أشعار فراق الحبيب

الفراق

الفراق هو العذاب والأنين والألم والحزن الذي يصيب الشخص بعد الانفصال عن المحبوب أو انفصاله عن شيء ما يحبه، وهو الذهاب بلا عودة وفقدان الأمل من رؤية المحبوب بعد ذلك، سواء كان السبب هو الموت أو بسبب ظروف خارجة عن الإرادة، ولا يوجد علاج للفراق سوا الصبر والتحمل، ويوجد العديد من الشعراء الذين كتبوا عن الفراق بينهم وبين المحبوبة أو الأهل، وفي هذا المقال سوف نعرض لكم أجمل القصائد عن الفراق.

أما الفراق فإن موعده غد

ابن دنينير هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ولد عام 1187م وقتل سنة 627هـ، وله العديد من القصائد عن الفراق منها:[١]

أما الفراق فإنّ موعده غد

فإلآمَ يعذل عاذل ويفند

قد ازمعوا للبين حتى أنه

قرب البعاد وحان منه الموعد

فدموع عيني ليس ترقأ منهم

ولهيب قلبي في الهوى لا يخمد

أورثتموني بالنوى من عزكم

ذلا ومثل الذل ما يتعوّد

يا جيرة العلمين قلّ تصبّر

عن وصلكم حقا وعزّ تجلّد

أنى ذكرتكم فصبر غائر

عنكم وقلب في هواكم منجد

أوشمت بارقة الشآم فإنما

بين الأضالع زفرة تتوقّد

يا حبّذا ربع بمنبج إذ غدا

فيه يغازلني الغزال الأغيد

ربع يروح القلب فيه مروحا

والشوق نحو لقائه يتزيّد

ما لذّ لي عيش بغير ربوعه

إلا به عيش ألذّ وأرغد

يا من نأوا والشوق يدنيهم إلى

قلبي وإن بعدوا وإن لم يبعدوا

أصفيتكم في الحبّ محض مودمي

ولها وليس لكم إلّ تودّد

ولربّ لاح في هواكم لم يبت

والجفن منه للفراق مسهّد

قد زاد في عذ لي بكم فكأنّه

سيف عليّ مع الزمان مجرّد

أيروم أن أسلو وسمعي لم يصح

نحو الملام وسلوتي ما توجد

والشيب في رأسي يلوح ومفرقي

والشمل من ريب الزمان مبدّد

والنائباتُ تنوبني لكنما

لا خوف لي منها وذخري أحمد

ملك يدين له القضاء كأنّما

أمر القضاء بما يؤمّم يعقد

ملك على ايام منه سكينة

ولخفه قلب الحوادث يرعد

خفّت حلوم الناس وهو مثقف

وهفت عقول الخلق وهو مسدد

عري الأنام من الناقب فاغتدى

وله المكارم والعلى والسؤدد

نظر الأمور بجانب من طرفه

عزم يضيء وفكرة تتوقّد

اسد إذا احتدم الوغى فسيوفه

بطلى الأعادي منه حقا تغمد

فتكات أغلب في الكريهة باسل

قطعت فؤاد الخصم وهو يلندد

وعزيمة قطع الخطوب مضاؤها

من أن نلم به وراي محصد

شرفا بني مهران بالملك الذي

من دون همته السها والفرقد

الواهبُ الأموال غير مكدّر

ورد الندى فسروره إذ يرفد

فله العطايا الغرّ ليس يشويها

من ومنه أنعم لا تجحد

يهتزّ للمداح حتى أنه

طرب لنظم مديحه إذ ينشد

ثمل بإنشاد القريض كأنه

مصع يغنيه الفريض ويعبد

يا أيها الملك الذي يوجوده

وجد الورى للدهر فعلا يحمد

لو لم تكن في الناس لم يكن فيه

جود يرام ولا كريم يقصد

هنئت بالعيد الذي بكم له

عظم الهناء وللورى إذ غيّدوا

فانحروا ولا تنحر عداك فإنما

بعداوة لهم العيوب تعدّد

واسلم لتحيا في جنابك أنفس

والت وتكبت من بقائك حسّد

زوروا بثينة فالحبيب مزور

جميل بن معمر هو شاعر ومن عشاق العرب المعروفين، ومن أشهر شعراء العصر الأموي واشتهر باسم جميل بثينة، عاش في قبيلة عذرة التي تقع في وادي القرى بين بلاد الشام والمدينة، كان يحب ابنة عمه بثينة بنت حيان وألف فيها الكثير من أشعار الحب وقال في الفراق:[٢]

زورا بثينة فالحبيبُ مزورٌ

إنّ الزيارة َ للمحبِّ يسيرُ

إنّ الترحُّلَ أن تَلَبّسَ أمرُنَا

وأعتاقنا قَدَرٌ أُحِمَّ بَكُورُ

إني عَشِيّة َ رُحتُ وهي حزينة ٌ

تشكو إليّ صبابة ً لصبورُ

وتقول بتْ عندي فديتكَ ليلة ً

أشكو إليكَ فإنّ ذاكَ يَسيرُ

غرّاءُ مِبسامٌ كأنّ حديثها

دُرٌّ تحدّرَ نَظمُه منثور

محطوطة ُ المَتنين مُضمَرة ُ الحشا

رَيّا الروادفِ خَلّقُها مَمكُور

لا حسنها حسنُ لا كدلالها

دَلٌّ ولا كوقَارها توقير

إنّ اللسانَ بذكرها لموكلُ

والقلبُ صادٍ والخواطِرُ صُور

ولئن جَزَيتِ الودَّ منّي مثلَهُ

إني بذلكَ يا بثينَ جديرُ

رحلوا فشموسهم تجب

ابن الساعاتي هو رضوان بن محمد الساعاتي شاعر وموسيقي وسياسي وخطاط، تعلم من أبيه علم الفلك وعلم الميكانيك وأنهى رضوان في سنة 1203م كتاباً في علم الساعات وسماه علم السـاعات والعمل بها، ومن قصائده التي صنفها القارئ على أنّها قصيدة فراق ونوعها عمودية القصيدة الآتية:[٣]

رحلوا فشموسهمُ تجبُ

وفؤادي من قلق يجبُ

فالبرق لناري مبتسمٌ

والسحبُ لدمعي تنتحب

فسيقتِ الغيثُ طلولهمُ

والبُّ بربعكَ يا لبب

وغدتْ ملابسها قشبٌ

بك عن كثبٍ تلك الكثب

فاليكَ منك شكاية ذي

قلبٍ فتكتْ فيه القلب

أو ما وظبائك ساحبةً

وشحاً كفؤادي تضطرب

هيفاً قضبٌ أعطا فهمُ

عيناً ألحاظهمُ قضب

وكفاكَ لقد سلبوا جلدي

وضلالٌ أنشدُ ما سلبوا

أنفاسي بعدهمُ صعدٌ

ودموعي واكفةٌ صبب

وبروحي ألمى ذو شنبٍ

والعاشقُ آفتهُ الشنب

من ريقتهِ ومقّبلهِ

كالقهوةِ وشَّحها الحبب

وهمَ الأقوامُ الخمرُ بفيه فك

يف يخصُّ بها العنب

يا مانع َ كأسِ مقَّبلهِ

إدلالٌ صدّكَ أمْ غضب

ومديراً كأسَ سلافتهِ

كالفضّة مازجها الذهب

أقبلتَ وكفّك ما خضبت

وكأنك منها تختضب

عجبٌ عشّاقك أنّهمُ

سكروا باللحظ وما شربوا

أكذاك تعزُّ متى ذلُّوا

لهواك وتمنعُ أن طلبوا

لملكتَ الحسنَ فكلٌّ من

ك يحوز الحسنَ ويكتسب

بك تمُّهمُ وكذاك الشمس

تمام البدر بما تهب

لم يبق جفاكَ ليَ دمعاً

ينهلُّ عليك وينسكب

كصلاح الدين الناصر يو

سف جاد فليس له نشب

وداع وشكوى

إيليا أبو ماضي شاعر عربي لبناني يُعدّ من أهم شعراء المهجر ولد بقرية المحيدثة في المتن الشمالي اللبناني، وتوفي عام 1957 ميلادي، ومن أجمل أشعاره في الفراق:[٤]

أزفّ الرّحيل وحان أن نتفرّقا

فإلى اللّقا يا صاحبّي إلى اللّقا

إن تبكيا فلقد بكيت من الأسى

حتى لكدت بأدمعي أن أغرقا

وتسعّرت عند الوداع أضالعي

نارا خشيت بحرّها أن أحرقا

ما زلت أخشى البين قبل وقوعه

حتى غدوت وليس لي أن أفرقا

يوم النوى للّه ما أقسى النّوى

لولا النّوى ما أبغضت نفسي البقا

رحنا حيارى صامتين كأنّما

للهول نحذر عنده أن ننطقا

أكبادنا خفّاقة وعيوننا

لا تستطيع من البكا أن ترمقا

نتجاذب النظرات وهي ضعيفة

ونغالب الأنفاس كيلا تزهقا

لو لم نعلّل باللقاء نفوسنا

كادت مع العبرات أن تتدّفقا

يا صاحبي تصبّرا فلربّما

عدنا وعاد الشّمل أبهى رونقا

إن كانت الأيّام لم ترفق بنا

فمن النّهى بنفوسنا أن نرفقا

أنّ الذي قدر القطيعة والنّوى

في وسعه أن يجمع المتفرّقا

ولقد ركبت البحر يزأر هائجا

كالليث فارق شبله بل أحنفا

والنفس جازعة ولست ألومها

فالبحر أعظم ما يخاف ويتّقى

فلقد شهدت به حكيما عاقلا

ولقد رأيت به جهولا أخرقا

مستوفز ما شاء أن يلهو بنا

مترّفق ما شاء أن يتفرّقا

تتنازع الأمواج فيه بعضها

بعضا على جهل تنازعنا البقا

بينا يراها الطّرف سورا قائما

فاذا بها حالت فصارت خندقا

والفلك جارية تشقّ عبابه

شقّا كما تفري رداء أخلقا

تعلو فنحسبها تؤمّ بنا النّسما

ونظنّ أنّا راكبون محلّقا

حتّى إذا هبطت بنا في لجّة

أيقنت أنّ الموت فينا أحدقا

والأفق قد غطّى الضباب أديمه

فكأنّما غشي المداد المهرفا

لا الشّمس تسطع في الصّباح ولا نرى

إمّا استطال اللّيل بدرا مشرقا

عشرون يوما أو تزيد قضيتها

كيف التفتّ رأيت ماء مغدقا

نيويورك يا بنت البخار بنا اقصدي

فلعلّنا بالغرب ننسى المشرقا

وطن أردناه على حبّ العلى

فأبى سوى أن يستكين إلىالشّقا

كالعبد يخشى بعدما أفنى الصبى

يلهو به ساداته أن يعتقا

أو كلّما جاء الزمان بمصلح

في أهله قالوا طغى وتزندقا

فكأنما لم يكنه ما قد جنوا

وكأنما لم يكفهم أن أخفقا

هذا جزاء ذوي النّهى في أمّة

أخذ الجمود على بينها موثقا

وطن يضيق الحرّ ذرعا عنده

وتراه بالأحرار ذرعا أضيقا

ما إن رأيت به أديبا موسرا

فيما رأيت ولا جهولا مملقا

مشت الجهالة فيه تسحب ذيلها

تيها وراح العلم يمشي مطرقا

أمسى وأمسى أهله في حالة

لو أنها تعرو الجماد لأشفقا

شعب كما شاء التخاذل والهوى

متفرّق ويكاد أن يتمزّقا

لا يرتضي دين الآله موفّقا

بين القلوب ويرتضيه مفرقا

كلّف بأصحاب التعبّد والتّقى

والشرّ ما بين التعبّد والتّقى

مستضعف إن لم يصب متملقا

يوما تملّق أن يرى متملقا

لم يعتقد بالّلم وهو حقائق

لكنّه اعتقد التمائم والرّقى

ولربما كره الجمود وإنما

صعب على الانسان أن يتخلّقا

وحكومة ما إن تزحزح أحمقا

عن رأسها حتّى تولّي أحنقا

راحت تناصبنا العداء كأنما

جئنا فريّا أو ركبنا موبقا

وأبت سوى إرهقنا فكأنما

كلّ العدالة عندها أن ترهقا

بينا الأحباب يعبثون بها كما

عبث الصّبا سحرا بأغصان النّقا

بغداد في خطر ومصر رهينة

وغدا تنال يد المطامع جلّقا

ضعفت قوائمها ولما ترعوي

عن غيّها حتى تزول وتمحقا

قيل اعشقوها قلت لم يبق لنا

معها قلوب كي نحبّ ونعشقا

إن لم تكن ذات البنين شفيقة

هيهات تلقى من بينها مشفقا

أصبحت حيث النّفس لا تخشى أذى

أبدا وحيث الفكر يغدو مطلقا

نفسي اخلدي ودعي الحنين فإنما

جهل بعيد اليوم أن نتشوّقا

هذي هي الدّنيا الجديدة فانظري

فيها ضياء العلم كيف تألّقا

إني ضمنت لك الحياة شهيّة

في أهلها والعيش أزهر مونقا

المراجع

  1. ابن دنينير، “أما الفراق فإنّ موعده غد “، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-27.
  2. جميل بثينة، ديوان جميل بثينة (الطبعة الاولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 65.
  3. ابن الساعاتي، ” رحلوا فشموسهم تجب”، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-27.
  4. ايليا ابو ماضي، “وداع وشكوى”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-27.