أشعار جرير في الغزل
أجد رواح القوم أم لا تروح
أَجَدَّ رَواحُ القَومِ أَم لا تَرَوُّحُ
- نَعَم كُلُّ مَن يُعنى بِجُملٍ مُتَرَّحُ
إِذا اِبتَسَمَت أَبدَت غُروباً كَأَنَّها
- عَوارِضُ مُزنٍ تَستَهِلُّ وَتَلمَحُ
لَقَد هاجَ هَذا الشَوقُ عَيناً مَريضَةً
- أَجالَت قَذاً ظَلَّت بِهِ العَينُ تَمرَحُ
بِمُقلَةِ أَقنى يَنفِضُ الطَلَّ باكِرٍ
- تَجَلّى الدُجى عَن طَرفِهِ حينَ يُصبِحُ
وَأَعطَيتُ عَمرواً مِن أُمامَةَ حُكمَهُ
- وَلِلمُشتَري مِنهُ أُمامَةَ أَربَحُ
صَحا القَلبُ عَن سَلمى وَقَد بَرَّحَت بِهِ
- وَما كانَ يَلقى مِن تُماضِرَ أَبرَحُ
رَأَيتُ سُلَيمى لا تُبالي الَّذي بِنا
- وَلا عَرَضاً مِن حاجَةٍ لا تُسَرَّحُ
إِذا سايَرَت أَسماءُ يَوماً ظَعائِناً
- فَأَسماءُ مِن تِلكَ الظَعائِنِ أَملَحُ
ظَلَلنَ حَوالَي خِدرِ أَسماءَ وَاِنتَحى
- بِأَسماءَ مَوّارُ المِلاطَينِ أَروَحُ
تَقولُ سُلَيمى لَيسَ في الصَرمِ راحَةٌ
- بَلى إِنَّ بَعضَ الصَرمِ أَشفى وَأَروَحُ
أُحِبُّكِ إِنَّ الحُبَّ داعِيَةُ الهَوى
- وَقَد كادَ ما بَيني وَبَينَكِ يَنزَحُ
أَلا تَزجُرينَ القائِلينَ لِيَ الخَنا
- كَما أَنا مَعنِيٌّ وَراءَكِ مُنفِحُ
أَلِمّا عَلى سَلمى فَلَم أَرَ مِثلَها
- خَليلَ مُصافاةٍ يُزارُ وَيُمدَحُ
وَقَد كانَ قَلبي مِن هَواها وَذِكرَةٍ
- ذَكَرنا بِها سَلمى عَلى النَأيِ يَفرَحُ
إِذا جِئتُها يَوماً مِنَ الدَهرِ زائِراً
- تَغَيَّرَ مِغيارٌ مِنَ القَومِ أَكلَحُ
فَلِلَّهِ عَينٌ لا تَزالُ لِذِكرِها
- عَلى كُلِّ حالٍ تَستَهِلُّ وَتَسفَحُ
وَما زالَ عَنّي قائِدُ الشَوقِ وَالهَوى
- إِذا جِئتُ حَتّى كادَ يَبدو فَيَفضَحُ
أَصونُ الهَوى مِن رَهبَةٍ أَن تَعُزَّها
- عُيونٌ وَأَعداءٌ مِنَ القَومِ كُشَّحُ
فَما بَرِحَ الوَجدُ الَّذي قَد تَلَبَّسَت
- بِهِ النَفسُ حَتّى كادَ لِلشَوقِ يَذبَحُ
لَشَتّانَ يَومٌ بَينَ سَجفٍ وَكِلَّةٍ
- وَمَرِّ المَطايا تَغتَدي وَتَرَوَّحُ
أَعائِفَنا ماذا تَعيفُ وَقَد مَضَت
- بَوارِحُ قُدّامَ المَطِيِّ وَسُنَّحُ
نَقيسُ بَقِيّاتِ النِطافِ عَلى الحَصى
- وَهُنَّ عَلى طَيِّ الحَيازيمِ جُنَّحُ
وَيَومٍ مِنَ الجَوزاءِ مُستَوقِدِ الحَصى
- تَكادُ صَياصي العَينِ مِنهُ تَصَيَّحُ
شَديدِ اللَظى حامي الوَديقَةِ ريحُهُ
- أَشَدُّ أَذىً مِن شَمسِهِ حينَ تَصمَحُ
بِأَغبَرَ وَهّاجِ السَمومِ تَرى بِهِ
- دُفوفَ المَهارى وَالذَفارى تَنَتَّحُ
نَصَبتُ لَهُ وَجهي وَعَنساً كَأَنَّها
- مِنَ الجَهدِ وَالإِسآدِ قَرمٌ مُلَوَّحُ
أَلَم تَعلَمي أَنَّ النَدى مِن خَليقَتي
- وَكُلُّ أَريبٍ تاجِرٍ يَتَرَبَّحُ
فَلا تَصرِميني أَن تَرَي رَبَّ هَجمَةٍ
- يُريحُ بِذَمٍّ ما أَراحَ وَيَسرَحُ
ألا حي الديار بسعد إني
ألا حيَّ الديارَ بسعدْ إنيَّ
- أُحِبّ لحِبّ فاطِمَة َ الدّيَارَا
أرَادَ الظّاعِنُونَ لِيُحْزِنُوني،
- فهاجوا صدعَ قلبي فاستطارا
لقدْ فاضتْ دموعكَ يومَ قوٍّ
- لَبْينٍ كانَ حاجَتُهُ ادّكَارَا
أبِيتُ اللّيلَ أرْقُبُ كُلَّ نَجْمٍ
- تَعَرّضَ حَيثُ أنجَدَ ثمّ غَارَا
يَحِنّ فُؤادُهُ وَالعَينُ تَلْقَى
- منَ العبراتِ جولاً وانحدارا
إذا ما حَلّ أهْلُكِ يا سُلَيْمَى
- بدارة ِ صلصلٍ شحطوا المزارا
فَيَدْعُونَا الفُؤادُ إلى هَوَاهَا
- و يكرهُ أهلُ جهمة َ أنْ تزارا
كأنَّ مجاشعاً نخباتُ نيبٍ
- هبطنَ الهرمَ أسفلَ منْ سرارا
إذا حَلّوا زَرُودَ بَنَوْا عَلَيْهَا
- بيوتَ الذلَّ والعمدَ القصارا
تسيلُ عليهمُ شعبُ المخازي
- و قدْ كانوا لنسوأتها قرارا
وَهَلْ كانَ الفَرَزْدَقُ غَيرَ قِرْدٍ
- أصابتهُ الصواعقُ فاستدارا
و كنتَ إذا حللتَ بدارِ قومٍ
- رَحَلْتَ بِخِزْيَة ٍ وَتَرَكْتَ عَارَا
تزوجتمُ نوارَ ولمْ تريدوا
- لِيُدْرِكَ ثَائِرٌ بِأبي نَوَارَا
فديتكَ يا فرزدقُ دينُ ليلى
- نزورَ القينَ حجا واعتمارا
فظلَّ القينُ بعدَ نكاحِ ليلى
- يطيرُ على َ سبالكمُ الشرارا
مَرَيتُمْ حَرْبَنَا لَكُمُ فَدَرّتْ
- بذي علقٍ فأبطأتِ الغرار
ألمْ أكُ قدْ نهيتُ على حفيرٍ
- بني قرطٍ وعلجهمُ شقارا
سأرهنُ يا بنَ حادجة َ الروايا
- لَكُمْ مَدَّ الأعِنّة ِ وَالحِضَارَا
يَرَى المُتَعَبِّدونَ عَلَيّ، دوني،
- حياضَ الموتِ واللججَ الغمارا
ألَسْنَا نَحْنُ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدُّ
- غَداة َ الرَّوْعِ أجْدَرَ أنْ نَغَارَا
و أضربَ بالسيوفِ إذا تلاقتْ
- هَوَادي الخيْلِ صَادِيَة ً حِرَارَا
و أطعنَ حينَ تختلفُ العوالي
- بِمَأزُولٍ إذا ما النّقْعُ ثَارَا
و أحمدَ في القرى وأعزَّ نصراً
- و أمنعَ جانباً وأعزَّ جارا
غضبنا يومَ طخفة َ قدْ علمتمْ
- فصفدنا الملوكَ بها اعتسارا
فوارسنا عتيبة ُ وابنَ سعدٍ
- و فؤادُ المقانبِ حيثُ سارا
و منا المعقلانِ وعبدُ قيسٍ
- و فارسنا الذي منعَ الذمارا
فَمَا تَرْجُو النّجُومَ بَنُو عِقَالٍ
- و لا القمرَ المنيرَ إذا استنارا
و نحنُ الموقدونَ بكلَّ ثغرٍ
- يخافُ بهِ العدوُّ عليكَ نارا
أتَنْسَوْنَ الزُّبَيرَ وَرَهْنَ عَوْفٍ
- و عوفاً حينَ عزكمُ فجارا[٢]
ألا بكرت سلمى فجد بكورها
أَلا بَكَرَت سَلمى فَجَدَّ بُكورُها
- وَشَقَّ العَصا بَعدَ اجتِماعٍ أَميرُها
إِذا نَحنُ قُلنا قَد تَبايَنَتِ النَوى
- تُرَقرِقُ سَلمى عَبرَةً أَو تُميرُها
لَها قَصَبٌ رَيّانُ قَد شَجِيَت بِهِ
- خَلاخيلُ سَلمى المُصمَتاتُ وَسورُها
إِذا نَحنُ لَم نَملِك لِسَلمى زِيارَةً
- نَفِسنا جَدا سَلمى عَلى مَن يَزورُها
فَهَل تُبلِغَنّي الحاجَ مَضبورَةُ القَرا
- بَطيءٌ بِمَورِ الناعِجاتِ فُتورُها
نَجاةٌ يَصِلُّ المَروُ تَحتَ أَظَلِّها
- بِلاحِقَةِ الأَظلالِ حامٍ هَجيرُها
أَلا لَيتَ شِعري عَن سَليطٍ أَلَم تَجِد
- سَليطٌ سِوى غَسّانَ جاراً يُجيرُها
لَقَد ضَمَّنوا الأَحسابَ صاحِبَ سَوأَةٍ
- يُناجي بِها نَفساً لَئيماً ضَميرُها
سَتَعلَمُ ما يُغني حُكَيمٌ وَمَنقَعٌ
- إِذا الحَربُ لَم يَرجِع بِصُلحٍ سَفيرُها
أَلا ساءَ ما تُبلي سَليطٌ إِذا رَبَت
- جَواشِنُها وَاِزدادَ عَرضاً ظُهورُها
عَضاريطُ يَشوُونَ الفَراسِنَ بِالضُحى
- إِذا ما السَرايا حَثَّ رَكضاً مُغيرُها
فَما في سَليطٍ فارِسٌ ذو حَفيظَةٍ
- وَمَعقِلُها يَومَ الهِياجِ جُعورُها
أَضِجّوا الرَوايا بِالمَزادِ فَإِنَّكُم
- سَتُكفَونَ كَرَّ الخَيلِ تَدمى نُحورُها
عَجِبتُ مِنَ الداعي جُحَيشاً وَسائِداً
- وَعَيساءُ يَسعى بِالعِلابِ نَفيرُها
أَساعِيَةٌ عَيسَءُ وَالضَأنُ حُفَّلٌ
- فَما حاوَلَت عَيساءُ أَم ما عَذيرُها
إِذا ما تَعاظَمتُم جُعوراً فَشَرِّفوا
- جُحَيشاً إِذا آبَت مِنَ الصَيفِ عيرُها
أُناساً يَخالونَ العَباءَةَ فيهِمُ
- قَطيفَةَ مِرعِزّى يُقَلَّبُ نيرُها
إِذا قيلَ رَكبٌ مِن سَليطٍ فَقُبِّحَت
- رِكاباً وَرُكباناً لَئيماً بَشيرُها
نَهَيتُكُمُ أَن تَركَبوا ذاتَ ناطِحٍ
- مِنَ الحَربِ يُلوى بِالرِداءِ نَذيرُها
وَما بِكُمُ صَبرٌ عَلى مَشرَفِيَّةٍ
- تَعَضُّ فِراخَ الهامِ أَو تَسطِيُرها
تَمَنَّيتُمُ أَن تَسلُبوا القاعَ أَهلَهُ
- كَذاكَ المُنى غَرَّت جُحَيشاً غُرورُها
وَقَد كانَ في بَقعاءِ رِيٌّ لِشائِكُم
- وَتَلعَةَ وَالجَوباءُ يَجري غَديرُها
تَناهَوا وَلا تَستَورِدوا مَشرَفِيَّةً
- تُطيرُ شُؤونَ الهامِ مِنها ذُكورُها
كَأَنَّ السَليطيِّينَ أَنقاضُ كَمأَةٍ
- لِأَوَّلِ جانٍ بِالعَصا يَستَثيرُها
غَضِبتُم عَلَيها أَو تَغَنَّيتُمُ بِها
- أَنِ اِخضَرَّ مِن بَطنِ التِلاعِ غَميرُها
فَلَو كانَ حِلمٌ نافِعٌ في مُقَلَّدٍ
- لَما وَغِرَت مِن غَيرِ جُرمٍ صُدورُها
بَنو الخَطَفى وَالخَيلُ أَيّامَ سوفَةٍ
- جَلَوا عَنكُمُ الظَلماءَ وَاِنشَقَّ نورُها
وَفي بِئرِ حِصنٍ أَدرَكَتها حَفيظَةٌ
- وَقَد رُدَّ فيها مَرَّتَينِ حَفيرُها
فَجِئنا وَقَد عادَت مَراعاً وَبَرَّكَت
- عَلَيها مَخاضٌ لَم تَجِد مَن يُثيرُها
لَئِن ضَلَّ يَوماً بِالمُجَشَّرِ رَأيُهُ
- وَكانَ لِعَوفٍ حاسِداً لا يَضيرُها
فَأَولى وَأَولى أَن أُصيبَ مُقَلَّداً
- بِغاشِيَةِ العَدوى سَريعٍ نُشورُها
لَقَد جُرِّدَت يَومَ الحِدابِ نِسائُهُم
- فَساءَت مَجاليها وَقَلَّت مُهورُها[٣]
بان الخليط ولو طوعت ما بانا
يا أُمَّ عُثمانَ إِنَّ الحُبُّ عَن عَرضٍ
- يُصبي الحَليمَ وَيُبكي العَينَ أَحيانا
ضَنَّت بِمَورِدَةٍ كانَت لَنا شَرَعاً
- تَشفي صَدى مُستَهامِ القَلبِ صَديانا
كَيفَ التَلاقي وَلا بِالقَيظِ مَحضَرُكُم
- مِنّا قَريبٌ وَلا مَبداكِ مَبدانا
نَهوى ثَرى العِرقِ إِذ لَم نَلقَ بَعدَكُمُ
- كَالعِرقِ عِرقاً وَلا السُلّانِ سُلّانا
ما أَحدَثَ الدَهرُ مِمّا تَعلَمينَ لَكُم
- لِلحَبلِ صُرماً وَلا لِلعَهدِ نِسيانا
أَبُدِّلَ اللَيلُ لا تَسري كَواكِبُهُ
- أَم طالَ حَتّى حَسِبتُ النَجمَ حَيرانا
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ
- قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا
يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ
- وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانا
يا رُبُّ غابِطِنا لَو كانَ يَطلُبُكُم
- لاقى مُباعَدَةً مِنكُم وَحِرمانا[٤]
المراجع
- ↑ “أجد رواح القوم أم لا تروح”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.
- ↑ “ألا حيَّ الديارَ بسعدْ إنيَّ”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.
- ↑ “أَلا بَكَرَت سَلمى فَجَدَّ بُكورُها .. جرير”، poetsgate، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.
- ↑ جرير بن عطية الخطفي، كتاب ديوان جرير، صفحة 492.