أشعار الأم

الأم

  • يقول كريم معتوق:

أوصى بك اللهُ ما أوصت بك الصُحفُ

والشـعرُ يدنـو بخـوفٍ ثم ينـصرفُ

مــا قــلتُ والله يـا أمـي بـقـافــيـةٍ

إلا وكـان مــقـامـاً فــوقَ مـا أصـفُ

يَخضرُّ حقلُ حروفي حين يحملها

غـيـمٌ لأمي علـيه الطـيـبُ يُـقتـطفُ

والأمُ مـدرسـةٌ قـالوا وقـلتُ بـهـا

كـل الـمدارسِ سـاحـاتٌ لـها تـقـفُ

هـا جـئتُ بالشعرِ أدنيها لقافيتي

كـأنـما الأمُ في اللاوصـفِ تـتصفُ

إن قلتُ في الأمِ شعراً قامَ معتذراً

ها قـد أتـيتُ أمـامَ الجـمعِ أعـترفُ

براءة الأم

  • يقول مظفر النواب:

يا بني ضلعك من رجيت

لضلعي جبرته وبنيته

يا ابني خذني لعرض صدرك

واحسب الشيب اللي من عمرك جنيته

يا بني طش العمى بعيني

وجيتك بعين القلب أدبي على الدرب ألمشيته

شيلةالعلاكة يا بني

تذكر جتوفي بلعب عمرك عليهن

سنة وكفوفك وردتين على رأسي

وبيك أناغي كل فرح عمري لنسيته

يا اللي شوفك يبعث الماي الزلال بعودي وأحيا وأنا ميتة

أبيض عيونك لبن صدري

وسواد عيونك الليل اللي عد مهدك بجيته

وأبنك التو يناغي الخرز بالكاروك ياا بني

كتلة لا تخاف اليتم جده

اللي ما مش أبو عده

الحزب أبوه الحزب بيته

كتله ياا بني يا وليدي من تكبر على الأيام

تلكه حزام أبوك الماطواني وما طويته

تلكه منه خطوط أضمهن حدر ضلعي

لحد ما موت بعز على السر الحويته

يا عمد بيتي وكمر ليلي وربيع الشيب والعمر الجنيته

جيت أهزك يا عمد

بيتي

لا يكون الدهر ضعضع عظم منك للمذله للخيانة

وساومت جرحك على الخسة وجفيته

يا بني خلي الجرح ينطف

خله يرعف خله ينزف

يا بني الجرح اليرفض شداده علم ثوار يرفرف

يا بني ارضى الجلب يرضع من حلبيي

ولا ابن يشمر لي خبزه من البراءة

يا بني يأكلني الجرب عظم ولحم

وتموت عيني ولا دناءة

يا بني ها الأيام يفرزنها القحط أيام محنة

يا بني لا تثلم شرفنا

يا بني يا وليدي البراءة تظل مدى الأيام عفنة

تدري يا بني بكل براءة

كل شهيد من الشعب ينعاد دفنه

وخلي إيدك على شيبي واحلف بطاهر حليبي

كطرة كطرة وبنظر عيني العميته

قلي ما يندار رجمي و أنت أمي وذاك حزبي

وعزأبوي المالواني وما لويته

قلي ما اهدم حزب بيدي بنيته

إلى أمي

  • يقول محمود درويش:

أحنُّ إلى خبز أمي

وقهوة أُمي

ولمسة أُمي..

وتكبر فيَّ الطفولةُ

يوماً على صدر يومِ

وأعشَقُ عمرِي لأني

إذا مُتُّ

أخجل من دمع أُمي !

خذيني ، إذا عدتُ يوماً

وشاحاً لهُدْبِكْ

وغطّي عظامي بعشب

تعمَّد من طهر كعبك

وشُدّي وثاقي..

بخصلة شعر..

بخيطٍ يلوَّح في ذيل ثوبك..

عساني أصيرُ إلهاً

إلهاً أصيرْ.

إذا ما لمستُ قرارة قلبك !

ضعيني إذا ما رجعتُ

وقوداً بتنور ناركْ…

وحبل غسيل على سطح دارك

لأني فقدتُ الوقوف

بدون صلاة نهارك

هَرِمْتُ فردّي نجوم الطفولة

حتى أُشارك

صغار العصافير

درب الرجوع …

لعُشِّ انتظارِك !

خمس رسائل إلى أمي

  • يقول نزار قبابي:

صباح الخير يا حلوه..

صباح الخير يا قديستي الحلوه

مضى عامان يا أمي

على الولد الذي أبحر

برحلته الخرافيه

وخبأ في حقائبه

صباح بلاده الأخضر

وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر

وخبأ في ملابسه

طرابيناً من النعناع والزعتر

وليلكةً دمشقية..

أنا وحدي..

دخان سجائري يضجر

ومني مقعدي يضجر

وأحزاني عصافيرٌ..

تفتش –بعد- عن بيدر

عرفت نساء أوروبا..

عرفت عواطف الإسمنت والخشب

عرفت حضارة التعب..

وطفت عادات الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر

ولم أعثر..

على امرأةٍ تمشط شعري الأشقر

وتحمل في حقيبتها..

إلي عرائس السكر

وتكسوني إذا أعرى

وتنشلني إذا أعثر

أيا أمي..

أيا أمي..

أنا الولد الذي أبحر

ولا زالت بخاطره

تعيش عروسة السكر

فكيف.. فكيف يا أمي

غدوت أباً..

ولم أكبر؟

صباح الخير من مدريد

ما أخبارها الفلة؟

بها أوصيك يا أماه..

تلك الطفلة الطفله

فقد كانت أحب حبيبةٍ لأبي..

يدللها كطفلته

ويدعوها إلى فنجان قهوته

ويسقيها..

ويطعمها..

ويغمرها برحمته..

.. ومات أبي

ولا زالت تعيش بحلم عودته

وتبحث عنه في أرجاء غرفته

وتسأل عن عباءته..

وتسأل عن جريدته..

وتسأل –حين يأتي الصيف-

عن فيروز عينيه..

لتنثر فوق كفيه..

دنانيراً من الذهب..

سلاماتٌ..

سلاماتٌ..

إلى بيتٍ سقانا الحب والرحمة

إلى أزهارك البيضاء.. فرحة “ساحة النجمة”

إلى تختي..

إلى كتبي..

إلى أطفال حارتنا..

وحيطانٍ ملأناها..

بفوضى من كتابتنا..

إلى قططٍ كسولاتٍ

تنام على مشارقنا

وليلكةٍ معرشةٍ

على شباك جارتنا

مضى عامان.. يا أمي

ووجه دمشق،

عصفورٌ يخربش في جوانحنا

يعض على ستائرنا..

وينقرنا..

برفقٍ من أصابعنا..

مضى عامان يا أمي

وليل دمشق

فل دمشق

دور دمشق

تسكن في خواطرنا

مآذنها.. تضيء على مراكبنا

كأن مآذن الأموي..

قد زرعت بداخلنا..

كأن مشاتل التفاح..

تعبق في ضمائرنا

كأن الضوء، والأحجار

جاءت كلها معنا..

أتى أيلول يا أماه..

وجاء الحزن يحمل لي هداياه

ويترك عند نافذتي

مدامعه وشكواه

أتى أيلول.. أين دمشق؟

أين أبي وعيناه

وأين حرير نظرته؟

وأين عبير قهوته؟

سقى الرحمن مثواه..

وأين رحاب منزلنا الكبير..

وأين نعماه؟

وأين مدارج الشمشير..

تضحك في زواياه

وأين طفولتي فيه؟

أجرجر ذيل قطته

وآكل من عريشته

وأقطف من بنفشاه

دمشق ، دمشق..

يا شعراً

على حدقات أعيننا كتبناه

ويا طفلاً جميلاً..

من ضفائره صلبناه

جثونا عند ركبته..

وذبنا في محبته

إلى أن في محبتنا قتلناه…