احلى ابيات الغزل
شعر الغزل
نال الغزل من الشّعر العربي نصيباً كبيراً، فاهتموا به وذكروه في قصائد منفصلة او في المطلع الطّللي، والآتي جزءاً من هذه الأشعار والقصائد.
أحلى أبيات الغزل
- يقول عمر بن أبي ربيعة:
أُلامُ على حُبي ، وكأنّـى سننتـهُ
وقد سُنّ هذا لحبُّ من قَبلِ جُرهُـم
فقلت: اسمعي ، يا هندُ، ثم تفهمي
مقالـةَ محـزونٍ بحُبِّـكِ مٌغـرمِ
لقد مات سرى واستقامت مودتـي
ولم ينشرح بالقولِ يا حبّي فمـي
فإن تقتلي في غير ذنبٍ،أقل لكـم
مقالـةَ مظلـومٍ مشـوقٍ متـيـمِ
هنياً لكم قتلي ، وصفـو مودتـي
فقد سط من لحمى هواك ومن مديِ
- يقول جرير:
لقد كتمت الهوى حتّى تهيّمنـي
لا أستطيعُ لهـذا الحُـبِّ كتمانـا
لا بارك الله بالدّنيـا اذا انقطعـت
أسباب دنياك من أسبـاب دنيانـا
أبـدّل اللّيـل لا تـرى كواكبـهُ
أم طال حتّى حسبت النّجم حيرانا
إنّ العيون التي في طرفها حَـوَرٌ
قتلننـا ثـم لـم يُحييـن قتلانـا
يصرعن ذا اللّب حتّى لا حراك به
وهُنَّ أضعـف خلـق الله أركانـا
- يقول إلياس أبو شبكة:
أَيَحِقُّ لي في غَيرِها الغَزلُ
وَعَلى فَمي مِن قَلبِها قُبَلُ
وَكَأَنَّني في عَينِها لَهَبٌ
بِفُؤادِها الوَلهانِ مُتَّصِلُ
يَبدو رَماداً حينَ تَلحَظُنا
عينٌ وَحينَ تَغيبُ يَشتَعِلُ
يا خَيرَ مَن حَنَّت لَها مُهَجٌ
وَأَحبَّ مَن غَزَلَت لَها مُقَلُ
أَفرَغتِ عِطرَكِ في دَمي فَعَلى
شِعري عَبيرٌ مِنكِ مُنهَمِلُ
لَولاكِ جفَّ الشِعرُ في كَبِدي
وَحييتُ لا حبٌّ وَلا أَمَلُ
- يقول عبدالغني النّابلسي:
لم أزل في الحبّ يا أملي
أخلط التّوحيد بالغزل
وعيوني فيك ساهرة
دمعها كالصّيب الهطل
ليت لي من نور طلعتكم
لمحة كي تنطفي غللي
إنّ أحشائي بكم تلفت بل
وجسمي في الغرام بلى
واصطباري يوم جفوتكم
زال والتّهيام لم يزل
وريح المسك في الصّندوق يفشو
ويعرف منه قدر الانتشاق
وهل نور النّجوم يلوح إلّا
على مقدار إدراك المآقي
هو الحقّ المبين وكلّ شيء
سواه باطل بالاتّفاق
قديم لا بمعنى فهم كون
وباق لا كقول الخلق باقي
- يقول ماجد البلداوي:
هكذا تظل مزروعاً على خاصرة الأرض
منتظراً خُطا الحبيبة التي
ودّعها الدّرب
ولامست أثوابها الرّياح
منتظراً تظل تحصي ورق الأمطار
وقد نأت عنك
زوارق الماء
ولذّة الغناء والموال
فها أنا طفلك ظلّ خائفا،
مدّثِراً بالمطر النّاعم والأشجار
ولم أزل أغزل من عباءة الشّمس
رداء من قصب
ومن ضفيرة الماء
قميصاً من ذهب
مرتحلاً أحمل فانوس مساءاتي التي
أطفأها العزف على قارعة الطّريق
يا نجمة الضّفاف والبيوت
إلى متى أظلّ مولعاً في حلم الطّائر
وهو يقتفي الأثر
إلى متى،
أسلخ جلد الأرض بالتّجوال
وعند لجّة التّعب
إلى متى أفهرس النّهار والمساء
وسادتي الصّمت
وغربة الجسد
قصائد في الغزل
من جميل ما قيل في الغزل القصائد الآتية:
أُحبُّ مِنَ النّسَاءِ، وَهُنّ شَتى
الفرزدق
أُحبُّ مِنَ النّسَاءِ، وَهُنّ شَتى،
حَدِيثَ النّزْرِ وَالحَدَقَ الكِلالا
مَوانِعُ للحَرَامِ بِغَيْرِ فُحْشٍ،
وَتَبْذُلُ ما يَكُونُ لها حَلالا
وَجَدْتُ الحُبَّ لا يَشْفِيهِ إلاّ
لِقَاءٌ يَقْتُلُ الغُلَلَ النِّهَالا
أقُولُ لِنِضْوَةٍ نَقِبَتْ يَدَاهَا،
وَكَدّحَ رَحْلُ رَاكِبِها المَحَالا
وَلَوْ تَدْرِي لَقُلْتُ لِا اشْمَعِلّي،
ولا تَشْكي إليّ لَكِ الكَلالا
فإنّك قَدْ بَلَغْتِ، فلا تَكُوني
كَطاحِنَةٍ وَقَدْ مُلِئَتْ ثِفَالا
فإنّ رَوَاحَكِ الأتْعَابُ عِنْدِي،
وتَكْليفي لَكِ العُصَبَ العِجَالا
وَرَدِّي السّوْطَ مِنْكِ بحَيْثُ لاقَى
لَكِ الحَقَبُ الوَضِينَ بحَيْثُ جَالا
فَماتَرَكَتْ لَها صَحْراءُ غَوْلٍ،
ولا الصَّوّانُ مِنْ جَذْمٍ نِعَالا
تُدَهْدِي الجَنْدَلَ الحَرّيَّ لَمّا
عَلَتْ ضَلِضاً تُنَاقِلُهُ نِقَالا
فَإنّ أمَامَكِ المَهْدِيَّ يَهْدِي
بِهِ الرّحْمَنُ مَنْ خَشِيَ الضّلالا
وَقَصْرُكِ مِنْ نَدَاهُ، فَبَلّغِيني،
كَفَيْضِ البَحْرِ حِينَ عَلا وَسَالا
نَظَرْتُكَ مَا انْتَظَرْتَ الله حَتّى
كَفَاكَ المَاحِلِينَ بكِ المحَالا
نَظَرْتُ بإذْنِكَ الدّوْلاتِ عِنْدِي،
وَقُلْتُ عَسَى الّذِي نَصَبَ الجِبَالا
يُمَلّكُهُ خَزَائِنَ كُلّ أرْضٍ،
وَلمْ أكُ يَائِساً مِنْ أنْ تُدَالا
فَأصْبَحَ غَيْرَ مُغْتَصَبٍ بِظُلْمٍ،
تُرَاثَ أبيكَ حِينَ إلَيْكَ آلا
وَإنّكَ قَدْ نُصِرْتَ أعَزَّ نَصْرٍ،
على الحَجّاجِ إذْ بَعَثَ البِغالا
مُفَصِّصَةً تُقَرِّبُ بِالدّوَاهي،
وَنَاكِثَةً تُريدُ لَكَ الزِّيَالا
فَقَالَ الله: إنّكَ أنْتَ أعْلى
مِنَ المُتَلَمّسِينَ لَكَ الخَبَالا
فأعطاكَ الخلاَفَةَ غَيْرَ غَصْبٍ،
وَلَمْ تَرْكَبْ لِتَغْصِبَهَا قِبَالا
فَلَمّا أنْ وَلِيتَ الأمْرَ شَدّتْ
يَدَاكَ مُمَرّةً لَهُمُ طِوَالا
حِبَالَ جَمَاعَةٍ وَحِبَالَ مُلْكٍ،
تَرَى لَهُمُ رَوَاسِيهَا ثِقَالا
جَعَلْتَ لَهُمْ وَرَاءَكَ فاطْمَأنّوا،
مَكَانَ البَدْرِ، إذْ هَلَكُوَا هِلالا
وَليَّ العَهْدِ مِنْ أبَوَيْكَ، فِيهِ
خَلائِقُ قَدْ كَمَلْنَ لَهُ كَمالا
تُقىً وَضَمَانَةً للنّاسِ عَدْلاً،
وأكْثَرَ مَنْ يُلاثُ بِهِ نَوَالا
فَزَادَ النّاكِثِينَ الله رَغْماً،
ولا أرْضَى المَعاطِسَ وَالسَّبَالا
فَكَانَ النّاكِثُونَ، وَما أرادُوا،
كَرَاعي الضّأنِ إذْ نَصَبَ الخِيَالا
وَرَاءَ سَوَادِهَا يُخْشَى عَلَيْهَا،
لِيَمْنَعَهَا وَمَا أغْنى قِبَالا
فأْصْبَحَ كَعْبُكَ الأعْلى وأضْحَوْا
هَبَاءَ الرّيحِ يَتّبِعُ الشَّمَالا
ألَسْتَ ابنَ الأئِمَةِ مِنْ قُرَيْشٍ،
وَحَسْبُكَ فَارِسُ الغَبْرَاءِ خَالا
إمَامٌ مِنْهُمُ للنّاسِ فِيهِمْ
أقَمْتَ المَيْلَ، فَاعْتَدَلَ اعْتِدالا
عَمِلْتَ بِسُنّةِ الفَارُوقِ فِيهِمْ،
وَمِنْ عُثْمَانَ كُنْتَ لَهُمْ مِثَالا
وَأمِّ ثَلاثَةٍ مَعَها ثَلاثٌ،
كَأنّ بِأُمّهِمْ وَبِهِمْ سُلالا
فَتَحْتَ لَهُمْ بإذْنِ الله رَوْحاً،
وَلا يَسْطِيعُ كَيْدُهُمُ احْتِيَالا
دعوا الوشاة
بهاء الدّين زهير
دعوا الوشاة َوما قالوا وما نقلوا
بيني وبينكمُ ما ليسَ ينفصلُ
لكمْ سرائرُ في قلبي مخبأة ٌ
لا الكتبُ تنفعني فيها ولا الرّسلُ
رسائلُ الشّوقِ عندي لوْ بعثتُ بها
إليكمُ لم تسعها الطّرقُ والسّبلُ
أُمسِي وَأُصبحُ وَالأشواقُ تَلعبُ بي
كأنّما أنا منها شاربٌ ثملُ
وَأستَلذّ نَسيماً من دِيارِكُمُ
كأنّ أنفاسَهُ من نَشرِكُمْ قُبَلُ
وكم أحملُ قلبي في محبتكمْ
ما لَيسَ يَحمِلُهُ قلبٌ فَيحتَملُ
وكمْ أصبرهُ عنكمْ وأعذلهُ
وليسَ ينفعُ عندَ العاشقِ العذلُ
وا رحمتاهُ لصبًّ قلّ ناصرهُ
فيكمْ وضاقَ عليهِ السّهلُ وَالجبلُ
قضيتي في الهوى واللهِ مشكلة ٌ
ما القولُ ما الرّأيُ ما التّدبيرُ ما العملُ
يَزْدادُ شعريَ حُسناً حينَ أذكرُكُم
إنّ المليحة َ فيها يحسنُ الغزلُ
يا غائبينَ وفي قلبي أشاهدهم
وكلّما انفَصَلوا عن ناظري اتّصَلوا
قد جدّدَ البُعدُ قرْباً في الفؤاد لهمْ
حتّى كأنّهمُ يومَ النّوى وصلوا
أنا الوفيُّ لأحبابي وإنْ غدروا
أنا المقيمُ على عهدي وإن رحلوا
أنا المُحبّ الذي ما الغدرُ من شيَمي
هيهاتَ خُلقيَ عنهُ لَستُ أنتَقلُ
فَيا رَسُولي إلى مَنْ لا أبُوحُ بهِ
إنّ المُهِمّاتِ فيها يُعرَفُ الرّجلُ
بلغْ سلامي وبالغْ في الخطابِ لهُ
وقَبّلِ الأرْضَ عني عندَما تَصِلُ
بالله عَرّفْهُ حالي إنْ خَلَوْتَ بهِ
ولا تُطِلْ فحَبيبي عندَهُ مَلَلُ
وتلكَ أعظمُ حاجاتي إليكَ فإنْ
تنجحْ فما خابَ فيك القصْدُ والأملُ
ولم أزلْ في أموري كلما عرضتْ
على اهتمامكَ بعدَ اللهِ أتّكلُ
وليسَ عندكَ في أمرٍ تُحاوِلُهُ
والحمد للهِ لا عجزٌ ولا كسلُ
فالنّاسُ بالنّاسِ وَالدّنيا مكافأة ٌ
والخيرُ يذكرُ والأخبارُ تنتقلُ
وَالمَرْءُ يَحتالُ إن عزّتْ مَطالبُهُ
وربما نفعتْ أربابها الحيلُ
يا منْ كلامي له إن كانَ يسمعه
يَجدْ كَلاماً على ما شاءَ يَشتَملُ
تَغَزّلاً تَخلُبُ الألْبابَ رِقّتُهُ
مضمونه حكمة ٌ غراءُ أوْ مثلُ
إنّ المليحة َ تغنيها ملاحتها
لا سِيّما وَعَليها الحَلْيُ وَالحُلَلُ
دَعِ التّوَانيَ في أمْرٍ تَهُمّ بِهِ
فإنّ صرفَ اللّيالي سابقٌ عجلُ
ضَيّعتَ عمركَ فاحزَنْ إن فطِنتَ له
فالعُمرُ لا عِوَضٌ عنه وَلا بَدَلُ
سابقْ زمانكَ خوفاً منْ تقلبهِ
فكَمْ تَقَلّبَتِ الأيّامُ وَالدّوَلُ
وَاعزمْ متى شئتَ فالأوْقاتُ واحدة ٌ
لا الرّيثُ يدفعُ مقدوراً ولا العجلُ
لا تَرْقُبِ النّجمَ في أمرٍ تُحاوِلُهُ،
فالله يَفعَلُ، لا جَديٌ وَلا حَمَلُ
مع السّعادة ِ ما للنّجمِ من أثرٍ
فلا يغركَ مريخٌ ولا زحلُ
الأمرُ أعظمُ والأفكارُ حائرة ٌ
والشّرعُ يصدقُ والإنسانُ يمتثلُ
غزل حروفي
أديب كمال الدّين
هذي المرّة
لن تكوني مثل كلّ مرّة
امرأة من لحم ودم
فلقد تعبتُ من دمكِ العاري وجحودكِ الأسطوري
من خيانتكِ التي تشبه مشنقةً دون حبل
وتعبتُ أكثر
من انتقالاتكِ المرّة الحامضة بين البراءة والذّنب
ومن أغنيتك: أغنية الكأس والسّكين
ولذا
هذي المرّة
ستكونين امرأةً من حرف
أخرجكِ متى أشاء
أمام جمع الوحوش
بيضاء من غير سوء
بيضاء لذّة للنّاظرين.
عسى
حين تكونين حرفاً
أن أمسك طير الفرح بقلبي
بعد أربعين قرناً من الطّيران الأعمى
عسى
أن ألتقي نقطتي فألتقط منها
طلسماً للحبّ والطّمأنينة
وألتقي هلالي فأراهُ يركض نحو العيد
بدشداشة العيد
وعسى
أن ألتقي دمي
فلا أجده أسود
ككفّ قُطِعَ منها الإبهام.
هذه آخر محاولات جغرافيتي الممزّقة
وتاريخي الذي يشبه معناي الذي لا معنى له
هذه آخر محاولات الطّفل فيّ
وآخر محاولات السّاحر فيّ
والمجنون والشّاعر
والوليّ
والزّاهد والرّاكض من بحرٍ لبحر
هذه آخر محاولات دمي:
أنتِ الآن امرأة من حرف
لا دم عندك ولا لحم
لا مؤامرات، لا مكائد، لا دسائس
لا هرطقات،
لا نزوات
لا ولا.
أنتِ الآن امرأتي
وشمعة داري!
أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِبا غَزِلِ
صريع الغواني
أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِّبا غَزِلِ
وَشَمَّرَت هِمَمُ العُذّالِ في العَذَلِ
هاجَ البُكاءُ عَلى العَينِ الطَّموحِ هَوَىً
مُفَرَّقٌ بَينَ تَوديعٍ وَمُحتَمَلِ
كَيفَ السُلُوُّ لِقَلبٍ راحَ مُختَبَلاً
يَهذي بِصاحِبِ قَلبٍ غَيرَ مُختَبَلِ
عاصى العَزاءَ غَداةَ البَينِ مُنهَمِلٌ
مِنَ الدُّموعِ جَرى في إِثرِ مُنهَمِلِ
لَولا مُداراةُ دَمعِ العَينِ لَاِنكَشَفَت
مِنّي سَرائِرُ لَم تَظهَر وَلَم تُخَلِ
أَما كَفى البَينُ أَن أُرمى بِأَسهُمِهِ
حَتّى رَماني بِلَحظِ الأَعيُنِ النُّجُلِ
مِمّا جَنى لي وَإِن كانَت مُنىً
صَدَقَت صَبابَةً خُلَسُ التَسليمِ بِالمُقَلِ
ماذا عَلى الدَّهرِ لَو لانَت عَريكَتُهُ
وَرَدَّ في الرَّأسِ مِنّي سَكرَةَ الغَزَلِ
جُرمُ الحَوادِثِ عِندي أَنَّها اِختَلَسَت
مِنّي بَناتِ غِذاءِ الكَرمِ وَالكِلَلِ
وَرُبَّ يَومٍ مِنَ اللَذّاتِ مُحتَضَرٍ
قَصَّرتُهُ بِلِقاءِ الرّاحِ وَالخُلَلِ
وَلَيلَةٍ خُلِسَت لِلعَينِ مِن سِنَةٍ
هَتَكتُ فيها الصِّبا عَن بَيضَةِ الحَجَلِ
قَد كانَ دَهري وَما بي اليَومَ مِن كِبَرٍ
شُربَ المُدامِ وَعَزفَ القَينَةِ العُطُلِ
إِذا شَكَوتُ إِلَيها الحُبَّ خَفَّرَها
شَكوايَ فَاِحمَرَّ خَدّاها مِنَ الخَجَلِ
كَم قَد قَطَعتُ وَعَينُ الدَهرِ راقِدَةٌ
أَيّامَهُ بِالصِبا في اللَّهوِ وَالجَذَلِ
وَطَيِّبِ الفَرعِ أَصفاني مَوَدَّتَهُ
كافَأتُهُ بِمَديحٍ فيهِ مُنتَخَلِ
وَبَلدَةٍ لِمَطايا الرَكبِ مُنضِيَةٍ
أَنضَيتُها بِوَجيفِ الأَينُقِ الذُّلُلِ
فيمَ المُقامُ وَهَذا النَجمُ مُعتَرِضاً
دَنا النَّجاءُ وَحانَ السَّيرُ فَاِرتَحِلِ
من يوميّات رجل مجنون
نزار قبّاني
إذا ما صَرَختُ:
” أُحِبُّكِ جِدَّاً”
” أُحِبُّكِ جِدَّاً”
فلا تُسْكِتيني.
إذا ما أضعتُ اتزّاني
وطَوَّقتُ خَصْرَكِ فوق الرّصيفِ،
فلا تَنْهَريني..
إذا ما ضَرَبتُ شبابيكَ نَهْدَيْكِ
كالبَرْقِ، ذات مَسَاءٍ
فلا تُطْفئيني..
إذا ما نَزَفْتُ كديكٍ جريحٍ على سَاعِدَيْكِ
فلا تُسْعِفيني..
إذا ما خرجتُ على كلِّ عُرْفٍ ، وكُلِّ نظامٍ
فلا تَقْمَعيني..
أنا الآن في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضيّعين فُرْصَةَ عُمْركِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
إذا ما تدفَّقْتُ كالبحر فوقَ رِمَالكِ..
لا تُوقِفيني..
إذا ما طلبتُ اللّجوءَ إلى كُحْل عَيْنَيْكِ يوماً،
فلا تطرُديني..
إذا ما انْكَسَرتُ فتافيتَ ضوءٍ على قَدَميْكِ،
فلا تَسْحقيني..
إذا ما ارْتَكَبْتُ جريمةَ حُبٍّ..
وضَيَّع لونُ البرونْزِ المُعَتَّقِ في كَتِفَيْكِ .. يقيني
إذا ما تصرّفتُ مثلَ غُلامٍ شَقيٍّ
وغَطَّسْتُ حَلْمَةَ نهداكِ بالخَمْرِ…
لا تَضْرِبيني.
أنا الآنَ في لَحَظات الجُنُونِ الكبيرِ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
إذا ما كتبتُ على وَرَق الوردِ،
أَنِّي أُحِبُّكِ…
أرجوكِ أَنْ تقرأيني..
إذا ما رَقَدتُ كطفلٍ، بغاباتِ شَعْرِكِ،
لا تُوقظيني.
إذا ما حملتُ حليبَ العصافير .. مَهْرَاً
فلا تَرْفُضيني..
إذا ما بعثتُ بألفِ رسالةِ حُبٍّ
إليكِ…
فلا تُحْرِقيها .. ولا تُحْرِقيني..
إذا ما رأَوكِ معي، في مقاهي المدينة يوماً،
فلا تُنكريني..
فكُلُّ نِسَاء المدينة يعرفْنَ ضَعْفي أمامَ الجَمَالِ..
ويعرفنَ ما مصدرُ الشِّعْرِ والياسمينِ..
فكيف التَخَفّي؟
وأنتِ مُصَوَّرَةٌ في مياه عُيوني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُون المُضيءِ
وسوفَ تُضِيعينَ فُرْصَةَ عُمْركِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني.
إذا ما النّبيذُ الفَرَنْسيُّ ،
فَكَّ دبابيسَ شَعْرِكِ دونَ اعتذارِ
فحاصَرَني القمحُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني اللّيلُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني البحرُ من كُلِّ جانبْ
وأصبحتُ آكلُ مثلَ المجانينِ عُشْبَ البراري..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يميني..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يساري؟
إذا ما النّبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى الفُروقَ القديمةَ بين بقائي وبين انتحاري
فأرجوكِ ، باسْمِ جميع المجاذيبِ ، أن تَفْهَميني
وأرجوكِ، حين يقولُ النّبيذُ كلاماً عن الحُبِّ.
فوق التوقُّع .. أن تعذُريني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُونِ البَهيِّ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمركِ
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنوني..
إذا ما النّبيذُ الفرنسيُّ،
ألْغَى الوُجُوهَ ،
وألْغَى الخُطُوطَ،
وألْغَى الزّوايا.
ولم يَبْقَ بين النّساءِ سواكِ.
ولم يَبْقَ بين الرّجال سوايا.
وما عدتُ أعرفُ أين تكونُ يَدَاكِ ..
وأينَ تكونُ يدايا..
وما عدتُ أعرفُ كيف أُفرِّقُ بين النّبيذِ،
وبين دِمَايا..
وما عدتُ أعرفُ كيف أُميِّز بين كلام يديْكِ
وبين كلام المرايا..
إذا ما تناثرتُ في آخر اللّيل مثلَ الشظايا
وحاصَرَني العشْقُ من كُلِّ جانبْْ
وحاصَرَني الكُحْلُ من كُلِّ جانبْ
وضَيَّعتُ أسْمي.
وعُنوانَ بيتي..
وضيَّعْتُ أسماءَ كُلِّ المراكِبْ
فأرجوكِ، بعد التّناثُرِ، أن تَجْمَعيني.
وأرجوكِ، بعدَ انْكِساريَ، أن تُلْصِقيني
وأرجوكِ، بعدَ مَمَاتيَ، أن تَبْعَثيني
أنا الآن في لَحَظاتِ الجنونِ الكبيرِ
وسوف تُضِيّعين فُرْصَةَ عُمْرِكِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنوني.
إذا ما النّبيذُ الفرنسيُّ ،
شالَ الكيمونُو عن الجَسَد الآسيويِّ
فأطْلَعَ من عُتْمةِ النَّهْد فَجْرَاً
وأطْلَعَ منهُ مَحَاراً..
وأطْلَعَ منه نُحاساً، وشاياً وعاجاً
وأطْلَعَ أشياءَ أُخرى..
إذا ما النّبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى اللُّغاتِ جميعاً.
وحوَل كُلَ الثّقافات صِفْرَا..
وكُلَّ الحضاراتِ صِفْرَا
وحوَّل ثَغْرَكِ بُسْتَانَ وردٍ
وحوَّلَ ثَغْريَ خمسين ثَغْرا..
إذا ما النّبيذُ الفرنسيُّ أعلنَ في آخر اللّيلِ ،
أنّكِ أحلى النّساءْ..
وأرشقُهُنَّ قواماً وخَصْرَا
وأعْلَنَ أنَّ الجميلاتِ في الكون نَثْرٌ
ووَحْدَكِ أنتِ التي صِرْتِ شِعْرَا
فباسْم السُّكَارى جميعاً
وباسْمِ الحَيَارى جميعاً
وباسْمِ الذينَ يُعانونَ من لعنة الحُبِّ ،
أرجوكِ لا تَلْعَنيني..
وباسْمِ الذين يعانونَ من ذَبْحةِ القلبِ،
أرجوكِ لا تَذْبحيني..
أنا الآنَ في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضِيعين فُرْصَة عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني..