أجمل ما قال جميل بثينة في الغزل
شهدت بأني لم تغير مودتي
شهِدتُ بأني لم تَغَيّر مودّتي،
- وأني بكم، حتى الممات، ضنينُ
وأنّ فؤادي لا يلينُ إلى هوى
- سواكِ، وإن قالوا: بلى ، سيلينُ
فَقَدْ بَانَ أَيَّام الصِّبَا ثُمَّ لَمْ يَكَدْ،
- مِنَ الدَّهْرِ، شَيْءٌ، بَعْدَهُنَّ، يَلينُ
ولمّا علونَ اللابتينِ، تشوفت
- قلوبٌ إلى وادي القُرى ، وعيونُ
كأنّ دموعَ العينِ، يومَ تحملتْ
- بُثينة ُ، يسقِيها الرِّشاشَ مَعِينُ
ظعائِنُ، ما في قُرْبهنّ لذي هوًى
- من الناس ، إلا شقوة ٌ وفنونُ
وواكلنهُ والهمَّ، ثمّ تركنه،
- وفي القلبِ ، من وجد بهنّ ، حنين
ورُحنَ، وقد أودَعنَ قلبي أمانة ً
- لبثينة َ: سرٌّ في الفؤاد ، كمينُ
كسِرّ النّدى ، لم يعلم الناسُ أنّه
- ثَوَى في قَرَارِ الأرضِ وهو دَفين
إذا جاوزَ الاثنينِ سرٌّ، فإنه،
- بنَثٍّ وإفشاءِ الحديثِ، قَمِين
تُشيِّبُ رَوعاتُ الفِراق مفَارقي،
- وأنشَزنَ نفسي فوقَ حيثُ تكون
فوا حسرَتا! إنْ حِيلَ بيني وبينها،
- ويا حينَ نفسي، كيف فيكِ تحينُ!
وإني لأستغشي، وما بيَ نَعسة ٌ
- لعلّ لِقاءً، في المنام، يكون
فإن دامَ هذا الصّرمُ منكِ، فإنني
- لأغبرها، في الجانبينَ، رهينُ
يقولون: ما أبلاكَ، والمالُ عامرٌ
- عليك، وضاحي الجلد منك كنِين
فقلت لهم: لا تَعذُلوني، وانظُروا
- إلى النازِعِ المقصورِ كيف يكونُ
أبلغ بثينة أني لست ناسيها
أبلغ بثينـة أني لست ناسيهـا
- ما عشت حتى تجيب النّفس داعيها
بانت فلا القلب يسلو من تذكّرها
- يوما ولا نحن في أمـر نلاقيهـا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة
أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة
- وقد عشت دهرا لا أعدّ اللياليا
ألم تعلمي يا عذبـة المـاء أنني
- أظلّ إذا لم أُسقَ مـاءك صاديا
وودت على حبّي الحيـاة لو أنّها
- يزاد لها في عمرها من حياتيا
فما زادني الواشـون إلا صبابـة
- ولا زادني النّاهون إلا تماديـا
وقالـوا بـه داء عيـاء أصابـه
- وقد علمت نفسي مكان دوائيا
هي السّحـر إلا أنّ للسّحـر رقية
- وإنّي لا ألفي لها الدّهـر راقيا
أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها
- وأشبهه أو كان منـه مدانيـا
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها
فيا حسنها! إذ يغسلُ الدمعُ كحلها
- وإذ هيَ تذري الدمعَ منها الأناملِ!
عشية قالت في العتابِ: قتلتني،
- وقتلي، بما قالت هناك، تُحاوِلُ
فقلت لها: جودي، فقالت مجيبة ً،
- ألَلجِدُّ هذا منكَ، أم أنتَ هازِلُ؟
لقد جعلَ الليلُ القصيرُ لنا بكم،
- عليّ، لروعاتِ الهوى ، يتطاولُ
ألا ليت ريعان الشباب جديد
خليلي، ما ألقى من الوجدِ باطنٌ
- ودمعي بما أخفيَ، الغداة َ، شهيدُ
ألا قد أرى ، واللهِ أنْ ربّ عبرة ٍ
- إذا الدار شطّتْ بيننا، ستَزيد
إذا قلتُ: ما بي يا بثينة ُ قاتِلي،
- من الحبّ، قالت: ثابتٌ، ويزيدُ
وإن قلتُ: رديّ بعضَ عقلي أعشْ بهِ
- تولّتْ وقالتْ: ذاكَ منكَ بعيد!
فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالباً،
- ولا حبها فيما يبيدُ يبيدُ
جزتكَ الجواري، يا بثينَ، سلامة ً
- إذا ما خليلٌ بانَ وهو حميد
وقلتُ لها، بيني وبينكِ، فاعلمي
- من الله ميثاقٌ له وعُهود
وقد كان حُبّيكُمْ طريفاً وتالداً،
- وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ
وإنّ عَرُوضَ الوصلِ بيني وبينها،
- وإنْ سَهّلَتْهُ بالمنى ، لكؤود
وأفنيتُ عُمري بانتظاريَ وَعدها،
- وأبليتُ فيها الدهرَ وهو جديد
فليتَ وشاة َ الناسِ، بيني وبينها
- يدوفُ لهم سُمّاً طماطمُ سُود
وليتهمُ، في كلّ مُمسًى وشارقٍ،
- تُضاعَفُ أكبالٌ لهم وقيود
ويحسَب نِسوانٌ من الجهلِ أنّني
- إذا جئتُ، إياهنَّ كنتُ أريدُ
فأقسمُ طرفي بينهنّ فيستوي
- وفي الصّدْرِ بَوْنٌ بينهنّ بعيدُ
ألا ليتَ شعري، هلَ أبيتنّ ليلة ً
- بوادي القُرى ؟ إني إذَنْ لَسعيد!
وهل أهبِطَنْ أرضاً تظَلُّ رياحُها
- لها بالثنايا القاوياتِ وئِيدُ؟
وهل ألقينْ سعدى من الدهرِ مرة ً
- وما رثّ من حَبلِ الصّفاءِ جديدُ؟
وقد تلتقي الأشتاتُ بعدَ تفرقٍ
- وقد تُدرَكُ الحاجاتُ وهي بعِيد
وهل أزجرنْ حرفاً علاة ً شملة ً
- بخرقٍ تباريها سواهمُ قودُ
على ظهرِ مرهوبٍ، كأنّ نشوزَهُ،
- إذا جاز هُلاّكُ الطريق، رُقُود
سبتني بعيني جؤذرٍ وسطَ ربربٍ
- وصدرٌ كفاثورِ اللجينَ جيدُ
تزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتها
- مُباهِية ٌ، طيَّ الوشاحِ، مَيود
إذا جئتُها، يوماً من الدهرِ، زائراً،
- تعرّضَ منفوضُ اليدينِ، صَدود
يصُدّ ويُغضي عن هواي، ويجتني
- ذنوباً عليها، إنّه لعَنود!
فأصرِمُها خَوفاً، كأني مُجانِبٌ،
- ويغفلُ عن مرة ً فنعودُ
ومن يُعطَ في الدنيا قريناً كمِثلِها،
- فذلكَ في عيشِ الحياة ِ رشيدُ
يموتُ الْهوى مني إذا ما لقِيتُها،
- ويحيا، إذا فرقتها، فيعودُ
يقولون: جاهِدْ يا جميلُ، بغَزوة ٍ،
- وأيّ جهادٍ، غيرهنّ، أريدُ
لكلّ حديثِ بينهنّ بشاشة ُ
- وكلُّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ
وأحسنُ أيامي، وأبهجُ عِيشَتي،
- إذا هِيجَ بي يوماً وهُنّ قُعود
تذكرتُ ليلى ، فالفؤادُ عميدُ،
- وشطتْ نواها، فالمزارُ بعيدُ
علقتُ الهوى منها وليداً، فلم يزلْ
- إلى اليومِ ينمي حبه ويزيدُ
فما ذُكِرَ الخُلاّنُ إلاّ ذكرتُها،
- ولا البُخلُ إلاّ قلتُ سوف تجود
إذا فكرتْ قالت: قد أدركتُ ودهُ
- وما ضرّني بُخلي، فكيف أجود!
فلو تُكشَفُ الأحشاءُ صودِف تحتها،
- لبثنة َ حبُ طارفٌ وتليدُ
ألمْ تعلمي يا أمُ ذي الودعِ أنني
- أُضاحكُ ذِكراكُمْ، وأنتِ صَلود؟
فهلْ ألقينْ فرداً بثينة َ ليلة ً
- تجودُ لنا من وُدّها ونجود؟
ومن كان في حبي بُثينة َ يَمتري،
- فبرقاءُ ذي ضالٍ عليّ شهيدُ
خليلي إن قالت بثينة ماله
خليليّ إن قالـت بثينـة : ما له
- أتانا بلا وعدٍ؟ فقولا لها : لها
أتى وهو مشغولٌ لعظـم الذي به
- ومن بات يرعى السّها سهـا
بثينة تزري بالغزالة في الضحى
- إذا برزت لم تبث يوما بِها بَها
لها مقلة كحـلاء نجـلاء خلقة
- كأن أباها الظّبي أو أمّها مهـا
دهتني بودّ قاتـل وهـو متلفي
- وكم قتلت بالودّ من ودّها دها