قصائد أبي فراس الحمداني

يــوم بـسـفح الـدير لا أنـساه

قال الحمداني في أهل البيت القصيدة الآتية:[١]

‍‍‌‏‎يــوم بـسـفح الـدير لا أنـساه

أرعـى لـه دهـري الـذي أولاه

‍‍‌‏‎يـوم عـمرت الـعمر فـيه بفتية

مـن نـورهم أخـذ الـزمان بهاه

‍‍‌‏‎فـكـأن عـزّتهم ضـياء نـهاره

وكــأن أوجـههم نـجوم دجـاه

‍‍‌‏‎ومـهفهف لـلغصن حـسن قوامه

والـظـبي مـنه إذا رنـا عـيناه

‍‍‌‏‎نـازعـته كـأسا كـأن ضـياءها

لـما تـبدّت فـي الـظلام ضـياه

‍‍‌‏‎فـي لـيلة حـسنت بـود وصاله

فـكـأنها مــن حـسـنه إيـاه

‍‍‌‏‎فـكـأنما فـيـه الـثريا إذ بـدت

كـف يـشير الـى الـذي يـهواه

‍‍‌‏‎والـبدر مـنتصف الـضياء كأنه

مـتـبسم بـالـكف يـستر فـاه

‍‍‌‏‎ظـبي لـو أن الـفكر مـرّ بخده.

مـن دون لـحظة نـاظر أدمـاه

‍‍‌‏‎فـحرمت قرب الوصل منه مثل ما

حـرم الـحسين الـماء وهو يراه

‍‍‌‏‎واحـتز رأسـا طـالما من حجره

أدنـتـه كـفـا جــده ويــداه

‍‍‌‏‎يــوم بـعـين الله كـان وانـما

يـمـلي لـظـلم الـظـالمين الله

‍‍‌‏‎يـوم عـليه تغيرت شمس الضحى

وبـكت دمـا مـما رأتـه سـماه

‍‍‌‏‎لا عـذر فـيه لـمهجة لـم تنفطر

أو ذي بـكاء لـم تـفض عـيناه

‍‍‌‏‎تـبـاً لـقـوم تـابعوا أهـواءهم

فـيـما يـسـوءهم غـدا عـقباه

اتـراهم لـم يـسمعوا مـا خصه

فـيـه الـنبي مـن الـمقال ابـاه

‍‍‌‏‎اذ قـال يـوم غـدير خـم مـعلنا

مـن كـنت مـولاه فـذا مـولاه

‍‍‌‏‎هــذي وصـيته الـيه فـافهموا

يـا مـن يـقول بـأن مـا أوصاه

‍‍‌‏‎واقـروا مـن القرآن ما في فضله

وتـأمـلوه واعـرفـوا فـحـواه

‍‍‌‏‎لـو لـم تـنزّل فيه إلا (هل أتى)

مــن دون كــل مـنزّل لـكفاه

‍‍‌‏‎مَـن كان أول مَن حوى القرآن من

لـفـظ الـنـبي ونـطقه وتـلاه

‍‍‌‏‎مَن كان صاحب فتح خيبر من رمى

بـالـكف مـنـه بـابـه ودحـاه

‍‍‌‏‎مَن عاضد المختار من دون الورى

مَــن آزر الـمختار مـن آخـاه

‍‍‌‏‎مَـن خـصه جبريل من رب العل

بـتـحية مــن ربــه وحـباه

‍‍‌‏‎أظـنـنـتم أن تـقـتـلوا أولاده

ويـظـلكم يــوم الـمعاد لـواه

‍‍‌‏‎أو تـشربوا مـن حـوضه بيمينه

كـأسا وقـد شـرب الحسين دماه

‍‍‌‏‎أنـسـيتم يــوم الـكساء وانـه

مـمن حـواه مـع الـنبي كـساه

‍‍‌‏‎يــا رب انــي مـهتد بـهداهم

لا اهـتدي يـوم الـهدى بـسواه

‍‍‌‏‎اهـوى الـذي يـهوى النبي وآله

أبــدا واشـنأ كـل مَـن يـشناه

قد قـال قـبلي في قريض قائل

ويــل لـمى شـفعاؤه خـصماه

ما العمر ما طالت به الدّهور

وقال يصف الطّرد:[٢]

مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ،

العمرُ ما تمَّ بهِ السرورُ ‍!

أيامُ عزي ، ونفاذِ أمري

هي التي أحسبها منْ عمري

مَا أجْوَرَ الدّهْرَ عَلى بَنِيهِ!

وأغدرَ الدهرَ بمنْ يصفيهِ !

لوْ شئتُ مما قدْ قللنَ جدَّا

عَدَدْتُ أيّامَ السّرُورِ عَدّا

أنعتُ يوماً ، مرَّ لي بـ ” الشامِ ” ،

ألذَّ ما مرَّ منَ الأيامِ

دَعَوْتُ بِالصَّقّارِ، ذاتَ يَوْمِ،

عندَ انتباهي ، سحراً من نومي

قلتُ لهُ : اخترْ سبعة ً كباراً

كُلٌّ نَجِيبٌ يَرِدُ الغُبَارَا

يَكُونُ لِلأرْنَبِ مِنْهَا اثْنَانِ،

وخمسة ٌ تفردُ للغزلانِ

وَاجْعَلْ كِلابَ الصّيْدِ نَوْبَتَينِ

ترسلُ منها اثنينِ بعدَ اثنين

و لاَ تؤخرْ أكلبَ العراضِِ!

فَهُنّ حَتْفٌ لِلظِّبَاءِ قَاضِ

ثم تقدمتُ إلى الفهادِ

وَالبَازيَارِينَ بِالاسْتِعْدَادِ

وقلتُ : إنًَّ خمسة ً لتقنعُ

وَالزُّرّقَانِ: الفَرْخُ وَالمُلَمَّعُ

و أنتَ ، يا طباخُ ، لا تباطا!

عجلْ لنا اللباتِ والأوساطا !

ويا شرابي البلقسياتِ

تَكُونُ بِالرّاحِ مُيَسَّرَاتِ

بِالله لا تَسْتَصْحِبُوا ثَقِيلا!

واجتنبوا الكثرة َ والفضولا !

ردوا فلاناً ، وخذوا فلانا!

وَضَمّنُوني صَيْدَكُمْ ضَمَانَا!

فاخترتُ ، لمَّـا وقفوا طويلا،

عشرينَ ، أو فويقها قليلا

عِصَابَة ٌ، أكْرِمْ بِهَا عِصَابَهْ،

معروفة ٌ بالفضلِ والنجابه

ثُمّ قَصَدْنَا صَيْدَ عَينِ قَاصِرِ

مَظِنّة َ الصّيْدِ لِكُلّ خَابِرِ

جئناهُ والشمسُ ، قبيلَ المغربِ

تَختالُ في ثَوْبِ الأصِيلِ المُذهَب

وَأخذَ الدُّرّاجُ في الصّيَاحِ،

مُكْتَنِفاً مِنْ سَائِرِ النّوَاحي

في غَفْلَة ٍ عَنّا وَفي ضَلالِ،

ونحنُ قد ْ زرناهُ بالآجالِ

يَطْرَبُ للصُّبْحِ، وَلَيسَ يَدرِي

أنَّ المنايا في طلوعِ الفجرِ

حَتى إذَا أحْسَسْتُ بِالصّبَاحِ

ناديتهمْ : ” حيَّ على الفلاحِ ! “

نحنُ نصلي والبزاة ُ تخرجُ

مُجَرَّدَاتٍ، وَالخُيُولُ تُسْرَجُ

فقلتُ للفهادِ : فامضِ وانفردْ

وَصِحْ بنا، إنْ عنّ ظبيٌ، وَاجتَهِدْ

فلمْ يزلْ ، غيرَ بعيدٍ عنا ،

إليهِ يمضي ما يفرُّ منا

وَسِرْتُ في صَفٍّ مِنَ الرّجالِ،

كَأنّمَا نَزْحَفُ لِلْقِتَالِ

فما استوينا كلنا حتى وقفْ

لَمّا رَآنَا مَالَ بِالأعْنَاقِ

ثمَّ أتاني عجلاً ، قالَ : ألسبقْ !

فقُلتُ: إن كانَ العِيانُ قد صَدَقْ

سِرْتُ إلَيْهِ فَأرَاني جَاثِمَهْ

ظَنَنْتُهَا يَقْظَى وكَانَتْ نائِمَهْ

ثُمّ أخَذتُ نَبَلَة ً كانَتْ مَعي،

وَدُرْتُ دَوْرَيْنِ وَلَمْ أُوَسَعِ

حتى تمكنتُ ، فلمْ أخطِ الطلبْ ،

لكلِّ حتفٍ سببٌ منَ السببْ

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

وقال يفتخر، وقد بلغه أنّ الرّوم قالت: ” ما أسرنا أحداً لم نسلب سلاحه غير أبي فراس:[٣]

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،

أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟

بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ،

ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !

إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى

وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ

تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي

إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ

معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ،

إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!

حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا

و أحسنَ ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ ، العذرُ

و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ

لأحرفها ، من كفِّ كاتبها بشرُ

بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً

هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ

تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي

لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ

بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني

أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ

وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ

وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ

فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ

فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ

وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ

لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ

وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها،

فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ

تسائلني: ” منْ أنتَ ؟ ” ، وهي عليمة ٌ ،

وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟

فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى :

قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ

فقلتُ لها: ” لو شئتِ لمْ تتعنتي ،

وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!

فقالتْ: ” لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا!

فقلتُ: “معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ،

وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ

إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ

وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ

إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ

فأيقنتُ أنْ لا عزَّ ، بعدي ، لعاشقٍ ؛

وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ

وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ،

إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ

فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها،

لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ

تواعدنا بآذارِ

وقال في اللهو والمجون:[٤]\

تواعـــدنا بآذارِ

لمسعى ً غيرِ مختارِ

وَقُمْنَا، نَسحَبُ الرَّيْطَ،

إلى حانة ِ خمَّـارِ ؛

فَلَمْ نَدْرِ، وَقَدْ فاحَتْ

لَنَا مِنْ جَانِبِ الدّارِ

بخمارٍ ، منَ القومِ ،

نَزَلْنَا، أمْ بِعَطّارِ؟

فلما ألبسَ الليلُ ،

لنا ثوباً منَ القارِ

وَقُلْنَا: أوْقِدِ النّارَ

لِطُرَاقٍ وَزُوّارِ

وَجَا خَاصِرَة َ الدّنّ

فأغنانا عنِ النارِ

وَمَا في طَلَبِ اللّهْوِ،

عَلى الفِتْيَانِ، مِنْ عَارِ!

المراجع

  1. أبو فراس الحمداني، كتاب ديوان أبي فراس الحمداني (ط دار الكتاب العربي)، صفحة 346.
  2. “مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ،”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019.
  3. “أراك عصي الدمع شيمتك الصبر”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019.
  4. أبو فراس الحمداني، كتاب ديوان أبي فراس الحمداني (ط دار الكتاب العربي)، صفحة 183.