاربون من الزمان إلى العدمْ
الجاهلون أسى الندمْ
نحن الذين نعيش في ترف القصورْ
ونَظَلُّ ينقصنا الشعور.
لا ذكرياتْ،
نحيا ولا تدري الحياةْ،
نحيا ولا نشكو، ونجهلُ ما البكاءْ
ما الموت، ما الميلاد، ما معنى السماء
…
يا عامُ سرْ، هو ذا الطريقْ
يلوي خطاكَ، سدًى نؤمل أن تُفيقْ
نحن الذين لهم عروق من قصبْ
بيضاءُ أو خضراء نحن بلا شعورْ.
الحزن نجهله ونجهل ما الغضب
ما قولُهم إنّ الضمائر قد تثور
ونود لو متنا فترفضنا القبور
ونود لو عرف الزمانْ
يومًا إلينا دربه كالآخرين
لو أننا كنا نؤرخ بالسنين،
لو أننا كنا نقيَّد بالمكانْ
لو أن أبواب القصور الشاهقات
كانت تجيءُ قلوبَنا بسوى الهواء،
لو أننا كنا نسير مع الحياةْ
نمشي, نحس، نرى، ننام
وينالنا ثلج الشتاءْ
ويلفُّ جبْهَتَنا الظلام
أواه لو كنا نحسّ كما يحس الآخرونْ
وتنالنا الأسقام أحيانًا وينهشنا الألم
لو أنَّ ذكرَى أو رجاء أو ندم
يومًا تسدُّ على بلادتنا السبيلْ
لو أننا نخشى الجنونْ
ويثيرُ وحشَتنا السكون
لو أن راحتنا يعكّرها رحيل
أو صدمة أو حزن حب مستحيل.
أواه لو كنا نموت كما يموت الآخرونْ