أشعار للأب

قصيدة كم من أب لي قد ورثت فعاله للقعقاع بن عمرو

كَم مَن أَبٍ لي قَد وَرَثتُ فِعالُهُ

جَمِّ المَكارِمِ بَحرُهُ تَيّارُ

وَغَداةَ فِحلٍ قَد رَأَوني مُعلماً

وَالخَيلُ تَنحطُ وَالبَلا أَطوارُ

ما زالتِ الخَيلُ العُرابُ تَدوسُهُم

في حَومِ فَحلٍ وَالهَبا مُوّارُ

حَتّى رَمَينَ سَراتُهُم عَن أَسرِهِم

في رَوعَةٍ ما بَعدَها استَمرارُ

قصيدة يا نفس أين أبي وأين أبو أبي لأبي العتاهية

يا نَفسُ أَينَ أَبي وَأَينَ أَبو أَبي

وَأَبوهُ عُدّي لا أَبا لَكِ وَاِحسُبي

عُدّي فَإِنّي قَد نَظَرتُ فَلَم أَجِد

بَيني وَبَينَ أَبيكِ حَيّاً مِن أَبِ

أَفَأَنتِ تَرجينَ السَلامَةَ بَعدَهُم

مَهلاً هُديتِ لِسَمتِ وَجهِ المَطلَبِ

قَد ماتَ ما بَينَ الجَنينِ إِلى الرَضيـ

ـعِ إِلى الفَطيمِ إِلى الكَبيرِ الأَشيَبِ

فَإِلى مَتى هَذا أَراني لاعِباً

وَأَرى المَنونَ إِذا أَتَت لَم تَلعَبِ

قصيدة سألوني لم لم أرثِ أبي لأحمد شوقي

سَأَلوني لِمَ لَم أَرثِ أَبي

وَرِثاءُ الأَبِ دَينٌ أَيُّ دَين

أَيُّها اللُوّامُ ما أَظلَمَكُم

أَينَ لي العَقلُ الَّذي يُسعِدُ أَين

يا أَبي ما أَنتَ في ذا أَوَّلٌ

كُلُّ نَفسٍ لِلمَنايا فَرضُ عَين

هَلَكَت قَبلَكَ ناسٌ وَقُرى

وَنَعى الناعونَ خَيرَ الثِقَلَين

غايَةُ المَرءِ وَإِن طالَ المَدى

آخِذٌ يَأخُذُهُ بِالأَصغَرَين

وَطَبيبٌ يَتَوَلّى عاجِزاً

نافِضاً مِن طِبَّهُ خُفَّي حُنَين

إِنَّ لِلمَوتِ يَداً إِن ضَرَبَت

أَوشَكَت تَصدَعُ شَملَ الفَرقَدَين

تَنفُذُ الجَوَّ عَلى عِقبانِهِ

وَتُلاقي اللَيثَ بَينَ الجَبَلَين

وَتَحُطُّ الفَرخَ مِن أَيكَتِهِ

وَتَنالُ البَبَّغا في المِئَتَين

أَنا مَن ماتَ وَمَن ماتَ أَنا

لَقِيَ المَوتَ كِلانا مَرَّتَين

نَحنُ كُنّا مُهجَةً في بَدَنٍ

ثُمَّ صِرنا مُهجَةً في بَدَنَين

ثُمَّ عُدنا مُهجَةً في بَدَنٍ

ثُمَّ نُلقى جُثَّةً في كَفَنَين

ثُمَّ نَحيا في عَلِيٍّ بَعدَنا

وَبِهِ نُبعَثُ أولى البِعثَتَين

اِنظُرِ الكَونَ وَقُل في وَصفِهِ

كُلُّ هَذا أَصلُهُ مِن أَبَوَين

فَإِذا ما قيلَ ما أَصلُهُما

قُل هُما الرَحمَةُ في مَرحَمَتَين

فَقَدا الجَنَّةَ في إيجادِنا

وَنَعِمنا مِنهُما في جَنَّتَين

وَهُما العُذرُ إِذا ما أُغضِبا

وَهُما الصَفحُ لَنا مُستَرضِيَين

لَيتَ شِعري أَيُّ حَيٍّ لَم يَدِن

بِالَّذي دانا بِهِ مُبتَدِأَين

وَقَفَ اللَهُ بِنا حَيثُ هُما

وَأَماتَ الرُسلَ إِلّا الوالِدَين

ما أَبي إِلّا أَخٌ فارَقتُهُ

وُدُّهُ الصِدقُ وَوُدُّ الناسِ مَين

طالَما قُمنا إِلى مائِدَةٍ

كانَتِ الكِسرَةُ فيها كِسرَتَين

وَشَرِبنا مِن إِناءٍ واحِدٍ

وَغَسَلنا بَعدَ ذا فيهِ اليَدَين

وَتَمَشَّينا يَدي في يَدِهِ

مَن رَآنا قالَ عَنّا أَخَوَين

نَظَرَ الدَهرُ إِلَينا نَظرَةً

سَوَّتِ الشَرَّ فَكانَت نَظرَتَين

يا أَبي وَالمَوتُ كَأسٌ مُرَّةٌ

لا تَذوقُ النَفسُ مِنها مَرَّتَين

كَيفَ كانَت ساعَةٌ قَضَّيتَها

كُلُّ شَيءٍ قَبلَها أَو بَعدُ هَين

أَشَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَةً

أَم شَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَتَين

لا تَخَف بَعدَكَ حُزناً أَو بُكاً

جَمَدَت مِنّي وَمِنكَ اليَومَ عَين

أَنتَ قَد عَلَّمتَني تَركَ الأَسى

كُلُّ زَينٍ مُنتَهاهُ المَوتُ شَين

لَيتَ شِعري هَل لَنا أَن نَلتَقي

مَرَّةً أَم ذا اِفتِراقُ المَلَوَين

وَإِذا مُتُّ وَأودِعتُ الثَرى

أَنَلقَّى حُفرَةً أَو حُفرَتَين

قصيدة أبي لمحمود درويش

غَضَّ طرفاً عن القمرْ

وانحنى يحضن التراب

وصلّى…

لسماء بلا مطر

ونهاني عن السفر

أشعل البرقُ أوديهْ

كان فيها أبي

يربي الحجارا

من قديم.. ويخلق الأشجارا

جلدُهُ يندفُ الندى

يدهُ تورقِ الشجرْ

فبكى الأفق أغنيهْ:

-كان أوديس فارساً…

كان في البيت أرغفهْ

ونبيذ، وأغطيه

وخيول، وأحذية

وأبي قال مرة

حين صلّى على حجرْ:

غُضَّ طرفاً عن القمر

واحذر البحر.. والسفر

يوم كان الإله يجلد عبدَهْ

قلت: يا ناس! نكفُر؟

فروى لي أبي..وطأطأ زنده:

في حوار مع العذاب

كان أيوب يشكرُ

خالق الجرحُ لي أنا

لا لميْت.. ولا صنمْ

فدع الجرح والألم

وأعِنّي على الندم!

مرَّ في الأفق كوكبُ

نازلاً… نازلاً

وكان قميصي

بين نار، وبين ريحْ

وعيوني تفكِّرُ

برسوم على التراب

وأبي قال مرة:

الذي ما له وطن

ماله في الثرى ضريح

ونهاني عن السفر!

قصيدة نظير أب كنا فقدنا ومحبوب لابن نباتة المصري

نظير أبٍ كنَّا فقدنا ومحبوب

يميناً لقد جدَّدتَ لي حزنَ يعقوب

وهيَّجتَ أحزانِي على خيرِ صاحبٍ

لقيت الذي لاقاه يا خيرَ مصحوب

لئن كنت خالاً زانَ حجب أخوَّة

لقد كنت وجهاً للتُّقى غير محجوب

وإن كنت كم أقررت لي عين فارحٍ

لقد سخنت من بعدِها عين مكروب

أقلَّبُ قلباً بالأسى أيّ واجبٍ

وأندب شخصاً في الثرى أيُّ مندوب

بكيتك للحسنى وللبرِّ والتقى

وللبركاتِ الموفياتِ بمطلوبي

وللشملِ مجموعاً بيمنك وادِعاً

وللخيرِ كم سببته خير تسبيب

بكتكَ محارِيب التهجُّد في الدُّجى

بكاءَ شجٍ حاني الجوانح محروب

بكتكَ زوايا الزُّهد كانت خبيئةً

لسكانِها تدنِي لهم كلّ مرغوب

بكتكَ ذوو الحاجاتِ كنتَ إذا دَعوا

سفيراً لمضرورٍ مجيراً لمنكوب

بكتكَ دِيارٌ كنتَ أعطفَ والِداً

لمن حلَّ من شبانها ومن الشيب

وطائر يمنٍ قد أويتَ كوكرِها

إلى نسب القربى بها خيرَ منسوب

إذا ألسنُ الآثارِ عنكَ تذاكرتْ

شممنا على تِذكارِها نفحةَ الطيب

عليكَ سلامُ الله من مترحِّلٍ

ترحَّلَ ذي جودٍ من السحب مسحوب

وهنَّئتَ بالجناتِ يا تارِكي على

سعيرٍ من الأحزانِ بعدَك مشبوب

نُفارِقُ محبوباً بدمعٍ وحسرةٍ

فمن بين تصعيدٍ عليك وتصويب

وخفِّف ما نلقى من الحزنِ أننا

بمنْ غابَ عنَّا لاحقون بترتيب

وما هذهِ الأيَّامُ إلا ركائبٌ

إلى الموتِ في نهجٍ من العمرِ مركوب

إذا ظنَّ تبعيد الحمامِ وصلنه

بشدٍّ على رغم النفوس وتقريب

فكم هرِمٍ أو ناشئٍ عملت بهِ

عواملُ من مجرورِ خطبٍ ومنصوب

وكم هين الأخلاقِ أو متغلبٍ

نفاهُ بحتمٍ غالب غير مغلوب

وكم ذي كتابٍ في الورى وكتيبةٍ

غدَا داخِلاً من موته تحت مكتوب

وكم غافلٍ يلهو بساقٍ من المنى

يدِيرُ على أمثالهِ وعدَ عرقوب

وكم آملٍ في العمرِ يحسب حاصلاً

أتاه حِمامٌ عاجلٌ غير محسوب

ودُمْ يا إمامَ الوقت عمنْ فقدتهُ

وعشْ عيشَ مرجوٍّ مدى الدهر موهوب

مضى الخال حيث الوجه باقٍ لمادِحٍ

فما الدهر فيما قد أتاه بمعتوب