أشعار المساء
قصيدة ذات مساء صفا المساء
يقول الشاعر إبراهيم ناجي:
ذات مساء صفا المساء
- وليسَ في خاطري صفاء
يخيّمُ الليلُ في فؤادي
- والبدرُ في قبة السماء
والسُحبُ لما انتشرنَ بيضاً
- أثوابُ عرسٍ على الفضاء
يلبسها غيمةً فأخرى
- يختارُ منها الذي يشاء
أو يخلُع الغيمَ ثم يبدو
- طفلاً مصوغاً من الضياء
ما يبرحُ الكونُ في صباه
- مجدَّدَ الحسنِ والرواء
ما يبرح الكونُ غيرَ أني
- قد دبَّ في نفسي الفناء
فمن عَياءٍ إِلى كلالٍ
- ومن كلالٍ إِلى عياء
كم احتمَلنا وكم صبرنَا
- والعيشُ صبرٌ وكبرياء
وكم نسينَا وكم محَونَا
- وكم غفرنَا لمن أساء
وما عتبنَا على حبيبٍ
- لكن عتبنَا على القضاء
قصيدة حينما يأتي المساء
يقول عبده صالح في قصيدته:
حينما يأتي المساء طويلاً
كالمساء
حينما تغزو الشوارع
تراتيل الشتاء
وتصبح المدينة بلا مدينة
حينها
أتذكر كل القصص القديمة
والذكريات القديمة
وكل الماضي بأحزانه
وجرح قديم يتملكني
أشعر كل آلامة
الأن..
أصوات غريبة
تحاصرني..
تلاحقني..
أتذكرها وأتذكرني
فأغوص في أحلامٍ
بعيدة جداً
فتوقظني رائحة الأرض المبتلة
والأرصفة الحمقاء
حينما يأتي المساء
أرى كل العيون الذابلة
والوجوه الذابلة
وكل المشاعر المصنوعة
أرى كل الطرق مقطوعة
وأراني فكر شارد
وطريق جارح
ومصير بغير ملامح
وأراكِ قريبة جداً
وبعيدة جداً
وجميلة جداً
كنجم ساكن في كبد السماء
حينما يأتي المساء
قصيدة مساء
يقول نزار قباني:
قفي.. كستنائية الخصلات..
معي، في صلاة المسا التائبة
على كتف القرية الراهبة
ويرسم فوق قراميدها
قفي.. وانظري ما أحب ذرانا
وأسخى أناملها الواهبة
وترسو على الأنجم الغاربة
على كرز الأفق قام المساء
وتشرين شهر مواعيدنا
يلوح بالديم الساكبة
تنادي عصافيرها الهاربة
وفضلات قشٍ.. وعطرٌ وجيعٌ
شحوبٌ.. شحوبٌ على مد عيني
وشمسٌ كأمنيةٍ خائبة
بيادر كانت مع الصيف ملأى
تنادي عصافيرها الهاربة
وفضلات قشٍ.. وعطرٌ وجيعٌ
وصوت سنونوةٍ ذاهبة
شحوبٌ.. شحوبٌ على مد عيني
وشمسٌ كأمنيةٍ خائبة
قصيدة في ذلك المساء
يقول قاسم حداد:
في ذلك المساء
الذي يلهم القاتل ويحزم الأطفال بالحلم الساحر
في ذلك المساء الزاخر باندفاعات أشباح شاردة
تدس بين الطوائف
يحلو للقتلى محو بقايا النصل
و مسح الكآبة عن سجادة الدار
و الأسئلة:
من قال أنّــا قُتلنا
من رأى الدم
ها نحن فخورون بإرثنا
أصحّـاء مثل جليد الجبال
ما من نافذة إلا وتطل على أملٍ كان.
لماذا في ذلك المساء
يجوز لهم التذكر وليس لنا أن ننسى
قصيدة قلت للبحر إذ وقفت مساء
يقول إبراهيم ناجي:
قلتُ للبحر إذ وقفت مساءَ
- كم أطلت الوقوف والإصغاءَ
وجعلت النسيم زاداً لروحي
- وشربت الظلالَ والأضواءَ
لكأنَّ الأضواء مختلفات
- منكَ رَوضَةً غنّاءَ
مَرَّ بي عطرها فأسكَرَ نفسي
- وَسرَى في جوانحي كيف شاءَ
نشوة لم تطل صحا القلب منها
- مثلَ ما كان أو أشدّ عناءَ
إنما يفهم الشبيه شبيهاً
- أيها البحر نحن لسنا سواءَ
أنت باقٍ ونحن حرب الليالي
- مَزَّقتنا وصيرتنَا هباءَ
أنت عاتٍ ونحن كالزبد الذا
- هبِ يعلو حيناً ويمضي جفاءَ
وعجيبٌ إليك يممتُ وَجهي
- إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
أبتغي عندك التأسّي وما تَم
- لِك رَدَّاً ولا تجيب نداءَ
كل يومٍ تساؤلٌ ليت شعري
- من ينبّي فيحسن الإِنباءَ
ما تقول الأمواج ما آلَم الشم
- سَ فولّت حزينة صفراءَ
تركتنا وخلفت ليلَ شكٍّ
- أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ
وكأنَّ القضاء يسخر مني
- حين أبكى وما عرفتُ البكاءَ
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي
- لَم تدع لي أحداثه كبرياءَ
قصيدة في المساء الأخير على هذه الأرض
يقول محمود درويش:
في المَساءِ الأخيرِ على هذه الأرضِ نَقْطَعُ أيَّامَنا
عن شُجَيْراتِنا، ونَعُدُّ اُلضُلوعَ الَّتي سَوْفَ نَحْمِلْها مَعَنا
والضَّلوع الَّتي سَوْفَ نَتْرُكُها، ههُنا.. في الْمساءِ الأَخيرْ
لا نُوَدِّع شَيْئاً، ولا نَجِدُ الْوقْتَ كَيْ نَنْتَهي..
كُلُّ شَيْءٍ يَظَلُّ على حالِهِ، فَالمَكانُ يُبَدِّلُ أَحْلامَنا
وَيُبَدِّلُ زُوّارَه. فَجْأًةً لَمْ نَعُدْ قادِرين على السُّخْرِيَة
فالمكان مُعَدُّ لِكَيْ يَسْتَضيفَ الْهَباءَ.. هُنا فِي المساءِ الأخيرْ
نَتَمَلّى الْجبال المُحيطَةَ بِالْغَيْم: فتَحٌ.. وَفَتْحٌ مُضادّ
وَزَمانٌ قَديمٌ يُسَلِّمُ هذا الزّمانَ الْجَديدَ مَفاتيح أًبْوابِنا
فادْخلوا، أيَّها الْفاتِحونَ، مَنازِلَنا واشْرَبوا خَمْرَنا
مِنْ مُوشَّحِنا السَّهْلِ فاللَّيْلُ نَحْنُ إذا انْتصَفَ اللَّيْلُ، لا
فَجْرَ يحَمْلُهُ فارسٌ قادمٌ مِنْ نَواحي الأذانِ الأَخيرْ..
شايُنا أَخَضْر ساخِنٌ فاشْرَبوهُ، وَفُسْتُقنُا طازَجٌ فَكُلوه
والأسرَّةُ خضراءُ من خَشَب الأرْزِ، فَاسْتَسْلِمُوا للنُّعَاسْ
بَعْدَ هذا الْحِصارِ الطِّويلِ، ونَامُوا على ريشِ أَحْلامِنَا
الملاءَت جاهزةٌ، والعُطورُ على الْباب جاهزةٌ, والمرايا كَثيرةٌ
فادْخُلوها لنَخْرُجَ مِنْها تَماماً، وَعَمّا قَليلٍ سَنَبْحثُ عَمّا
كانَ تاريخَنا حَوْل تاريخكُمْ في الْبلاد الْبَعيدَة
وَسَنَسْأَلُ أَنْفُسنا في النِّهاية: هَلْ كانتِ الأنْدَلُسْ
هَهُنَا أمْ هُنَاكَ؟ على الأرْضِ.. أم في الْقَصيدَة؟
قصيدة هي في المساء
يقول محمود درويش:
هي في المساء وحيدةٌ،
وأَنا وحيدٌ مثلها…
بيني وبين شموعها في المطعم الشتويِّ
طاولتان فارغتان (لا شيءٌ يعكرُ صَمْتَنَا)
هي لا تراني، إذ أراها
حين تقطفُ وردةً من صدرها
وأنا كذلك لا أراها، إذ تراني
حين أرشف من نبيذي قُبْلَةً…
هي لا تُفَتِّتُ خبزها
وأنا كذلك لا أريقُ الماءَ
فوق الشَّرْشَف الورقيِّ
(لا شيءٌ يكدِّر صَفْوَنا)
هي وَحْدها، وأَنا أمامَ جَمَالها
وحدي. لماذا لا تُوحِّدُنا الهَشَاشَةُ؟
قلت في نفسي:
لماذا لا أذوقُ نبيذَها؟
هي لا تراني، إذ أراها
حين ترفَعُ ساقَها عن ساقِها…
وأنا كذلك لا أراها، إذ تراني
حين أخلَعُ معطفي…
لا شيء يزعجها معي
لا شيء يزعجني، فنحن الآن
منسجمان في النسيان…
كان عشاؤنا، كل على حِدَةٍ، شهيّاً
كان صَوْتُ الليل أزْرقَ
لم أكن وحدي، ولا هي وحدها
كنا معاً نصغي إلى البلِّوْرِ
[لا شيءٌ يُكَسِّرُ ليلنا]
هي لا تقولُ:
الحبُّ يُولَدُ كائناً حيّا
ويُمْسِي فِكْرَةً.
وأنا كذلك لا أقول:
الحب أَمسى فكرةً
لكنه يبدو كذلك…