قصائد العرب

قلدت جيد المعالي لمحمود سامي البارودي

قَلَّدْتُ جِيدَ الْمَعَالِي حِلْيَةَ الْغَزَلِ

وَقُلْتُ فِي الْجِدِّ مَا أَغْنَى عَنِ الْهَزَلِ

يأبى لى َ الغى َّ قلب لا يميلُ بهِ

عَنْ شِرْعَة ٍ الْمَجْدِ سِحْرُ الأَعْيُنِ النُّجُلِ

أَهِيمُ بِالْبِيضِ فِي الأَغْمَادِ بَاسِمَة

عنْ غرة النصرِ، لا بالبيضِ في الكللِ

لَمْ تُلْهِنِي عَنْ طِلابِ الْمَجْدِ غَانِيَةٌ

فِي لَذَّةِ الصَّحْوِ مَا يُغْنِي عَنِ الثَّمَلِ

كمْ بينَ منتدبٍ يدعو لمكرمة

وَبَيْنَ مُعْتَكِفٍ يَبْكِي عَلَى طَلَلِ

لَوَلا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْخَلْقِ مَا ظَهَرَتْ

مَزِيَّةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَلْيِ وَالْعَطَلِ

فانهض إلى صهواتِ المجدِ معتلياً

فالبازُ لمْ يأوِ إلاَّ عاليَ القللِ

ودعْ منَ الأمرِ أدناهُ لأبعدهِ في لجة

البحرِ ما يغنى عنِ الوشلِ

قدْ يظفرُ الفاتكُ الألوى بحاجتهِ

وَيَقْعُدُ الْعَجْزُ بِالْهَيَّابَة ِ الْوَكَلِ

وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ تَسْلَمْ، فَرُبَّ فَتى

ألقى بهِ الأمنُ بينَ اليأسِ وَ الوجلِ

وَلا يغرنكَ بشرٌ منْ أخى ملقٍ

فرونقُ الآلِ لا يشفى منَ الغللِ

لوْ يعلمُ ما في الناس منْ دخنٍ

لَبَاتَ مِنْ وُدِّ ذِي الْقُرْبَى عَلَى دَخَلِ

فَلا تَثِقْ بِوَدَادٍ قَبْلَ مَعْرِفَةٍ

فَالْكُحْلُ أَشْبَهُ فِي الْعَيْنَيْنِ بِالْكَحَلِ

وَاخْشَ النَّمِيمَة، وَاعْلَمْ أَنَّ قَائِلَهَا

يصليكَ منْ حرهاَ ناراً بلاَ شعلِ

كمْ فرية ٍ صدعتْ أركانَ مملكة

وَمَزَّقَتْ شَمْلَ وُدٍّ غَيْرِ مُنْفَصِلِ

فاقبلْ وصاتي، وَلا تصرفكَ لاغية

عنى؛ فما كلُّ رامٍ منْ بنى ثعل

إني امرؤٌ كفنى حلمي، وأدبني

كرُّ الجديدينِ منْ ماضٍ وَ مقتبلِ

فَمَا سَرَيْتُ قِنَاعَ الْحِلْمِ عَنْ سَفَهٍ

وَلاَ مَسَحْتُ جَبِينَ الْعِزِّ مِنْ خَجَلِ

حلبتُ أشطرَ هذا الدهرِ تجربة

وَذُقْتُ مَافِيهِ مِن صَابٍ، وَمِنْ عَسَلِ

فَمَا وَجَدْتُ عَلَى الأَيَّامِ بَاقِيَة

أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ حُرِّيَّة ِ الْعَمَلِ

قبس بدا لجبران خليل جبران

قبس بدا من جانب الصحراء

هل عاد عهد الوحي في سيناء

أرنو إلى الطور الأشم فأجتلي

إيماض برق واضح الإيماء

حيث الغمامة والكليم مروع

أرست وقوراً أيما إرساء

دكناء مثقلة الجوانب رهبة

مكظومة النيران في الأحشاء

حتى تكلم ربها فتمزقت

بين الصواعب في سنى وسناء

وتنزلت أحكامه في لوحها

مكتوبة آياتها بضياء

أترى العناية بعد لأي هيأت

للشرق منجاة من الغماء

فأتيح في لوح الوصايا جانب

خال لمؤتنف من الإيصاء

وتخلفت بين الرمال مظنة

لتفجر في الصخرة الصماء

قد آن للعاشين في ظلمائهم

حقباً خروجهم من الظلماء

إني لميمون النقيبة ملهم

إبراء زمناهم وري ظماء

إن لم يقدهم قائد ذو مرة

متبين منهم مكان الداء

يهديهم سبل الرقي ملائما

لزمانهم وطرائق العلياء

ألشاعرية لا تزال كعهدها

بعد النبوة مهبط الإيحاء

والصوت إن تدع الحقيقة صوتها

والنور نور خيالها الوضاء

يا شيخ سيناء التي بعث الهدى

من تيهها في آية غراء

سنرى وأنت معرب عن حقها

كيف الموات يفوز بالأحياء

باكرتنا بواكر الوسمي للبحتريّ

بَاكَرَتْنا بَوَاكِرُ الوَسْميِّ

ثمّ رَاحَتْ، وَأقْبَلَتْ بالوَليِّ

وَأرَى الغَيثَ لَيسَ يَنفَكُّ يَهمي

في غَداةٍ مُخضَلّةٍ، وعَشِيّ

فَسَقَى الأرْضَ رَيَّهَا مِنْ نَداهُ

فاسقِني، منْ سُلافَةِ الرّاحِ، رَيّي

أصْبَحَتْ بهجَةُ النّعيمِ، وَأمستْ

بَينَ قَصرِ الصَّبيحِ وَالجَعفَرِيّ

في البِنَاءِ العَجيبِ، وَالمَنزِلِ الآ

نِسِ، وَالمَنظَرِ الجَميلِ، البَهيّ

وَرِياضٍ تَصْبُو النّفوسُ إلَيها

وَتُحَيّا بورْدِهِنَّ الجَنِيّ

دارُ مُلْكٍ مُختَارَةٌ لإمَامٍ

أحْرَزَتْ كَفُّهُ تُرَاثَ النّبِيّ

وَهَبَ الله للرّعيّةِ مِنْهُ

سِيرَةَ الفاضِلِ، التّقيّ، الذّكيّ

فَهْيَ مَحْبُوّةٌ بإحْسانِهِ الضّا

في عَلَيْهَا، وَحِكمَةِ المَرْضِيّ

يا إمَامَ الهُدَى، وَيا صَاحبَ الحقّ

وَيابْنَ الرّشيدِ، وَالمَهْدِيّ

ليَدُمْ دَهرُكَ المُحَبَّبُ في النّا

سِ بعُمْرٍ باقٍ، وَعَيشٍ رَضِيّ

أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق لولادة بنت المستكفي

أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق

سبيلٌ فيشكو كلّ صبّ بما لقي

وَقد كنت أوقات التزاورِ في الشتا

أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ

فَكيفَ وقد أمسيت في حال قطعة

لَقد عجّل المقدور ما كنت أتّقي

تمرُّ الليالي لا أرى البين ينقضي

وَلا الصبر من رقّ التشوّق معتقي

سَقى اللَه أرضاً قد غدت لك منزلاً

بكلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ